عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رسـائل الـغردقة: اطمئنوا



اخرجتنى المشاركة مع الوفد الصحفى، المرافق للرئيس «السيسى» فى افتتاح  مبنى الركاب الجديد بمطار الغردقة، ومشروع تطوير ميناء الغردقة البحرى، من ضجيج العاصمة، الذى بات  صخبا خالصا بلا طحن، وينطوى بعض مصادر هذا  الضجيج على أهواء بلا حدود،  وتخل مزعج عن الإحساس بالمسئولية، وأطماع بلا سقف، تدعو للاستفزاز والانزعاج، وإلى الرغبة فى الانعزال.

ففى الأسابيع القليلة الماضية، تصدر الساحة الصحفية والإعلامية والسياسية  بعض الذين لا يجدون دليلا واحدا على ثوريتهم، سوى معارضة حكم البراءة للرئيس الأسبق مبارك، من التهم التى نسبت إليه، وزعمهم أن نظامه عاد من جديد إلى صدارة المشهد، ومطالبتهم بمحاكمته سياسيا، دون أن يدركوا المأزق الذى وضعوا أنفسهم فيه، وهم  يتحدثون ليلا عن القيم الديمقراطية، بينما يدعون  نهارا إلى استصدار قوانين اسثنائية لاجراء هذه المحاكمة، تعيد إلى الحياة قوانين الغدر والعزل السياسى، التى قدمت القوى الديمقراطية  والاصلاحية –بمن فيهم  هؤلاء الدعاة أنفسهم -تضحيات هائلة من جراء تطبيقها، ودفعت  أثمانا فادحة من أجل  المطالبة بالغائها.
وفى نفس هذه الفترة، رفضت  القيادات الكبرى العاملة فى البنوك الرسمية،  الالتزام بتطبيق  الحد الأقصى للأجور الذى وضعته الدولة، ويبلغ 42 ألف جنيه، وأصرت على الاستقالة  احتجاجا، وقادت حركة  هجرة جماعية من البنوك الرسمية، إلى البنوك الاستثمارية، بمخالفة صارخة لقانون تضارب المصالح، الذى لايبيح  لها العمل فى جهات منافسة، قبل مضى ستة أشهر على الاستقالة.  وما أثار الانزعاج والقلق، أن تلك القيادات لم تكن تلقى بالا للمعنى السلبى المخل بالتوازن الاجتماعى، بالإجراء الذى اتخذته، ففى البنوك  التى لفظوها   وتركوها، موظفون يعملون، ويعيشون  بأجر لا يتجاوز ثمن الحد الأقصى للأجر، الذى تمردوا عليه، ولعل لسان حالهم يقول كما كان «إسماعيل ياسين» يشدو بألم وغضب منولوجه الرائع «متستغربشى، متستعجبشى، فيه ناس بتكسب ولا تتعبشى، وناس بتتعب ولا تكسبشى، متستعجبش متستغربشّ»!
وبينما امتلأت أجواء القاهرة بما يثير التوتر والخوف على المستقبل، كان  بالغردقة ما يبعث على الفرح والتفاؤل بالمستقبل. والغردقة، هى واحدة من المدن المصرية، التى تغرى المرء بالوقوع فى غرامها من «النظرة الأولى» وعشق سمائها  المفتوحة على صفاء رائع ودائم، وهوائها العليل النقى، وبحرها الدافئ الحنون، وأهلها الطيبين الذين تملأ وجوههم البشاشة والوداعة، وقد وفد بعضهم إليها من محافظات الصعيد الجوانى المنسية.
لم يكن الافتتان بالمكان، هو وحده ما أشاع الشعور بالراحة، والتفاؤل فى هذه الرحلة القصيرة، لكنه الانجاز الكبير الذى تحقق، بأيد وعقول وشركات مصرية، واصل أفرادها، الليل بالنهار، موظفين  كل ما تحلوا به  من كفاء ومهارة وخبرة، وعلم وشعور عميق بالانتماء،  من أجل أن  يتم هذا المنجز الضخم  على أكمل وجه، ليغدو  من فرط ذوقه الراقى، وجمال تصميمه المتقن والمبهر، والسهل الاستخدام، منافسا لأكبر المطارات الدولية، وربما يتفوق على العديد منها.
وأثناء شرحه لتفاصل هذا الانجاز الضخم، بدا الطيار «حسام كامل» وزير الطيران فى كامل لياقته، واثقا من نفسه، ثقة عززها النجاح الذى حققه القطاع الذى يرأسه  فى زمن قياسى، مقارنة بضخامة المنتج الذى بدأ العمل فى تنفيذه فى عام 2010، وتعثر، وربما توقف فى العامين التاليين لثورة 25 يناير، فى سياق  الشلل التام، الذى أصاب  أوجه الحياة المصرية المختلفة، فى هذه الفترة الحرجة من تاريخ بلادنا. حرص الوزير على ما لا يحرص عليه فى العادة الوزراء وكبار المسئولين، وهو عدم ارتكاب أخطاء فى نطق اللغة العربية، حيث استخدم مفردات بسيطة  وسهلة  أثناء شرحه، فاستحوذ على كل الانتباه، وهو يسوق  ببراعة لمستمعيه، بلغة الأرقام الجافة، تفاصيل هذا الانجاز الذى تكلف 2.4 مليار جنيه، ورفع الطاقة الاستيعابية لمطار الغردقة إلى 13 مليون راكب، بعد أن أصبح المبنى الجديد فى أعقاب تطويره، قادرا على استيعاب نحو 7.5 ملايين راكب.
افتتاح هذا الانجاز الضخم فضلا عن  أعمال تطوير ميناء الغردقة البحرى، الذى تقوم به الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، ويوسع من حركة الركاب والسفن السياحية، ويقدم الخدمات للركاب من فوق رصيف الميناء، فى سياق تطوير  نظام اجراءات للركاب

