رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صناع البهجة والفرح

.. وصناع البهجة هم أنفسهم المصريون، الذين استردوا إرادتهم بأيديهم، وقرروا ألا يتركوها نهباً لمحاولات الكسر والتخويف والإرباك والتعطيل والتشويش والتخريف والتضليل

والإرهاب، التى أشاعها صبية صغار مضللون، استغلت جماعة الإخوان وأعوانها فقرهم وبؤسهم، فأغدقت عليهم الأموال، لينفذوا لها مخططها التدميرى المحكوم عليه بالفشل مهما أسفر عن خسائر، ليصبح هؤلاء الصبية هم أول ضحايا هذا المخطط الذى زج بهم فى معارك خاسرة ضد الشعب المصرى ومؤسسات دولته. أراد المصريون وكما أرادوا فعلوا، فكان تزاحمهم على لجان الاستفتاء على الدستور فى القرى والأحياء والمدن، حيث بلغت نسبة المشاركة حتى الآن - حتى تعلن النتائج النهائية للاستفتاء – أكثر من 50% ممن لهم حق التصويت، هو رسالة لكل من يعنيه الأمر، بأن القرار قرارهم، وأن زجاجات المولوتوف والقنابل والمتفجرات والتهديدات لن ترهبهم، ولن تحول بينهم وبين أن يكونوا طرفاً فاعلاً فى بناء المستقبل الذى يحدد الدستور الجديد ملامحه، وأن كل المحاولات التى بذلها الإخوان لتشويه الدستور، ونشر الشائعات المغرضة بشأنه، كالقول بأنه ضد الإسلام، وأن من صاغه راقصات وفنانات وأقباط، لم تؤت ثمارها، ولفظها المواطنون البسطاء الذين شكلوا عماد الطوابير التى تزاحمت أمام لجان الاستفتاء وهم يلوحون بأعلام بلدهم، وينشدون الأغانى الوطنية ويرقصون على أنغامها، ويرفعون بفرح علامات النصر، وربما لم يقرأ كثيرون منهم نص الدستور، لكنهم جميعاً، بمن فيهم الأُمىّ (الذى لا يقرأ ولا يكتب)، ومن يجيد القراءة والكتابة، وقد تعلموا من تجاربهم المريرة مع جماعة احترفت المتاجرة بالدين، وثقوا فى القيادة التى وضعت خارطة المستقبل، وتمسكوا بأهداب الأمل أن إقرار الدستور هو الخطوة الأولى نحو الاستقرار الذى يتحرقون إليه شوقاً، ونحو استعادة وطنهم الذى أفقدته جماعات التأسلم السياسى ملامحه البهية على امتداد السنوات الثلاث الماضية.
ألزم المصريون بوعيهم السياسى المتنامى، وتوهج مشاعرهم الصادقة، أعداءهم الخرس، وأصابوهم بالذهول الذى أفقدهم اتزانهم فراحوا يهزون بقصص مختلفة، ويؤلفون روايات مضحكة لم تحدث، كى تبثها قناة الجزيرة، ليبرروا بها تراجعهم وهزال مساعيهم الخائبة بعد أن أفسد المصريون عليهم فرحاً محتملاً بإفشال الاستفتاء على الدستور، ومنحت حشودهم للتصويت بنعم عليه، «شرعية الصندوق» لثورة الثلاثين من يونيو، ولبرنامجها الذى تمثله خارطة المستقبل، وللقيادة التى تكاتفت من أجل إقرارها، وللحكومة التى تشرف على تنفيذها.
كان من الصعب، بل من المستحيل، التوصل إلى تلك النتائج المبهرة، دون التناغم التام بين المؤسسات التنفيذية التى أدارت عملية الاستفتاء، بعضها مع بعض، وبينها وبين المواطنين. فاللجنة العليا للانتخابات، بدا لكل المتعاملين معها الكفاءة العالية التى اتسم به عملها، والسرعة المدهشة فى الاستجابة لتساؤلات المصوتين، والتى يسرها، قاعدة البيانات الحقيقية التى صارت بحوزتها وتشمل نوعيات وأعمار المصوتين وأماكن توزيعهم الجغرافى، فضلاً عن الخبرات والمهارات الإدارية التى تعاملت مع هذه القاعدة من البيانات بحرفية واضحة تثير الإعجاب والتقدير، للجهود الجبارة التى قامت بها، وللأداء التنظيمى المتطور الذى ساهم فى اختفاء ظواهر التزوير بشتى السبل، التى شابت عمليات الاستفتاء والانتخاب خلال السنوات التى أعقبت ثورة 25 يناير. وساهم وجود شبكة داخلية تربط بين كل لجان الوافدين فى ضبط تصويتهم، ومنع تكراره، كما كان يحدث سابقاً. وكانت الإرادة السياسية الحازمة وراء الإستجابة السريعة لإصدار تشريع يعاقب بالحبس من 3 إلى 15 عاماً على جرائم التزوير فى الانتخابات، فضلاً عن الغرامات، وهى الجرائم التى مارستها جماعة الإخوان هذه المرة، بالرشاوى الانتخابية، لحث المواطنين على عدم الذهاب للتصويت، وجمع كميات هائلة من بطاقات الرقم القومى من الأهالى، لعدم تمكينهم من الإدلاء بأصواتهم، وإرسال رسائل تهديد عبر الموبايل تحرض القضاة على عدم المشاركة فى الاستفتاء، فضلاً عن أعمالهم الإجرامية لإشاعة الذعر بين المواطنين، على أبواب اللجان

الانتخابية، لكن المواطنين تحدوا بحشودهم الطوعية كل المحاولات المنظمة لترويعهم وإخافتهم، لمنعهم من المشاركة فى الاستفتاء، بل وسخروا منها.
وارتقى تأمين اللجان الانتخابية من جانب الجيش والشرطة، هذه المرة خطوات سريعة إلى الأمام، وحمى الطيران الحربى الذى كان يراقب أسطح المبانى الملاصقة للجان الاستفتاء العملية برمتها من شرور كثيرة. شرطة أخرى وجيش آخر كنا نقابله أمام لجان التصويت، وجوه مبتسمة، وروح معنوية عالية، ورغبة محبة صادقة فى التعاون مع من يطلبون المساعدة، وإقدام على تقديمها حتى دون طلب، برغم المهام الجسيمة الملقاة على عاتقهم، والإرهاق البدنى، والضغوط النفسية والعصبية التى يتحملونها فى الثمانية أشهر الأخيرة، والتضحيات التى يدفع بعضهم فيها حياته دفاعاً عن أمن الوطن والمواطنين.
وكان من دواعى البهجة والفرح أيضاً تناغم أداء الشرطة والجيش والمواطنين، الذى كان عملاً حاسماً فى النتائج الإيجابية التى أسفر عنها الاستفتاء، والتى رسخها وجود جميع المسئولين التنفيذيين فى لجان الاقتراع لتفقد سير عملها، من رئيس الجمهورية، إلى رئيس الوزراء، ومن وزير الداخلية إلى وزير الدفاع، مروراً بالمحافظين وقادة أفرع القوات المسلحة. وكانت جسارة المسئولين التنفيذيين فى تحدى تهديدات الإرهابين بالتنقل بين لجان الاستفتاء، حافزاً مهماً لدفع الناخبين للخروج للتصويت دون خشية من تلك التهديدات، وفضلاً عن تصدى الأهالى بأنفسهم لأعمال العنف التى كان يقوم بها الإخوان وأعوانهم أمام اللجان، فإن عدداً كبيراً من عمليات التخريب التى تم الكشف عنها قبل تنفيذها، تمت ببلاغات من مواطنين للأجهزة المسئولة.
أيام من البهجة والفرح والبشر، غابت عن حياة المصريين على امتداد الأعوام الثلاثة الأخيرة، عادت إليهم يوما الاستفتاء، لأنهم أدركوا أن الكرأمة الوطنية قبل الخبز أحياناً، وأن استعادتها رهن بإرادتهم الحرة، وأن «نعم» التى قالوها للدستور، هى فى الوقت نفسه «لا» للذين يريدون هدم دولتهم، وتدمير مؤسساتها، وطمس معالمها وتاريخها، وإشاعة الفوضى فى أنحائها، والفرقة بين أبنائها، والصراع بين أديانها، والاستيلاء على خيراتها وثرواتها، وبيع ترابها الوطنى فى المزاد العلنى للتنظيم الدولى للإخوان.
احتشد المصريون للتصويت بنعم لخارطة المستقبل، ولقول لا مدوية لمن يحاولون فى الداخل والخارج أن يجروا بلادهم إلى الوراء، ويحرموهم من بناء دولة وطنية ديموقراطية حديثة، خالية من الظلم والعسف والإكراه والطغيان، ولأنهم يريدون وطنهم محلاً للسعادة المشتركة لكل أبنائه، فقد جاء إبداعهم فى قول «نعم» و«لا» فى لحظة واحدة، استردوا فيها وعيهم المختطف، وامتلكوا إرادتهم الحرة، فكانوا صناعاً للفرح والبهجة والأمل قبل أن يغمر قلوبهم وعقولهم.