رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

متى تعود الحكومة إلى أسواق الفقراء؟!

فى خطاب التكليف الذى وجهه المشير حسين طنطاوى إلى حكومة الدكتور عصام شرف المعدلة، نصوص مهمة تستحق التوقف عندها، خاصة ما يتعلق منها بمستوى معيشة الأغلبية الساحقة من المصريين، من بينها تكليف الحكومة بالعمل على تحقيق العدالة فى توزيع الدخل، بإحياء دور المجلس الأعلى للأجور والنظر فى النظام الضريبى القائم لتحقيق عدالة توزيع الثروة، ودراسة نظام الدعم، للاطمئنان إلى حصول محدودى الدخل، على نصيبهم العادل من شتى مخصصات الدعم.

وتنفيذاً لذلك، طالب الدكتور عصام شرف، فى اجتماعه مع د. حازم الببلاوى، نائبه للشئون الاقتصادية ووزير المالية، وزراء المجموعة الاقتصادية بالعمل على ضبط أسعار السلع فى الأسواق، ومواجهة الارتفاعات الأخيرة فى أسعار السلع، مما يسهم فى خفضها، خاصة مع قرب حلول شهر رمضان المبارك، وصرح د. جودة عبدالخالق، وزير التضامن الاجتماعى، بأن اللجنة الوزارية الاقتصادية، ستبحث إعادة هيكلة الدعم، فى مجال أنابيب البوتاجاز، مما يوفر للدولة خمسة مليارات جنيه، وكذلك مناقشة كيفية معالجة تسرب دعم الخبز إلى السوق السوداء.

وهكذا تنبهت الحكومة أخيراً إلى ظاهرة أخذت فى التفاقم خلال الشهور التى تلت انتصار الثورة فى إسقاط النظام السابق، وهى ظاهرة الانفلات فى الأسعار، التى فاقت حدتها ظاهرة الانفلات الأمنى، إذ انتهز بعض الصناع وبعض التجار الخلل فى أجهزة الدولة، لكى يحققوا أرباحاً خيالية، على حساب المواطن البائس، الذى يعانى بسبب هذه الظواهر وغيرها، من البطالة، والنقص فى الدخل، وتراجع، بل أحياناً اختفاء بعض الخدمات العامة، وهكذا ارتفعت أسعار اللحوم ومنتجاتها، والدواجن ومنتجاتها، والألبان ومنتجاتها، والسكر والبقول والخضراوات والسجائر على نحو يزيد من صعوبة الحياة على الطبقات الشعبية، فى وقت غابت فيه الدولة بشكل كامل عن كثير من المرافق، وبالذات من الأسواق، التى كان حضورها بها شاحباً، حتى حين كانت لاتزال أركانها قائمة فى ظل النظام السابق.

وظاهرة ارتفاع أسعار سلع الاستهلاك الشعبى وغيرها من السلع، هى ظاهرة شائعة، ترتبط برؤية سياسية، ومدرسة اقتصادية، برزت منذ الأخذ بسياسة الانفتاح بلا ضوابط أو معايير، وإلى برنامج عشوائى للخصخصة، وإلى تعويم الجنيه، وهى سياسة قامت على التوهم، بأن القوانين الاقتصادية للرأسمالية، هى قوانين تعمل تلقائياً بشكل ميكانيكى، وأن قانون العرض والطلب كاف لموازنة الأسعار، دون حاجة لأى رقابة على الأسواق، أو التدخل فى شئون التجارة الداخلية، وهو مفهوم خاطئ ومنحاز ومتواطئ مع العناصر الطفيلية، التى تستفيد من هذا الفهم الأبله، لقوانين الاقتصاد الرأسمالى، لأنه يتجاهل العوامل الخارجية التى تؤثر فى الأسعار، ومن بينها، زيادة الاعتماد على استيراد السلع الغذائية من الخارج، مما يربط بين أسعارها فى الداخل، وبين تقلبات السوق العالمية، كما يتجاهل أيضاً وجود شرائح قوية من الرأسمالية التجارية المصرية، تسعى لتحقيق أرباح طفيلية طائلة، من خلال التلاعب بالأسواق، بتخزين السلع، وتهريبها، وتعطيش السوق، لكى تحقق لنفسها ميزة احتكارية وتحصل على أقصى ربح، دون أن تقوم بأى عمل منتج، يضيف إلى الاقتصاد الوطنى قيمة مضافة، وهذه الشرائح هى التى تقوم بدور الحلقات الوسيطة بين المنتج الصغير، والمستهلك الفقير، وتسرق عرق كل منهما، لكى تفوز هى بالقسم الأكبر من الغنيمة، فى ظل اختفاء الدولة عن الأسواق، وعجزها عن القيام بأى دور حقيقى، لمكافحة كل أشكال التلاعب، بأساليب مختلفة ومبتكرة، تؤدى إلى موازنة العرض والطلب وتصفية الحلقات الوسيطة بين المنتج والمستهلك، مما يساعد على ازدهار الإنتاج، وتعظيم أرباح المنتجين الحقيقيين، وتخفيف العبء عن المستهلكين الفقراء الذين يشكلون الأغلبية العظمى فى هذا البلد.

