رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الشـرطة لا تتصـدى لملائكة



عن الذين يروجون الآن بغشومية ودون قصد أو بقصد وبسوء نية، لعودة جهاز الشرطة لسابق عهده، واحيائه لنظام الدولة الأمنية القمعية، أتحدث، وأقص عليهم وعليكم بعض الوقائع التى جرت وتجرى، لعل روح الإنصاف  التى توارت  عن سلوك المصريين هذه الأيام، وغابت قسرا عن كل مناقشة أو حوار أو رأى، لتحل محلها رغبة محمومة فى التجنى والافتراء ونكران الحقائق، أن تعود بكامل بهائها.

فى طريقى المعتاد إلى مقر عملى بميدان طلعت حرب، أشاهد يوميا صباح كل يوم المشهد التالى: تكدس الاستندات الحديدية الضخمة والمناضد الخشبية التى تنتشر على أرصفة الميدان والشوارع الجانبية المحيطة به، ليعرض الباعة الجائلون عليها  بضاعتهم من الملابس المستعملة والمستوردة من الخارج، والتى انتشرت فى كل الميادين  والطرقات بشكل مذهل خلال العام الماضى، دون رقابة عليها من أى جهة لمعرفة مدى سلامتها وصلاحيتها على الأقل من الناحية الصحية. وحين تأتى قوة من أفراد الشرطة لتجلى هؤلاء الباعة من أماكنهم التى استولوا عليها بوضع اليد ودون وجه حق، ظنا منهم أنهم، مع مضى الوقت، سيفرضون أمرا واقعا، حتى ولو كان مخالفا للقانون. تبدأ المناوشات وحركات الكر والفر والتوتر من قبل الباعة الجائلين والصياح، والجلبة الشديدة التى تحدث من جراء المواجهة بينهم وبين القوى الشرطية، وهى مواجهة تنتهى فى العادة باجلاء الباعة وبضائعهم واستنداتهم الخشبية والحديدية من الميدان. ولأن يوم القاهرة، لا يمر هذه الأيام دون مفاجآت سيئة، فما أكاد أنهى عملى عصر نفس اليوم، حتى أجد الباعة الجائلين، وقد عادوا مرة أخرى إلى أماكنهم من جديد، وكأن شيئا لم يحدث،ليتكرر السيناريو السابق  بحذافيره، صباح اليوم التالى، وبدلا من أن يطالب المتضررون والمساندون لهم، بالبحث عن أماكن بديلة مناسبة لهؤلاء الباعة، بعيدا عن الميادين الحيوية  التجارية، وتسهيلا للتدفق المرورى، الذى يعوقه تواجدهم فى  نهر الشارع أحيانا كثيرة، تبدأ نغمات المظالم  التى تشكو من تعنت الشرطة ،وإغلاقها لمنافذ رزق هؤلاء الباعة فى وقت تسود فيه البطالة، وكأن اكتساب الرزق لا يكون إلا بمخالفة القانون، وكأن المارة وأصحاب المحال التجارية الذين جأروا بالشكوى من انتشار هذه الظاهرة، لا حقوق لهم.
لم  يتوقف أحد أمام الأبعاد الأخرى للمشكلة، التى تتمثل فى الجهد والوقت والمال الضائع، حيث تتكبد الشرطة أعباء فوق أعبائها، وتشتت جهودها، وتنشأ بينهما وبين المواطنين مصادمات تعقد العلاقة الحساسة بطبيعتها بينهم، فى ظل ظروف استثنائية بالغة الصعوبة، تعترض طريق  الشرطة المصرية للمرة الأولى فى تاريخها، وهى تواجه موجة غير مسبوقة من الإرهاب، الذى تمارسه جماعة الإخوان وأنصارها ممن لا يريدون الاعتراف بهزيمتهم، ولايزالون يعيشون فى وهم العودة لحكم مصر مرة أخرى، بمواصلة إرهابهم المدعوم من بلاد  عربية، و قوى إقليمية ودولية، ولا يمانعون أن تكون إسرائيل  من بينها!
مشاهد مماثلة تجرى كل يوم فى أنحاء مدن الجمهورية، وتتطلب جهودا شرطية استثنائية فى كل  لحظة، بينها ظاهرة انتشار المقاهى التى  تمددت فى كل شارع وحارة، ووسعت من نطاق مساحتها على حساب الطرق العامة، وغدت تسهر يوميا للفجر وهى مكتظة بروادها  الذين يتابعون عبر شاشات تليفزيونية عريضة مباريات كرة القدم، وأفلاما، وبرامج رياضية، فى حفلة صخب ليلى، لا يكف عن التهليل والصراخ والحديث ذى الصوت المرتفع، دون أى اعتبار لسكان العمارات التى تطل على تلك المقاهى، ولايهم بعد ذلك إن كان هناك مرضى يئنون من أوجاعهم، وطلاب يستذكرون دروسهم، وينشدون الهدوء، وبناء على شكوانا نحن سكان العمارات ،تأتى الشرطة كل عدة أسابيع ، فتغلق المقاهى أبوابها لعدة أيام، ثم تعود للعمل داخل نطاق قاعاتها، ثم ما تلبث حتى «ترجع ريمة لعادتها القديمة» من الاعتداء على حرم الشوارع  العامة، وإقامة حفلات الصخب الليلى. أو ليس هذا تشتيتا لجهد الشرطة، وتحميلا لها فوق أعبائها؟!
وفى عام حكم الإخوان غزت شوارع القاهرة بشكل غير مسبوق الموتوسيكلات وعربات التكتوك، وبعد أن كان غير مسموح لها قبل ثورة يناير، بدخول 

أحياء وشوارع  كثيرة، باتت بعدها تسير فى كل مكان ،برغم أن معظمها لا يحمل ترخيصا أو يضع أرقاما مرورية. صرنا نعرف الآن الهدف غير المعلن لهذا الغزو، بعد أن أصبح الموتوسكل هو الوسيلة الرئيسية الآن التى ينفذ بها الإرهابيون عملياتهم الإجرامية، التى أودت بنحو خمسمائة شهيد  من الجنود وكبار الضباط الأمنيين، واصابت ما يقرب من 14 ألف منهم، بينهم مصابون بإصابات خطيرة وتعويقية، ورغم ذلك مازالت هذه المركبات تجوب شوارع المدن الكبرى، وتتزايد بأعداد هائلة المحال التجارية التى تعرض بها، أوليس ذلك عبئا مؤكدا على جهاز الشرطة، فضلا بالأضرار التى يسببها فى الاختناقات المرورية، وفى تزايد معدلات الجريمة؟
تعرض جهاز الشرطة لنكسة مريرة فى الثامن والعشرين من يناير 2011،  انهارت فيها مؤسساته ومعنوياته، وانكسرت فيها روحه، وتحطمت إرادته، ليس فحسب بفعل  السياسيات الاستبدادية لنظم الحكم المتعاقبة، والتجاوزات الأمنية لحفنة من ضباطه الفاسدين، التى شيدت سدودا من الشكوك والريب والكراهية بين الشرطة والمواطن، ولكن أيضا بسبب الدور التخريبى الذى قامت به جماعة الإخوان إبان ثورة يناير من تشويه متعمد لضباط الشرطة، وترويج الشائعات بحقهم، وإلصاق تهم قتل المتظاهرين وقنص العيون بهم، وترويجها وسط جموع المتظاهرين الغاضبة، التى كانت مهيئة لتصديق كل شائعة، وترويجها باعتبارها حقيقة مؤكدة، ودفع أنصارها للتظاهر إبان فترة حكمها للمطالبة بمحاكمة أعداد كبيرة منهم، برأهم القضاء جميعا من تلك التهم المزورة، وقدم لهم القاضى الذى أصدر حكم براءتهم اعتذارا علنيا عن هذه المحاكمة، التى كانوا مجرد كباش فداء فيها -كما قال لهم -ارضاء لمظاهرات مصنوعة، ومغرضة، وعمياء البصيرة  ولعدالة الشوارع التى تدهس بالأقدام دولة القانون. باتت تفاصيل كل ذلك معروفة للجميع، ومازالت نتائجها تتحكم فى الواقع الأمنى حتى هذه اللحظة، التى يكافح فيها جهاز الشرطة ببسالة  منقطعة النظير وفى ظروف صعبة واستثنائية، لاسترداد أدوات قوته التى نزعت عنه بالتآمر والتخريب المتعمد،وتثبت النجاحات اليومية التى يحققها الجهاز فى مجال مكافحة الإرهاب، مدى الكفاءة التى استعادها أفراده فى شهور قليلة، ومدى الروح الوطنية التى يتحلى بها جنوده وضباطه،الذين غدوا يتسابقون على المهمات الخطرة وهم يعلمون جيدا انها يمكن أن تكلفهم حياتهم.
تغير سلوك الناس على امتداد السنوات الثلاث الماضية، وصار الاعتداء على القوانين السائدة هو القاعدة، والالتزام بها هو الاستثناء، ومن يخرقون القانون جناة وليسوا ملائكة، وتصدى الشرطة لهم ليس عودة للدولة القمعية الأمنية، التى لم يعد هناك مكان لها، ونحن مقبلون على الانتخابات الرئاسية التى تؤسس مع الدستور الجديد، لدولة ديمقراطية مدنية حديثة، بل هو إحياء لدولة القانون والمؤسسات، وليت كل المتخرصين أن يصمتوا.