رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مغـزى مصالـحة الغـريمين



لم  يكن لقاء الرئيس السودانى «عمر البشير» بخصمه اللدود الدكتور «حسن الترابى»، الأسبوع الماضى، بعد قطيعة بينهما استمرت نحو خمسة عشر عاما بعيدا بأى حال، عما يجرى

فى مصر منذ الثالث من يوليو من العام الماضى حتى الآن، حين نجحت ثورة الثلاثين من يونية، بدعم من الجيش، فى الاطاحة بنظام حكم جماعة الإخوان، وتقديم قيادتها ممن ارتكب  منها جرائم قتل وتحريض على مما رسة العنف، واقتحام للسجون والتخابر مع دول أجنبية إلى المحاكمة. ومنذ ذلك التاريخ والتنظيم الدولى للإخوان بمساعدة ودعم  من الإدارة الأمريكية، وأدواتها فى قطر وتركيا والاتحاد الأوروبى، يبحثون فى الخطط التى تطوق مصر وتعرقل محاولتها لتنفيذ خارطة المستقبل، التى هى برنامج عمل التحالف الوطنى الذى أسقط حكم الإخوان، وفى القلب من ذلك دعوة القوى الإسلامية للتوحد ونبذ الصراع فى دول الجوار المصرى التى غدت تشكل الآن مثلثا خطرا يهدد الأمن القومى المصرى، يمتد من السودان جنوب الحدود المصرية، إلى غزة فى شمالها، إلى ليبيا فى غربها، حيث تتولى الحكم أنظمة موالية للتنظيم الدولى للإخوان .
«على الحاج» نائب الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبى الذى يقوده الدكتور «الترابى» قال فى حديث صحفى لجريدة الزمان اللندنية، إن دولة قطر هى التى توسطت للتقريب بين «البشير» و«الترابى» وحل الخلافات بينهما، وأن هناك تطابقا فى موقف الطرفين «الترابى» و«البشير» بشأن اعتبار ما حدث فى مصر انقلابا، خاصة بعد أن أيد اليسار السودانى الذى يتحالف معه الترابى  الإنقلاب ضد  محمد مرسى، فضلا عن أن بناء سد النهضة هو شأن أثيوبى لا شأن لمصر به!
ولم تكن دعوة الرئيس السودانى «البشير» فى أواخر يناير الماضى إلى مصالحة وطنية بعيدة هى الأخرى عن هذا السياق، ولا عن قرار المملكة العربية السعودية إدراج جماعة الإخوان ضمن المنظمات الإرهابية، وترحيل بعض أعضائها من غير السعوديين، وفرض رقابة صارمة على من يدعو لأهدافها، ووقف تعامل البنوك السعودية مع  البنوك السودانية، حيث التقى زعيما حزب الأمة «الصادق المهدى» والاتحادى الديمقراطى «محمد عثمان الميرغنى» وسط أحاديث ودعوات فى الإعلام السودانى عن «توحيد صف القوى الإسلامية»، فيما دوائر الرئاسة تتحدث عن خطة الإصلاح إلى طرحها «البشير» وباتت تعرف فى المجال الإعلامى بـ«برنامج الوثبة» وتتضمن محاور أربعة عامة وغائمة، هى وقف الحرب وتحقيق السلام، وبناء المجتمع السياسي الحر ومكافحة الفقر وإنعاش الهوية الوطنية، وهى محاور تقفز بعيدا عن مطالب تحالف المعارضة السودانية، الذى يعد الدكتور «حسن الترابى» طرفا رئيسيا به، وتتضمن الدعوة لإلغاء القوانين المقيدة للحريات العامة، وتشكيل حكومة إنتقالية محايدة، تشرف على  كتابة دستور دائم للبلاد، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، إذ من المقرر أن يحل العام القادم موعد الانتخابات البرلمانية، والرئاسية، وهو المطلب الذى يرفضه الرئيس السودانى بشكل نهائى !وأتى رفض «البشير» لمطالب المعارضة ليؤكد شكوكها فى أن دعوته للحوار الوطنى ما هى إلا لعبة جديدة من ألاعيب حكم الإنقاذ لإطالة بقائه فى السلطة بعد نحو 25 عاما من إنقلابه العسكرى  على حكم مدنى منتخب فى العام 1989، قسم السودان إلى دولتين، وأشعل حروبا أهلية فى أقاليم الشرق والغرب والوسط، وأدخل البلاد فى أزمة اقتصادية طاحنة من جراء نهب ثرواتها وسرقة شركاتها العامة التى جرى خصخصتها وبيعها فى حملات التمكين وشراء الولاءات  والأنصار والأتباع، كما ذهب بها إلى عزلة دولية تمثلت فى عقوبات اقتصادية ودبلوماسية، وتصاعدت بملاحقة المحكمة الجنائية الدولية للرئيس «البشير»  وعدد من أعوانه، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فى «دارفور»، ومع كل ذلك امتلك قادة انقلاب الإنقاذ الذى مازل يحكم فى الخرطوم جسارة وصف ثورة يونية الشعبية فى مصر بأنها إنقلاب!
عاد الدكتور «حسن الترابى» الذى يدخل الآن عامه الحادى والثمانين، لملاقاة غريمه القديم «البشير» بالقبلات والأحضان، ربما أملا فى أن