ويشمل التلاعب فى أسعار سلع الاستهلاك الشعبى، ظاهرة تسرب الدعم، الذى تقدمه الحكومة لهذا النوع من السلع، إلى غير مستحقيه، ونشوء عصابات منظمة تتولى الاستيلاء عليه، وتوظيفه لجنى أرباح فاحشة، وهو ما يحدث فى رغيف الخبز، حيث يتسرب الدقيق المدعوم قبل خبزه إلى مخابز تنتج الحلويات والمعجنات، أو يتسرب الرغيف المخبوز نفسه لكى يصبح علفاً للدواجن، كما يحدث فى أنابيب البوتاجاز المدعمة، التى تتسرب إلى قمائن الطوب، لكى تحل محل المازوت، لأن سعرها المدعوم أرخص من سعره، وفى الحالتين، يضطر المستهلك الفقير إلى شراء الأنبوبة بخمسة أضعاف ثمنها المدعوم، وتخسر الميزانية العامة قيمة الدعم، الذى تستفيد منه فئات ليست فى حاجة إليه، لتنتج سلعاً، تبيعها هى الأخرى بأسعار مبالغ فيها.

وتواكب مع كل ذلك، أن هذه العناصر الطفيلية تلعب دوراً مدمراً، حتى فى الحالات التى كانت الحكومة ترفع رواتب بعض العاملين بها، أو تحاول إنصاف بعض الفئات المظلومة، فقد كان يصحب ذلك على الفور موجة من التضخم المصطنع، تلجأ خلالها تلك العناصر من الطفيليين والمضاربين والعاملين فى حلقات الوساطة، إلى رفع أسعار السلع والخدمات، بدعوى أن رواتب

الموظفين والعاملين قد ارتفعت، وهو ما يؤدى عملياً إلى نقص الأجر الحقيقى الذى تحصل عليه الطبقات الشعبية وإلى انخفاض حجم ما كانوا يحصلون عليه من سلع وخدمات بالأجر الجديد، عما كانوا يحصلون عليه، بالأجر السابق قبل العلاوة، وهذا احتمال وارد، ينبغى أن تتحسب له الحكومة بمختلف الإجراءات، إذا ما أقرت قانون الحد الأدنى للأجور، حتى لا يؤدى إلى مزيد من الفاقة والفقر للطبقات الشعبية، بدلاً من أن يؤدى إلى انفراجة نسبية فى إشباع حاجات المظلومين.

تلك كلها ظواهر، كانت السبب وراء التحركات الشعبية التى شهدتها مصر خلال السنوات الخمس السابقة على الثورة، وخلال تلك التحركات، تم طرح بدائل ظلت تقف محلك سر، وتفتقد للإرادة السياسية لتنفيذها، فى ظل سياسة اقتصادية، كان شعارها «تدليل المستثمرين» وكان من بين هذه البدائل الاتجاه إلى الفصل بين إنتاج رغيف الخبز وتوزيعه، بحيث تتسلم المخابز الدقيق المدعم، وتسلم مقابله عدداً من الأرغفة، يتكافأ مع حجم الدقيق الذى تسلمته، لتتولى التوزيع جهة منفصلة، وبذلك تتوقف ظاهرة تسرب الدقيق من المخابز أو التلاعب فى وزنه، وكان من بينها، ربط توزيع أنابيب البوتاجاز ببطاقات التموين، بحيث يصرف لكل بطاقة عدد من هذه الأنابيب يتناسب مع عدد أفراد الأسرة، ويباع الباقى بالسعر الحر، مما يقلل من الخسارة التى تحققها الدولة فى دعم هذه الأنابيب، والتى قدرها وزير التضامن الاجتماعى بخمسة مليارات جنيه فى السنة.

ومن بين تلك البدائل أيضاً التى طرحت لحل هذه المشكلة، التوسع فى إنشاء متاجر للدولة، فى أماكن التجمعات العامة، أو قريباً منها، تتيح للعاملين الحصول على السلع الأساسية بأسعار تكلفتها، مع هامش ربح معقول، بحلول الدولة محل الوسطاء بين المنتج والمستهلك، مما ينعكس إيجاباً على بقية منافذ التوزيع، ويدفعها بحكم عامل المنافسة، إلى تخفيض أسعارها.

تلك كلها حلول مازالت مطروحة، ويمكن الأخذ بها، أو تطويرها، أو ابتكار حلول أفضل منها، إذا ما امتلكت الحكومة رؤية مختلفة عن تلك الرؤية الساذجة التى كانت سائدة فى العهد السابق والتى كانت أحد أهم الأسباب فى انتفاض الجماهير ضده، ومشاركتهم فى الثورة عليه.

ولو أن الحكومة تنبهت إلى أن تحقيق الاستقرار يرتبط بالدرجة الأولى بأن يجد كل مواطن الحد الأدنى مما يكفل له ولأسرته العيش الكريم، ويتواءم مع ما يحققه من دخل، فى بلد يعيش 40٪ من سكانه تحت خط الفقر، أقل من دولارين يومياً، لو وضعت نصب أعينها، أن تجعل الأولوية الأولى فى سياستها تحقيق هذا الهدف، الذى بدونه يستحيل أن تتوقف التوترات الاجتماعية والسياسىة الراهنة، أو يجد الناس حتى المبرر لمواصلة العمل والإنتاج، إذ إن الارتفاعات المتوالية فى أسعار سلع الاستهلاك الشعبى، والتى يتوقع الخبراء أن تصل إلى معدلات ارتفاع مخيفة فى شهر رمضان، سوف ترفع من درجة هذه التوترات، وقد تصل بها مدى يقودنا إلى مأزق، يصعب علينا عبوره أو مواجهته، فهل آن الأوان لكى تتنبه الحكومة إلى أن الاستقرار يتحقق برضاء الناس، وتلبية احتياجاتهم البسيطة والمشروعة، لكى يجد كل مواطن فى بلده ما يكفل له الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية.