رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ويــل للـشجى من الخـلى



لو كنت متابعا لما يجرى على الساحة المصرية، وما تنشره الصحف وتبثه الفضائيات، وتعلق عليه وسائط الاتصال الاجتماعى، وكنت واحدا من بين هؤلاء الذين يشاركون الآن بالجهد والدم والعرق، فى المعارك الدائرة فى كل الجبهات ،لصد حملات الإرهاب الإجرامية المفتقدة للعقل والضمير، والسعى للنهوض بما ألم بالوطن من ترهل وانتهاك  للحقوق، ونهب للثروات والموارد ، وهدم لمؤسسات الدولة والمجتمع، على مدار نحو خمسين عاما، وحشد أوراق القوة للتصدى لكافة أنواع الضغوط الخارجية ،لعرقلة كل خطوة تخطوها البلاد نحو الأمام، لو كنت واحدا من بين هؤلاء، لغاص قلبى بين جوانحى، وصحت ألما والتياعا: ويل للشجى من الخلى .

فالمعارك المثارة الآن بين القوى المدنية التى ينتظر منها كل الذين شاركوا فى ثورة 30 يونية التوحد، لهزيمة تيارات الإسلام السياسى المتاجرة بالدين ،التى تتربص بالمجتمع، وتخطط للسيطرة على البرلمان القادم، كى تعيد إنتاج النظام الذى أسقطته تلك الثورة، تبعث على فقدان الأمل فى مدى صلابة وقوة البرلمان القادم، كما تخذل كل الذين راهنوا على دورها الحيوى فى خوض معارك المستقبل، انطلاقا من قاعدة أثبتتها ثورة 25 يناير، هى أن القوة المنظمة تستطيع دائما أن تهزم الرأى غير المنظم .
والمعركة التى دارت خلال الأيام الماضية بين ممثلى الأحزاب والحكومة، بشأن تعديل النظام الانتخابى ،تبين أن هناك ألف مبرر للاقتناع  بصواب منطق الطرفين. فالأحزاب التى طالب معظمها  بتقسيم الدوائر مناصفة بين النظام الفردى والقوائم النسبية بنسبة 40% لكل منهما، على أن تظل القائمة المطلقة بنسبة 20% للفئات الى تتمتع بالتمييز الإيجابى التى نص عليها الدستور، تنطلق من فكرة صائبة تقرها مدارس العلوم السياسية، وهى أن القائمة النسبية، تزيد من نفوذ الأحزاب، وترسخ من فكرة وجودها فى المجتمع، وتتيح الفرصة لتشكيل مجلس نواب متوازن من كتل حزبية، وليس من أفراد لا رابط بينهم .
وهناك مبررات قوية لاكتفاء الحكومة بعد تلك المداولات  مع الأحزاب ، بتنفيذ منطوق حكم المحكمة الدستورية الذى نص على وجوب إيجاد نوع من التناسب بين عدد السكان وعدد الأصوات وعدد المقاعد.  فالأحزاب غير مجمعة أصلا  على رأى موحد ، فيما يتعلق بالقانون الانتخابى . كما أن قبول اقتراح  إعادة تقسيم الدوائر قد يفتح الباب لطعون أخرى بعدم الدستورية ، فضلا عن أن تنفيذه يحتاج إلى وقت ، بما يؤدى إلى تأجيل الانتخابات، فى وقت بات فيه من الصعب تأجيلها، لأسباب محلية وإقليمية ودولية غير خافية على أحد، بينها على سبيل المثال ،لا الحصر، أن وثيقة إعلان المبادئ بشأن سد النهضة ،الموقعة فى الخرطوم بين مصر وإثيوبيا والسودان، تم الاتفاق بين رؤساء الدول الثلاث، علي أن تجيزها برلمانات هذه الدول  فى موعد أقصاه أكتوبر المقبل. وبدلا من أن نسعى للتفهم، بدأت المعارك،فانهالت الاتهامات، وسادت الشائعات، وسرى التشكيك فى النوايا، وأعلنت المقاطعات، وبدأت التهديدات، مع أن النظام الانتخابى الذى سيطبق، هو نظام مؤقت والتمييز الإيجابى سيحدث  لمرة واحدة فى الانتخابات التى ستجرى ،كما أن البرلمان القادم ،هو المنوط به إقرار النظام الانتخابى المتفق عليه، إذ سيكون أمامه وقت  كاف للمفاضلة بين الاختيارات المختلفة للنظم الانتخابية ،لكن إثارة المشاكل وبث الفرقة  تبقى دائما أسهل من شجاعة تحمل تبعات أى مسئولية، فضلا عن أن بعض الأحزاب والقوى المدنية، ترى فى المعارضة الدائمة، لأى شيء وكل شىء، فعلا ثوريا جريئا، دون النظر لمحتواها وزمنها!
فى رسالة بعث بها  من سجنه الزعيم الهندى العظيم «جواهر لال نهرو» إلى إبنته أنديرا، حدثها فيها عن الثورة التى قادها «مصطفى كمال أتاتورك «فى تركيا  وألغى بها الخلافة العثمانية، وحول بلاده إلى جمهورية علمانية، وقاد خلالها  عملية تغريب لكل أوجه الحياة ، فاستخدم الحروف اللاتينية بدلا من الحروف العربية التى تنطق بها اللغة التركية،وغيرها من الاجراءات التى تسعى للتشبه بالمجتمعات الغربية، وتوقف نهرو كثيرا باندهاش وتعجب أمام الغاء أتاتورك للطربوش ، وترويجه لارتداء القبعة قائلا لابنته درسا من دروس الحياة : ليس مهما يوجد فوق الرأس، المهم هو ما يوجد بداخله.
تذكرت هذا الدرس الحكيم، وأنا أتابع مظاهرة الدعوة لخلع الحجاب، وتساءلت كما فعل  كثيرون غيرى، وما هى فائدة مثل هذه المعارك الخاسرة؟ واستعدت  ما كان يردده قادة جماعة  الإخوان ليل نهار، من أن الشعب كله معهم، مستشهدين على ذلك بانتشار الحجاب فى المجتمع المصرى، وما كادت المظاهرات المنددة بحكم الجماعة البائس والفاشل والمستبد تبدأ المطالبة برحيله ،حتى  تبين لكل الدنيا عبر الفضائيات، أن معظم المشاركين فيها نساء، وأن أغلبيتهن محجبات، وأن منتقبات كن يقدن اسبوعيا

