عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصــــر - إثيــــوبيا : نسبح مـعـا.. وننــجح مــعـا

فى كلمته أمام المؤتمر الاقتصادى الذى أنهى أعماله فى شرم الشيخ الأسبوع الماضى ، قال رئيس وزراء إثيوبيا هيلا مريام ديسالين: إننا كأبناء وبنات النيل يجمعنا مصير واحد مشترك ، وأصبحنا أمام خيارين إما نغرق معاً

، أو نسبح سويا،ثم واصل كلمته موجها حديثه إلى الرئيس السيسي قائلا: وعليك أيها الرئيس أن تعلم أننا اخترنا أن نسبح معا ، وهو ما دفع الرئيس السيسى للتصفيق له  بحرارة وهو يضحك بسعادة غامرة ، لعلها تنطوى على رسالة  دعم وتقدير و مساندة  لهذا الاختيار ، الذى ترجم  به ديسالين ببساطة آسرة ،وبلاغة رفيعة المستوى، وذكاء سياسى لافت للنظر،عوامل التاريخ والجغرفيا  والثقافة والدين التى تحكمت  فى فرض شروط العيش المشترك والمصير المشترك بين بلدينا  وشعبينا . وفى جولته من شرم الشيخ إلى الخرطوم وأديس أبابا، التى أعادت لمصر دورا افتقدته على مدى العقود الثلاثة الأخيرة ،أضاف الرئيس السيسى إلى هذا الاختيار بعدا آخر وطرفا آخر  : نطفو ونسبح معا ،وننمو وننجح معا :مصر واثيوبيا ودولتا السودان الشمالى وجنوب السودان .
وكان الإعلام المصرى قد استبق توقيع الرئيس السيسى ورئيس الوزراء الإثيوبى ديسالين والرئيس السودانى عمر البشير ، على وثيقة إعلان مبادئ بشأن سد النهضة الإثيوبى ، بحملة ضارية على بنودها، تبالغ فى تفسير النصوص  وتشكك فى النويا بدافع الحفاظ  على المصالح الوطنية ،وتستحضر مخاوف لم يرد ذكرها فى الوثيقة،تستند إلى  خلوها من اشارة  واضحة إلى اتفاقيات تقاسم المياه الموقعة بين مصر والسودان عام 1959 ، لتبرر بها  الرفض الكامل لها، حتى بتنا نعتقد أن تحريفا وقع على النص الأصلى لها ،الذى أصبح  متاحا على كل شبكات التواصل الاجتماعى فور توقيعها، وقد اقتصر فقط على ما يخص بناء سد النهضة الإثيوبى،والمخاوف المصرية المشروعة، من الآثار السلبية  الناجمة عن  تحديد سعته ، وعدد السنوات  التى يستغرقها ملؤه  بالمياه على دولتى المصب فى كل من  مصر والسودان ، ووضع حدا لنحو خمس سنوات من السجال العنيف ، والاتهامات المتبادلة ، والتلويحات السخيفة غير المسئولة بحل عسكرى لوقف بناء السد ، وفتح صفحة جديدة ، لاجدال حولها ، لبناء جسور الثقة  بين دول منبع حوض النيل وبين دولتى المصب، تقوم على الحوار الدائم والتعاون  المستمر من أجل تعزيز وتعظيم المصالح المشتركة، وهى أمور لم تكن الطريق سالكة  وممهدة وسهلة أمام التوصل إليها  بعد سبعة اجتماعات لوزراء الرى والمياه فى الدول الثلاث ،لاسيما بعد أن أصبح سد النهضة حقيقة ماثلة على أرض الواقع، إذ أنهت إثيوبيا نحو 40%  من أعمال البناء على النيل الأزرق الذى يمد مصر بنحو 85% من حصتها فى المياه ويكتمل بناؤه فى العام 2017.
وفيما بعد تبين خطأ مراهنة المسئولين السابقين عن ادارة هذا الملف فى مصر ، منذ عام 2010، وحتى قبيل توقيع الاتفاق يوم الاثنين الماضى، على القدرة فى إقناع الجهات الدولية المانحة للمنح والقروض على وقف تمويلها لبناء السد.فقد  نجحت  الحكومة الإثيوبية  فى تخطى هذا الحاجز، بعد رفض كل من الادارتين المصرية والسودانية  منذ البداية ،المشاركة فى بناء السد وتمويله وادارته  ،و مستفيدة من التجربة المصرية فى بناء السد العالى ، فى  جعل بناء السد قضية  وطنية   كبرى ،وهو ما حشد التأييد الشعبى  الجارف  لبنائه، والمساندة  الواسعة النطاق   للمشروع من كل القوى السياسية والعرقية والثقافية والدينية التى يحفل بها المجتمع الإثيوبى ، وهو ما تمت ترجمته بالاعتماد الذاتى  على تمويله من الشعب الإثيوبى نفسه ،الذى أقبل على شراء السندات وتقديم التبرعات  الهائلة من قبل رجال الأعمال والمستثمرين الإثيوبيين  المنتشرين داخل الوطن وخارجه، وهو ما انتهى بالتمويل الوطنى  لبناء السد الذى تبلغ تكلفته نحو 5مليارات دولار !
ولم يتوقف المسئولون عن هذا الملف أمام فشل هذا الرهان ،فانتقلوا إلى الترويج لوهم آخر وهو امكانية منع الجانب الإثيوبى من مواصلة بناء السد حتى انتهاء لجنة الخبراء الدولية من تقديم  الدراسات  التى تكشف عن الآثار السلبية المحتملة لبنائه  ،وهو ما بدا مطلبا غير مقنع للحكومة الإثيوبية ، ولمسانديها من الدول الخارجية ، ودول الحوض الأفريقية الموقعة على اتفاق عنتيبى الإطارى القائم على أساس تعزيز التعاون والمنافع المشتركة لدول الحوض الإحدى عشرة  و لم توقع عليه مصر والسودان حتى الآن ،  والمنظمات والهيئات والمنتديات  الدولية  المعنية بمراقبة بناء السدود ، وبمدى التزام الدول المشاطئة فى الأنهار بتنفيذ القانون الدولى المتعلق بالمياه،ونجحت إثيوبيا فيما فشل فيه الجانب المصرى،وهو اقتناع المجتمع الدولى بعدالة قضية بناء سد النهضة، وبحق إثيوبيا فى استخدام مياه نهر

