رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصـــر المستقـبل ..تحتــاج خطــــابا للمـقـاومة

غدا الأحد ينهى المؤتمر الدولى لتنمية ودعم الاقتصاد المصرى فى شرم الشيخ أعماله، الذى انعقد تحت شعار مصر المستقبل، وفاق عدد المشاركين فيه من دول وأفراد ومنظمات دولية  وعربية أكثر التوقعات  تفاؤلا ،من حيث كبر الأعداد ونوعية المشاركين من مستويات رفيعة فى مجالها، على الرغم من  الحملات الموتورة والمسعورة  لجماعة الإخوان   وأنصارها فى الداخل والخارج، للتشويش على المؤتمر، أو تصعيد أعمالهم الإرهابية  المدعومة ماليا وسياسيا وإعلاميا من دول ،لعرقلة عقده.

وفى الوقت الذى وصف فيه الرئيس السيسى المؤتمر بأنه ذراع مصر، ودعا فى هذا السياق إلى مضاعفة العمل  والانتاج وبذل الجهد والتضحية  لتخرج مصر من أزمتها الراهنة ،بالغت بعض وسائل الإعلام الرسمى والخاص فى رصد وتحديد أهمية المؤتمر، ورفعت بطريقة مقلقة من سقف التوقعات ، بشكل بدا لكثيرين أنه بمجرد عقد المؤتمر وانتهاء أعماله، ستنتقل مصر من الشقاء إلى النعيم،ومن الفقر إلى الغنى ، وأن الاستثمارات التى ستتدفق ستحل مشاكل البطالة والإسكان والمواصلات  والعلاج والغلاء. وتنطوى هذه المبالغة على رسالة شديدة السلبية تشيع مناخا من اليأس والاحباط إذا لم يتحقق القدر الوافى من بعض هذه المبالغات. والمعروف والمؤكد أن المؤتمر ترويجى فى المقام الأول لفرص الاستثمار فى مصر، حيث تأمل الحكومة  أن تنجح فى جذب استثمارات  بنحو 60 مليار جنيه، ولن تظهر نتائج النجاح فى هذه الخطوة قبل مضى نحو اربعة أعوام على الأقل، من اجراء التعاقدات، وبدء العمل فى المشاريع التى جرى الاتفاق عليها مع الشركات العربية والدولية  .
وفى ظل الموجات الإرهابية  المتصاعدة  والمتعمدة  فى هذا التوقيت لقوى الإرهاب الدولى التى تتستر خلف الدين لتقود حربا تدميرية ضد الحجر والبشر  فى سيناء والوادى وضد  مؤسسات الدولة والمجتمع  ،فليس هناك جدال ، أن  مجرد عقد المؤتمر  فى ظل هذه الظروف الصعبة ، هو حدث مهم فى حد ذاته، يبعث برسالة للمجتمع الدولى تشير إلى ثقة بالنفس لدى  السلطات المصرية تعكس  قدرتها على تخطى الصعاب  و عزمها على تحديها ،وتبرهن  كذلك على  إصرارها على  طرح خطط اقتصادية تكتسب ثقة مستثمرى العالم ،وتحرك عجلة الاقتصاد المصرى وتساهم فى فتح مجالات جديدة للعمل ،تخفف من حدة البطالة ،وترفع من نسبة النمو.
وفى ظل هذه الاجواء الاحتفالية التى تروج لقدرة الاستثمارات الأجنبية على حل مشاكل الاقتصاد المصرى المعقدة، انتابت قطاعا كبيرا من الاقتصاديين والخبراء والسياسيين ، والمراقبين مخاوف مشروعة من غيبة الرؤية الواضحة لقضية العدالة الاجتماعية من جدول أعمال هذا المؤتمر ومما يبدو أنه  محاولة لإعادة انتاج سياسة تدليل المستثمرين التى كانت سائدة خلال نحو أكثر من أربعة عقود مضت، والتى انطوت على تضارب  هائل فى المصالح، وتخبط فى القوانين وتعارض فيما بين الجهات المنوط بها تنفيذها ، وعلى خلط فاضح بين السياسة  والمال وعلى أنظمة تشريعية تسرف فى منح اعفاءات ضريبية وجمركية  لمشروعات استهلاكية  هائلة بزعم تحفيز الاستثمار، حتى لو تم ذلك على حساب تدمير صناعات محلية وطنية ذات عمالة كثيفة ، وتخسير شركات عامة ناجحة بهدف بيعها للأنصار والمقربين، واهدار حقوق العاملين، ثم السماح لكبار المستثمرين بإيداع ارباح استثماراتهم فى خارج البلاد، بطرق بعضها شرعى وبعضها ليس كذلك ، بما أضر بمجمل الاقتصاد المصرى. والمشكلة هنا تكمن فى غيبة سياسة اقتصادية محددة واضحة المعالم لدى الدولة  بشأن قضية العدالة الاجتماعية التى تتناول الحكومة علاجها بشكل جزئى ،يعتمد  على  المساعدات  والتبرعات والأعمال الخيرية التى تقلل من حجم المشاكل بطبيعة الحال،لكنها تبقى كالعلاج المسكن، ولا تقتلعها من جذورها.
وفى هذا السياق يأتى كلام الرئيس السيسى فى كلمته فى الاحتفال بيوم الشهيد فى وقته تماما ،حين جدد تأكيده على أن المؤتمر الاقتصادى هو ذراع مصر فى الوقت الراهن ،لكنه استدرك قائلا إن الاقتصاد الحقيقى يكمن فى أذرع وعقول المصريين  وإرادتهم فى التقدم والتنمية، وليس فقط فى الاستثمارات التى تأتى من الخارج، لأن مصر بها 90 مليونا وهم قادرون على فعل المستحيل .ومعنى كلام الرئيس أن الارادة  الشعبية والعزيمة والصلابة والاعتماد على الذات ، والقدرة على التحمل فى وقت الازمات ،والتضحية

من أجل تجاوزها ، هى كلها طبقا لخبرات التاريخ ، أسلحة الشعوب الخارقة  التى تمنحها القدرة على أن تقلب المعادلات البائسة  وتغير المسارات المفروضة والظالمة،  وتشق آفاقا للتحرر والانعتاق، وتفتح أبواب التقدم والبناء والأمل.ولأن ذلك كذلك ،فقد تلقيت مع كثيرين غيرى بقلق بالغ ،الواقعة التى رواها الرئيس ،عن سؤال أحد أعضاء وفد الكونجرس الأمريكى له: ألا تخشى مصير الرئيس السادات الذى اغتاله المتطرفون الإسلاميون؟ فى اشارة واضحة للحرب التى تخوضها الدولة ضد إرهاب جماعة الإخوان وأنصارها. ولولا أن الوفد ألأمريكى الذى استقبله الرئيس السيسى كان من الجمهوريين المتعاطفين مع ما تقوم به الدولة المصرية فى مواجهة الإرهاب،ويعارضون موقف الادارة الأمريكية المنحاز لجماعة الإخوان، وسواء كان هذا التعاطف مبدئيا أو هو جزءا من الصراع الحزبى بين الديمقراطيين والجمهوريين الذين يراهنون على الفوز فى معركة الانتخابات الرئاسية ، التى سوف تجرى العام القادم، أقول لولا ذلك لاعتبرت السؤال  الجمهورى تهديدا لا تحذيرا .وبرغم أن اجابة الرئيس على السؤال تعكس للوفد الأمريكى الزائر جزءا من شخصية الرئيس وطريقته فى التفكير،حين قال إن الرئيس السادات دفع حياته ثمنا لانقاذ آلاف الضحايا..وأنه لا يخطر على باله أى تهديد، ولا يفكر إلا فى رفعة مصر ورفاهية شعبها،لأن هناك إرادة إلهية تحكم الدنيا ،وكل شىء فيها مقدر، ولا أحد يستطيع  أن يطيل فى عمره يوما واحدا. لم تكن هذه هى الاشارة الوحيدة إلى الموت فى خطاب الرئيس السيسى، وقد يبدو ذلك منطقيا ونحن نحتفل بيوم الشهيد التاسع من مارس،وهو اليوم الذى استشهد فيه رئيس اركان حرب القوات المسلحة المصرية الفريق عبد المنعم رياض اثناء حرب الاستنزاف عام 1969،حين اتخذ قرارا جسورا أن  يترك موقعه فى القيادة  خلف التحصينات ،وينتقل  وسط جنوده فى الخطوط الأمامية من جبهة المواجهة مع اسرائيل ليسقط شهيدا مع عدد من جنود كتيبته.
لكن حديث الموت والمخاطر التى تهدد حياة الرئيس الذى اختارته الملايين بمحض ارادتهم الحرة كى يقود مسيرتهم لاعادة بناء دولتهم ، دولة القانون والعدل والحق والحرية، وسحق كل من يسعى لهدمها،وشق طريقها نحو الحداثة والنمو والتقدم والازدهار فى هذه اللحظة الحرجة التى تمر بها البلاد، ويقدم فيها المصريون كل يوم أدلة جديدة على أنهم يعشقون الحياة ويقدسونها ،لكنهم لا يأبهون بالموت دفاعا عن وطنهم وعن استقلالهم وعن التمسك بإرادتهم الحرة، هو حديث يبعث على الخوف و يشيع الارتباك، ويثبط الهمم ويثنى العزائم، وعبقرية القيادة وذكاء الزعامة  وموهبة التأثير فى الوجدان الجماعى، تتطلب شحذ  الهمم ورفع المعنويات وتوحيد الجهود صوب الأهداف الواضحة ومواجهة مشاعر اليأس والعدمية ومحاولات الارباك. مصر المستقبل فى أشد الحاجة لخطاب مقاومة لكل اشكال القبح التى يشيعها أعداء الحياة.