وللمصريين العاملين فى دول الخليج، طبقا  للمعايير العالمية  لبناء محطات الركاب, ومراكز المواصلات، كل هذا  ينطوى على رسالة مهمة لكل المصريين تقول إن المستحيل كلمة ينبغى أن تختفى من قاموس حياتنا، لنضع مكانها كلمة التحدى، والعزيمة  الفولاذية، والارادة الحية القادرة، على قهر هذا المستحيل، ونسفه من الوجود. كما يفتح أبواب الأمل على مصراعيها، أمام مستقبل حافل بالعمل والانجاز، وتحدى كل ألوان المعوقات، سعيا  لإعادة بناء بلدنا الحبيب.
لم يشأ الرئيس «السيسى» أن يقص الشريط وتلتقط الصور، ويلوح للحاضرين  مودعا ثم ينصرف، كما هى عادة الرؤساء، فقد  عبر عن اعتراضه  على قيام بعض الوزراء بالترويج لمشاريع لم يتم تحديد جدول زمنى لانهائها، كما كشف–وفقا لما  قالت الزميلة الدكتورة فاطمة سيد أحمد رئيسة تحرير صحيفة روز اليوسف- عن السبب فى الغاء زيارته لدمياط، بعد علمه أن الأجهزة والمعدات اللازمة لإنشاء  المركز اللوجيستى للحبوب فى الميناء لم تصل إليه، فتساءل مستنكرا، أذهب لدمياط لأفتتح ماذا إذن؟ وأجل الزيارة لحين استلام الميناء للمعدات والآلات المطلوبة.
  وفى أحاديث الميزانيات المحددة للمشروعات المستقبلية، والفترة الزمنية اللازمة لإتمامها، تدخل الرئيس، مطالبا بتخفيض التكلفة المالية الاجمالية لتلك المشاريع، وانقاص المدد الزمنية  المعلنة، من أجل الاسراع بالانجاز، مناشدا الشركات الوطنية العاملة بها إلى خفض مكاسبها  بنسب  معينة لخدمة  عمليات التنمية. وكعادته بدا الرئيس متفائلا  بحجم العمل والجهود المبذولة فى كل مكان على أرض مصر، مبشرا بمشروعات عملاقة سيتم إفتتاحها قريبا، وهو تفاؤل غير عاطفى، بل مبنى  على مشروعات واقعية يتم تنفيذها طبقا لدراسات علمية، بما يؤكد ما يقوله، أن مصر تسير على الطريق الصحيح، شريطة أن يتحلى المصريون بالصبر والثقة والعمل، مذكرًا إياهم بمهلة السنتين التى وعد باجتياز مصر خلالهما للعديد من مشاكلها، قائلا لهم بصوت تملؤه الثقة: اطمئنوا.
كسر الرئيس «السيسى» تعليمات حراسته، حين أصر فى جولته بالمطار على مصافحة السائحين الروس والتحدث إليهم، وحثهم على تشجيع مواطنيهم للسياحة فى الغردقة، واستجاب لطلبات بعضهم بالتقاط صور معه، بهواتفهم المحمولة. فقد باتت الغردقة مزارا سياحيا محببا لنسبة كبيرة من السائحين الروس، بعدما كان فى سنوات ما قبل الإرهاب الأسود، محلا مختارا لأكثرية من السياح الألمان، الذين كانوا يملأونها، فى هذا الوقت من كل عام.
وكعادته حين يريد أن يؤكد معنى، رفع «السيسى» سبابته قائلا: لا والله أبدا لن ينجح أحد فى أن يفرق بينى وبين المصريين.
وكعادته دائما كان صادقا، ولعل ذلك ما جعلنى أشعر بأن ما تركته خلفى فى القاهرة، وما سأعود إليه، هو مجرد لغو، لا يغير الحقيقة التى أراها أمامى، وهى أننا نسير فى الطريق السليم نحو المستقبل.