النيل فى التنمية لتوليد الطاقة الكهربائية،بعد الجهد الذى بذلته لإبراز الفوائد المؤكدة من وجهة نظرها ،التى سوف تعود بالنفع على كل من مصر والسودان سواء بمدهما بالكهرباء بسعر التكلفة، أو بالتاكيد الدائم بعدم الإضرار بمصالح مصر، وبعد أن مدت إثيوبيا السودان قبل نحو عام بالكهرباء ، ساندت الحكومة السودانية الموقف الإثيوبى لسببين أحدهما معلن وهو الفائدة التى عادت على السودان ، والآخر مضمر هو ارتباك الحكومة الاسلامية فى السودان بعد ثورة 30 يونيو التى اطاحت بحكم جماعة الإخوان .
لا تنحصر أهمية الوثيقة التى  يبرز عنوانها أنها  «اتفاق إعلان مبادئ حول مشروع سد النهضة الإثيوبى «فى النصوص التى انطوت عليها فقط ،بل فى أجواء الأخوة الصادقة، وروح الرغبة فى  التعاون التى أحاطت بمناخ التوقيع عليها، وأعادت التقريب بين الموقفين المصرى والسودانى  لتأكيد تمسكهما باتفاقهما الثنائى بشأن تقاسم مياه النيل عام 1959، وفتحت الطريق الرحب  الممهد بمشاعر الصفاء والمودة للشعب الإثيوبى وقيادته ،لتصفية التوترات فى العلاقات المصرية الإثيوبية بالمهارة الفائقة التى ادارت بها الدبلوماسية المصرية التوصل لهذا الاتفاق، الذى يشيد أرضية صلبة تبنى على ما هو بعده، بإنشاء هيئة دائمة للمراجعة والتعاون الفنى بين الدول الثلاث مقرها الخرطوم، وآلية دائمة لحل الخلافات الناشئة يشرف عليها الرؤساء الثلاثة.
وينطوى اتفاق إعلان المبادئ على مكاسب  لا يستطيع أحد انكارها ، سواء كان ذلك فى بنوده العشرة او فى ديباجته .فقد انصرف ستة من هذه البنود إلى تأكيد مبادئ القانون الدولى المعنية بحقوق استخدام مياه الأنهار،فيما ركزت  البنود الأربعة الأخرى على مبدأ تبادل الدول الثلاث لمعلومات والبيانات اللازمة للدراسات المشتركة فى وقت ملائم ، وتنفيذ إثيوبيا توصيات لجنة الخبراء الدولية الخاصة بأمن السد، وتعهد الدول الثلاث بالاستخدام الأمثل والحماية المناسبة للنهر، وبتسوية المنازعات الناشئة من تطبيق هذا الاتفاق ،بالتشاور والتفاوض،أو بالطلب الجماعى للتوفيق والوساطة ،أو إحالة الأمر لرؤساء الدول والحكومات.كما ألزمت البنود الأخرى الدول الموقعة عليه بمبدأ التعاون فى تفهم الاحتياجات المائية  لدول المنبع والمصب بمختلف مناحيها،والاستخدام المنصف والمناسب للموارد المائية، واتخاذ الاجراءات المناسبة لتجنب التسبب فى ضرر ذى شأن، وتخفيف أو منع هذا الضرر، ومناقشة التعويض كلماكان ذلك مناسبا ،وتنفيذ واحترام المخرجات النهائية للجنة الخبراء الدولية، والاتفاق على قواعد الملء الأول للسد بالتوازى مع عملية بنائه، وقواعد تشغيله السنوى،واخطار مصر والسودان بالظروف الطارئة التى تستدعى إعادة الضبط لتشغيله،فضلا عن إعطاء دول المصب الأولوية فى شراء الطاقة المولدة من السد.
اتفاق تاريخى بكل معنى الكلمة  كما وصفه الرئيس البشير ،إذا ماقورن بالظروف الدولية والإقليمية والعربية الضاغطة والتى لاتخلو من مخططات لاتخفى عدم ارتياحها لسد الثغرات التى ينفذ منها أعداء استقرار القارة الأفريقية ودول المنطقة ،فإذا كان من يعارضون هذا الاتفاق يدركون حقا خطورة هذه المخططات الخارجية، فيجب عليهم أن يصمتوا ، حتى يخرس مشعلو الحرائق  فى الداخل والخارج  لتحيا مصر وتحيا العلاقات المصرية – الإثيوبية كما هتف رئيس الوزراء الإثيوبى ديسالين ، ولنعمل معا ونطفو معا وننجح معا كما قال الرئيس السيسى.