رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

عن صـديـق الـعـمر وأشيـاء أخــرى

استفتت قلبها، وقد استحضرت الماضى الذى عاشت مراحله المختلفة عن قرب، واتخذت القرار بأن تسير عكس التيار السائد الشديد الصخب، وربما الغرض،إنها السيدة «جيهان السادات»التى ربما دفعها هذا الصخب نفسه الذى لم تجد له مبررا موضوعيا،بالإقدام على الاتصال الهاتفى بالفنان

  والنجم «جمال سليمان» لتهنئه على أدائه الطيب فى مسلسل «صديق العمر» الذى تناول العلاقة التاريخية بين الزعيم «جمال عبد الناصر» والمشير «عبد الحكيم عامر». وبعد أن أثنت السيدة «جيهان»على الأداء التمثيلى لجمال سليمان لتجسيده لشخصية الزعيم جمال عبد الناصر قالت له فى المكالمة إنها عايشت  هذه الفترة، وإن مشاهد المسلسل كانت تبدو لها أقرب إلى الحقيقة. ومع أن المكالمة  كانت قد تمت  ربما قبل نحو شهرين أى بعد انتهاء المسلسل فى أعقاب شهر رمضان الماضى، فلم يكشف الفنان جمال سليمان عنها  فى حينها، برغم احتياجه الانسانى  للثناء على أدائه،إلا قبل أيام، استنادا إلى سلوك راق يليق بقامته كفنان كبير، حين أرجع ذلك إلى أنه قد ترك أمر الكشف عنه للسيدة جيهان السادات نفسها إذا أرادت، وحين بادرت بتكرار إعجابها بأدائه لدور «جمال عبد الناصر» فى أحد البرامج الفضائية  مؤخرا، نشر جمال سليمان محتوى مكالمة  التهنئة، وبهذا النشر  يفتح الباب مجددا أمام تأمل الحملة الضارية التى تعرض لها هذا المسلسل،ربما قبل أن يبدأ  بث أولى حلقاته !
وكنت واحدة ممن تأملوا باندهاش الحملة المنظمة والضارية على مسلسل «صديق العمر» الذى كتب قصته «ممدوح الليثى» وكتب السيناريو والحوار «محمد ناير» وأخرجه «عثمان أبو لبن» وجسد أدواره الرئيسية الفنانون جمال سليمان فى دور عبد الناصر وباسم سمرة فى دور المشير عبد الحكيم عامر،ونهال عنبر فى دور تحية كاظم وسلوى محمد على فى دور زوجة المشير، ودرة فى دور برلنتى عبد الحميد. انطوت الحملة على كل أنواع الافتراءات والسخافات والتجريح، لتخفى فى واقع الأمر الدوافع الحقيقية التى حركتها، وفى القلب منها بطبيعة الحال المنافسات الانتاجية والفنية  و«شلل المصالح» التى غدت ماركة مسجلة لهذا العصر السعيد، وباتت تحرك كل الأطراف لجنى المكاسب لمن هم داخلها  بحق وبغير حق،وسحق من هم خارجها والمتمردين على قوانينها، برغم ثورتين شعبيتين عظيمتين، كنا نظن أنهما  قادرتان  على تنقية أوجه الحياة من مثل هذه النماذج الفاسدة، والمؤهلة بحكم شرها وتوحشها على التمدد والانشطار بأشكال مختلفة،تجعلها قادرة على التخفى أحيانا، خلف أهداف  تبدو نبيلة. وبراقة، وثورية كمان !
ومن المعروف أن شهر رمضان قد بات مع تراجع الانتاج السينمائى،وضمن عوامل أخرى، هو موسم المنافسة السنوى بين مسلسلات الدراما التليفزيونية، وهى منافسة تحتمل بطبيعة الحال، نجاح أكثر من مسلسل،ولكن «شلل المصالح» التى أصبحت متحكمة فى قطاعات مهنية بأكملها فى أنحاء بلدنا الحبيب، لا تأبه لهذا المعنى البناء، لأنها ببساطة معنية بالتكويش وهدم المنافسين وإزاحتهم من على الخريطة، والحصول على أى مكاسب،مهما كان تدنيها أو صغرها.
بدأ الهجوم على مسلسل «صديق العمر» بتنصل أسرة «ممدوح الليثى» منه، واتهام كاتب السيناريو والحوار «محمد ناير» بتشويه ما كتبه «الليثى». ودخلت الفضائيات على خط الحملة، فسعت من جانبها لاستنطاق أسرة الزعيم «عبد الناصر» لابداء رأيها فى المسلسل قبل حتى أن تنتهى حلقات عرضه، فقال بعضهم إن المسلسل يشوه صورة «عبد الناصر»، وعبر آخرون من بينهم عن انزعاجهم من المسلسل الذى يسبب لهم ارتفاعا فى ضغط الدم،وأعلن آخرون أنهم سوف يقاطعون مشاهدة بقية حلقاته.
وعقدت البرامج الحوارية فى الفضائيات جلسات محاكمة لأبطال المسلسل، وفى إحدى هذه الجلسات ناشد الفنان «باسم سمرة» المعارضين للمسلسل  التروى والانتظار حتى تنتهى حلقاته، وتحلى بصبر أيوب ومقدمو البرامج يمطرونه بأسئلة استفزازية، ويفتحون الهواتف لجمهور يواصل حملة الهجوم الشاذ على المسلسل إلا قليلا،ارضاء لمقدمى البرامج، ولهوس بعضهم بالإثارة، وتحويل حلقة النقاش  إلى ساحة لصراع الديوك، وهو ما دفع الفنان باسم سمرة  للرد على ذلك ببساطة : ياجماعة اللى

مش عاجبه المسلسل ما يشوفوش!
ودخل القضاء إلى ساحة الحملة الإرهابية على المسلسل وعلى فنانيه، حين تقدم أحد المحامين برفع دعوى قضائية يطالب فيها بوقف عرض المسلسل بزعم أنه يسىء إلى شخصية الزعيم «عبد الناصر». وتبارت الكتابات الصحفية التى تناولت المسلسل-إلا فيما ندر- فى سرد تنوعات على هذا الهجوم، فسخرت من لكنة الفنان «جمال سليمان» السورية التى شابت بعض كلماته باللهجة المصرية، واعترضت على أن الشبه بين الفنانة درة وبرلنتى عبد الحميد كان بعيدا،واتهمت المعالجة الدرامية للمسلسل بأنها دفاع عن عبد الحكيم عامر على حساب جمال عبدالناصر، هذا فضلا عن النقد الذى لم يكن يخلو من طرافة كالقول إن عبد الناصر لم يكن يجلس هكذا، ولم يكن يتكلم بهذه الطريقة، وأن عبد الحكيم لم يكن عصبيا كما بدا فى المسلسل، وأن القائمين على تنفيذه كان ينبغى عليهم أن يلتقوا بمن عاصر الشخصيتين قبل البدء فى تنفيذه كى يتجنبوا مثل هذه الأخطاء !
وكان النقد الموضوعى الوحيد  للمسلسل، هو ما ذهب إلى أنه انطوى على بعض الأخطاء التاريخية التى كان يتعين تدقيقها قبل البدء فى تنفيذه، والنقطة التى تستحق التوقف والمناقشة هنا هى هل يحق لكتاب الدراما أن يقدموا رؤية تفسر الواقعة التاريخية تفسيرات يخالف ما هو شائع عنها أم لا؟
لقد قام مسلسل «صديق العمر» على فكرة محورية، تبرئ القوات المسلحة المصرية  وقيادتها العليا،من المسئولية عن هزيمة يونية 67، وتنسب هذه الهزيمة لسوء تقدير فى الحسابات السياسية، التى بنيت على خديعة من تعهدات دولية، وهى رؤية تدافع عن معنى وليس عن شخص، وإذا كان هناك من دفاع شخصى، فهو ينصرف للصورة الآسرة للزعيم عبد الناصر الذى لعبت صداقته الحميمة بالمشير عامر، وتمسكه بها حتى النهاية،دورا  مهما فى تشكيل تاريخنا المعاصر، وأدخلته فى محن اختبارات عسيرة، وربما تكون واحدة من الأسباب التى عجلت بموته عام 1970، كما ينصرف ايضا إلى تبرئة أجهزة عبد الناصر مما يشاع عن قتل المشير، بالإشارة إلى واقعة انتحاره، وبتصوير حالة الجزع والألم التى انتابت الرئيس ناصر فور سماعه نبأ انتحار صديق عمره. وفى هذا السياق أدى الفنانان «جمال سليمان» و«باسم سمرة» وبقية فريق العمل  أدوارهم باقتدار وسلاسة وتلقائية أعاشتنا بصدق فى أجواء تلك الازمان.
حين انتهى المسلسل، طلبت منى جارتى الصبية التى تبدأ  السبت القادم عامها الجامعى الأول استعارة بعض الكتب عن علاقة عامر وناصر، عندئذ أدركت أن المسلسل قد حقق أحد أهم أهدافه، وهو حفز الشباب للتعرف عبر القراءة على تاريخ وطنه، هذا رغم أنف «شلل المصالح»!