رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صحـافة القـابضـين علـي الـجمر

لو ان سعيد عبد الخالق رحل قبل أسابيع لا أيام،‮ ‬فربما شكلت تجربته الصحفية المميزة فصلا كاملا من فصول كتاب الكاتب الصحفي الكبير‮ ‬نبيل زكي‮ "‬صحافة‮.. ‬وصحفيون يوميات في بلاط صاحبة الجلالة‮" ‬الذي صدر قبل ايام،وحمل ضمن ما حمل مفاجأة سارة،باعلان نبيل زكي انه يعكف الآن علي الانتهاء‮ ‬من كتابة سيرته الذاتية‮ ‬،واعدادها للنشر،‮ ‬والتي لا اشك انها ستقدم إضافة الي الحركة السياسية والي مهنة الصحافة‮. ‬والكتاب يحتوي علي تأملات في المسيرة المهنية والشخصية،‮ ‬لعدد من الصحفيين والكتاب الذين رحلوا في السنوات الاخيرة،‮ ‬والذين عرفهم المؤلف عن قرب،‮ ‬واكتشف جوانب من افكارهم ومواقفهم جديرة بالتسجيل،ولم تكن تحظي بالفرص لإلقاء الضوء عليها،‮ ‬ليس فقط وفاء لذكراهم فقط،‮ ‬ولكن امتثالا لواجب إحياء وتجديد تلك الذكري،‮ ‬لكي يدرك الجيل الجديد من الصحفيين،‮ ‬عبر خبرات من رحلوا‮ ‬ان مهنة الصحافة،‮ ‬كما وصفها واحد من اعلامها،‮ ‬وممن أسسوا نقابتها ومواثيق شرفها المهني محليا ودوليا وهو الدكتور محمود عزمي‮ (‬1889‮-‬1954‮) ‬هي معلمة الامم من الوجهة السياسية‮. ‬ومربيتها من الوجهة الخلقية،‮ ‬وان وظيفة الصحافة الاجتماعية هي توجيه الرأي العام بشرط كفالة حريتها،‮ ‬وان الصحافة قبل انت تكون مهنة هي دور ورسالة‮. ‬ولأن الصحفي كما يصفه نبيل زكي كالفراشة التي تنجذب الي النور حتي تحرق جناحيها وتفني،‮ ‬فقد جاءت النماذج التي انطوي عليها كتابه لصحفيين تساقطوا إما بالسكتة القلبية،‮ ‬او بارتفاع ضغط الدم او بالاضطراب العصبي‮" ‬وغالبا ما يفارقون الحياة وهم يضعون آخر نقطة في ختام موضوع اخباري او مقال تحليلي،‮ ‬ومن لا يرحل ضحية نوبة قلبية او الضغط او الاعصاب‮.. ‬يفقد حياته بالرصاص والقنابل والتفجيرات هنا وهناك‮. ‬او ضحية لقناص‮ ‬ينتظره علي قارعة الطريق‮". ‬لعل سعيد عبد الخالق كان واحدا من بين هؤلاء‮.‬

قبل نحو ثلاثة وثلاثين عاما،‮ ‬اختار سعيد عبد الخالق‮ (‬62عاما‮) ‬ان ينضم الي الرعيل الذي فضل ان يترك العمل المضمون والمستقر والآمن في الصحافة القومية،‮ ‬وبالتحديد في جريدة الجمهورية اليومية ذائعة الانتشار،‮ ‬ليغامر بالانتقال للعمل في اول صحيفة معارضة،‮ ‬بعد عودة التعددية الحزبية في عام‮ ‬1976،‮ ‬وهي جريدة الاحرار التي اسسها‮ "‬صلاح قبضايا‮" ‬في منتصف نوفمبر عام‮ ‬1977‭.‬‮ ‬لم يكن احد يؤكد ان مستقبل هذه الصحيفة المعارضة سيكون مضمونا،‮ ‬او أنها ستصمد وتواصل الصدور،‮ ‬لاسيما انها بدأت منذ العدد الاول تصطدم بالسلطة،‮ ‬بالكشف عن الكوارث الزراعية التي أدت اليها سياسة الحكومة،‮ ‬وإلقاء الضوء علي مافيا الفساد المتغلغلة في الادارة والسلطة التنفيذية والتي كان من بينها توزيع الشقق التي تبنيها الدولة في المحافظات لمتوسطي الدخل،‮ ‬علي الأهل والاقارب والمحاسيب،‮ ‬وكان سعيد عبد الخالق واحدا من فرسان هذه الحملات الموسعة علي قضايا الفساد بتحقيقاته الصحفية الجريئة والموثقة،‮ ‬والتي انتقلت من صفحات الجريدة الي استجوابات برلمانية في مجلس الشعب،‮ ‬والي تحقيقات في أروقة النيابة العامة أسفرت عن الاطاحة بمسئولين من مواقعهم‮.‬

كان سعيد عبد الخالق في بداية مشواره‮ ‬العملي،‮ ‬واختياره العمل في صحيفة معارضة هو لون من المقامرة بمستقبله المهني،‮ ‬فإذا ما عرفنا الصعوبات التي واجهت تشكيل هيئة تحرير‮ "‬الاحرار‮" ‬وتراجع بعض كبار الصحفيين الذين وافقوا علي العمل بها،‮ ‬بل أو تولي رئاسة تحريرها،‮ ‬وعدولهم عن تلك الموافقة في اللحظات الاخيرة،‮ ‬وهي الصعوبات التي فصلها‮ "‬صلاح قبضايا‮" ‬في كتابه المهم"صحفي ضد الحكومة‮"‬،‮ ‬لادركنا ان وراء اختيار سعيد عبد الخالق موقفا جسورا علي المستوي السياسي والشخصي والمهني،‮ ‬وان تلك المغامرة كانت علي‮ ‬غير‮ ‬المألوف،‮ ‬لكن المؤكد انها كانت موقفا مبدئيا يستهدف السعي لتنويع الدماء في الصحافة المصرية،‮ ‬والخروج من أسر القيود التي كانت ولاتزال تغلل العاملين فيها،‮ ‬ومنذ ذلك الحين تغير مسار حياته،‮ ‬وانتقل من الاحرار التي تولي إدارة

تحريرها الي صحيفة معارضة اخري هي‮ "‬الوفد‮" ‬التي شارك،مع الثلاثي‮ "‬مصطفي شردي‮" ‬و"جمال بدوي‮" ‬و"عباس الطرابيلي‮" ‬في تأسيسها،‮ ‬ثم الي صحيفة الميدان،‮ ‬قبل ان يعود الي الوفد مرة اخري رئيسا لتحريرها،‮ ‬وعضوا قياديا في الحزب الذي يصدرها‮. ‬وتعد الميدان ومجلة الشرطة،‮ ‬تجربتين مهمتين في مسار سعيد عبد الخالق المهني،‮ ‬فقد كانت صحيفة الميدان تحت رئاسته من اوائل الصحف الخاصة التي فتحت صفحاتها لتكون منبرا‮ ‬لكل الآراء والتيارات والاجيال،‮ ‬وحين تولي رئاسة تحرير مجلة الشرطة،‮ ‬اضفي عليها من مواهبه المهنية ما حولها من مجلة كانت قبل رئاسته تخاطب فقط الفئة التي تصدر لها،‮ ‬الي مجلة عامة تقدم وجبة صحفية متكاملة ترضي كل الاذواق،‮ ‬فأضاف اليها أبوابا جديدة،‮ ‬واهتمامات متنوعة،‮ ‬وحرص علي ان يستكتب فيها كتابا وصحفيين ينتمون الي اجيال مختلفة،‮ ‬ورؤي مختلفة،‮ ‬فوسع من نطاق الخطاب الذي تتوجه به المجلة،‮ ‬كما وسع من نطاق قرائها‮.‬

يعرف العاملون في الصحافة الحزبية أكثر من‮ ‬غيرهم حجم الضغوط التي يتعرضون لها من داخل الاحزاب او من خارجها،‮ ‬فبسبب التطور الديقراطي المشوه الذي حاصر احزاب المعارضة في مقارها،‮ ‬وحال بينها وبين الترويج لبرامجها ورؤاها والتجنيد لعضويتها وسط التجمعات الجماهيرية،‮ ‬اصبح الانجاز الحزبي الوحيد والدائم والمستمر وربما مصدر التأثير المؤكد،‮ ‬هو الاصدار اليومي او الاسبوعي للجريدة الحزبية،‮ ‬مما دفع الذين ساهموا في صنع هذا التشوه،‮ ‬وفي إضعاف احزاب المعارضة الي وصف صحفها بأنها صحف تصدر احزابا،‮ ‬وهو وصف لاينطوي علي شماتة فحسب،‮ ‬بل ايضا علي تفاخر بقمع المعارضة وتهميشها‮. ‬ولم تكن تلك هي مشكلة الصحف الحزبية الوحيدة،‮ ‬والتي عانت‮ ‬ايضا من مشاكل مالية ساهم فيها الارتفاع الجنوني في أسعار الورق،‮ ‬ومن ضعف هياكلها الادارية والمهنية،‮ ‬ومن قلة حصصها من الاعلانات،‮ ‬ومن قوانين تمنع الاحزاب من إقامة مشاريع تجارية لتمويل أنشطتها وجرائدها،فزاد ذلك من الضغوط علي هيئات تحريرها،‮ ‬التي اختارت بوعي ان تستمر في مواقعها للحفاظ علي الدور الذي تقوم به الصحافة الحزبية في الدفاع عن مصالح الشعب والوطن،‮ ‬وسط مناخ صحفي‮ ‬اصبح تتنازعه قوي اقتصادية ومالية عاتية لا ولاء لها إلا للربح،‮ ‬فيما‮ ‬تصر الصحف الحزبية علي التمسك بقيم والتزامات‮ ‬مواثيق شرف المهنة التي تجعل الولاء الاول والاخير للقارئ وللحقيقة،‮ ‬التي لاتخدم سوي‮ "‬مصالح عامة‮" ‬مما يعرضها لهجوم متعدد الجبهات،‮ ‬ويجعل القابض علي تلك المبادئ المهنية كالقابض علي الجمر‮.‬

وكان سعيد عبد الخالق واحدا من رواد الصحافة الحزبية القابضين علي الجمر‮.‬