يستطيع أن يحقق حلمه القديم فى أن يكون بديلا لتنظيم جماعة الإخوان الأم فى مصر، لاسيما بعد سقوط حكمها، ويمسى زعيما للحركة الإسلامية فى كل الإقليم وربما فى العالم، بالعودة للمشاركة فى حكم الإنقاذ الذى كان منظره ومفكره الأول حين كشف أنه فى الأيام الأولى من الانقلاب ارسل البشير إلى القصر، وذهب هو إلى السجن، فى مشهد تمثيلى يستهدف التمويه وإبعاد الأنظار عن أن الحركة الإسلامية التى تنتمى لجماعة الإخوان هى التى تحكم السودان!
وفى عام 1991 أى بعد نحو عامين من انقلاب الإنقاذ أسس الدكتور «حسن الترابى» المؤتمر الشعبى العربى الإسلامى وأصبح أمينا عاما له، وأسبغ عليه اعضاؤه أوصاف المفكر الإسلامى العالمى، وضمير الإسلام الثائر فى العالم وجمع فى هذا المؤتمر الحركات الإسلامية المعارضة لحكوماتها من نحو 45 دولة عربية وإسلامية، وفتح الأراضى السودانية لتدريب الجماعات الجهادية والتكفرية التى دخل بعضها الأراضى المصرية لتنفيذ عمليات إرهابية، ومدهم بالمال والسلاح، وكان «أسامة بن لادن» من بين هؤلاء، إذ  مكث فى السودان خمس سنوات كاملة قبل ترحيله فى بداية الألفية الجديدة. كما  أقام عبر هذا المؤتمر  مركزا سمى «الأقصى» كانت تديره حركة حماس، وتزايد نفوذ «الترابى» فى ظل حكم انقلاب الإنقاذ فأصبح أمينا عاما للحزب الوطنى الحاكم ورئيسا للبرلمان قبل أن يندلع الصراع على السلطة بينه وبين الرئيس «البشير» فى ديسمبر عام 1999،لينتهى بإخراجه  بزعم أنه كان يطالب بانتخاب ولاة الأقاليم السبعة وعشرين بدلا عن تعيينهم، وباطلاق الحريات، التى وضع الأسس القانونية لتقييدها، وباستحداث منصب رئيس الوزراء لتحويل السودان من جمهورية رئاسية إلى جمهورية برلمانية، وهو ما اعتبره «البشير» مسعى لتقليل نفوذه فى دوائر الحكم فأزاحه منه هو والمجموعة التى شكلت فيما بعد حزب المؤتمر الشعبى برئاسته، وانخرطت فى صفوف المعارضة.
كل يغنى على ليلاه، الرئيس السودانى الذى تعهد أكثر من مرة أنه لن يترشح فى انتخابات الرئاسة المقبلة فى عام 2015، يسعى عبر المصالحة والدعوة للحوار الوطنى للتنصل من هذا التعهد بتوسيع دائرة المشاركة فى الحكم المأزوم أصلا، والدكتور الترابى يقبل بالدخول فى هذه اللعبة مداعبة لأحلامه التى لا تفارقه بقيادة الحركة الإسلامية العالمية التى  يظن أن سقوط الإخوان فى مصر تهيئ له ظروفها.
ويبقى ما يهمنا نحن هنا، أن هذه الكماشة من أنظمة حكم الإخوان على حدودنا، يغدو من المؤكد أن تخيب خططها لإثارة الفوضى فى بلادنا بمقدار نجاح الجهد الشعبى والرسمى فى مكافحة الإرهاب، وبعزمنا على النجاح فى تنفيذ بقية بنود خارطة المستقبل.