مظاهرات تجوب شوارع وسط البلد تهتف بسقوط حكم المرشد. وقبل هذا وبعده ،هل نحن فى حاجة لفتح جبهة جديدة لمعارك جانبية لا طائل من ورائها؟ إن الذين يثيرون هذا اللون من معارك الرفاهية وخلو البال، كخلع الحجاب، والالحاد، وإهانة العلم المصرى، نادرا ما يفكرون فى المعارك الشرسة الدائرة على أرض  بوابة مصر الشرقية ولا غيرها من المعارك الداخلية الشاقة والمضنية، لإعادة بناء ما تهدم، وترميم ما أوشك على الانهيار من مؤسسات الدولة المصرية.
وفى هذا السياق، يبقى مثيرا للشجن والأسى الحملة  الظالمة، التى تحركها عوامل المنافسة البغيضة ضد فنانة يونانية تعشق مصر، للمطالبة بترحيلها، بزعم اهانتها للعلم المصرى، مع أننا لم نسمع من هؤلاء أى نقد لمن يهينون  العلم أسبوعيا، ويدهسونه بالأقدام ، وهم يرفعون فى مظاهرتهم  الضعيفة والخائبة  كى تصورها الجزيرة، أعلام القاعدة وداعش وأجناد الأرض، وغيرها من فرق المرتزقة  المتاجرة بالدين، التى هبت علينا  من كل أصقاع الأرض أثناء حكم الجماعة الفاشل، وهم يطالبون بعودتهم إليه ! لم نسمع لهم صوتا ،والمتعصبون الدينيون يعتبرون أن تحية العلم واحترام السلام الوطنى وثنية وكفرا وتجديفا فى حق الدين، وهم يشاركون فى صياغة الدستور ،برغم دلالة ذلك الرمزية على الانتماء للوطن وتبجيل رموزه . ومن أغرب المشاهد فى هذه القضية المفتعلة ، أن تدخل المعركة للمطالبة ترحيلها ,وزيرة التضامن النشطة،لتصبح الدولة طرفا فى هذه القضية المفتعلة التى أخذت أكبر من حجمها، ولم تكن تستدعى سوى لفت نظر الفنانة اليونانية إلى عدم معاودة هذا التصرف الملتبس ،وليس شن حملة تترية من أجل ترحيلها!
فلا يستطيع  أحد سوى جاحد ، أو جاهل ، أو متعصب ،  أو كل ذلك مجتمعا ،أن ينكر فضل الجاليات الأجنبية فى مصر فى إشاعة مناخ من التسامح والاستنارة، ونشر المعارف والفنون ، والمهن التى لم يكن يألفها المصريون من قبل. استفاد المصريون من احتكاكهم بهذه الجاليات الأوروبية، واستطاعوا أن يميزوا بذكائهم بين من كان منهم من المغامرين والآفاقين والمحتالين ، وبين الطيبين الذين أثمر التلاقى الثقافى معهم ، خيرا لهذا الوطن ، تجلى ذلك علي سبيل المثال لا الحصر ،فى نموذج الادارة الرشيدة فى المدن الساحلية التى  تولى الأجانب إدارة بلدياتها، وتشييد سلاسل المحلات الكبرى ، مثل عمر أفندى وشملا وشوكوريل وأروكو وجاتينيو  وغيرها ، واستثمار أموالهم فى صناعات السينما ومحالج الأقطان والصابون. وأسفر هذا التفاعل بين الثقافة المصرية والثقافة الأوروبية التى تحفل بتعدد الأديان والأجناس واللغات، عن تعزيز روح التسامح لدى الشخصية المصرية، واحترام الآخر المختلف، أيا كان شكل هذا الاختلاف. وليس سرا أن أحد أهم الأسباب التى مكنت  المتعصبين دينيا من السيطرة على الإسكندرية، وتحويلها لمستوطنة للعناصر السلفية المحافظة، هو رحيل الجاليات الأجنبية عنها، إن جبرا أو اختيارا!
هذه بعض نماذج من معارك مرتاحى البال، التى تسىء إلينا،لأنها تلعن الظلام بدلا من أن تضىء شمعة. المجد لشهداء الوطن ،واللعنة على كل من لا يعرف لقدمه قبل الخطو موضعها ، ويتجاهل حروبنا النبيلة المقدسة .