رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مَنِْ يقاتل مَنِْ فى جنوب السودان؟

عنوان المقال ليس تساؤلاً، بل هو إقرار بواقع قبلى شديد التعقيد تسيطر على نسيجه الاجتماعى نحو 500 مجموعة اثنية تبرز التركيبة السكانية الهشة لجمهورية جنوب السودان الناشئة-تعدادها نحو تسعة ملايين نسمة -، التى لم يتعد وجودها المستقل فى الساحة الدولية سوى نحو عامين ونصف

العام، لم تسلم خلالها من الصراع التاريخى للهيمنة على مصيرها، بين أكبر قبيلتين فيها، وهما قبيلة «الدينكا» التى ينتمى إليها الرئيس الجنوبى «سلفا كير» وقبيلة «النوير» التى ينتمى إليها نائبه السابق «رياك مشار» تلك المواجهة التى تندلع بين الحين والآخر بين القبيلتين تكتسب خطورتها من الامتدادات التى تحوزها القبيلتان وغيرهما من القبائل المساندة أو المعارضة لهما، فى الدول الأفريقية المجاورة مثل كينيا وإثيوبيا والكنغو وأوغندا،  وهو واقع ديموجرافى يعطى هذا الصراع بعدا إقليميا، لا داخليا فحسب.
وليس معروفا حتى الآن ما إذا كان ما جرى فى جنوب السودان الاثنين الماضى، هو محاولة انقلاب فاشلة على الحكم القائم، كما ذكر مسئولوه، أم هو مخطط من قادة هذا الحكم، يستهدف التخلص من معارضى رئيس الجنوب «سلفا كير» بالملاحقة والاعتقال وربما التصفية، بعد أن كان قد أجرى فى يوليو الماضى تعديلا وزاريا فى حكومته، أطاح فيه بعدد كبير منهم، على رأسه نائبه «رياك مشار» الذى أعلن أن محاولة الانقلاب التى نسبتها اليه السلطات الجنوبية  ليست سوى ذريعة من الرئيس «سلفا كير» للتخلص من  خصومه السياسيين، فيما وصف عدد من أنصاره المحاولة بأنها لا تعدو أن تكون مجرد مناوشات بين عدد من الضباط تطورت إلى تبادل لطلق نارى محدود، لكن القوات الدولية الموجودة فى الجنوب، قالت إنها صراع قبلى، أدى إلى لجوء نحو عشرين الف مدنى  إلى قواعد الأمم المتحدة فى العاصمة جوبا، هربا من معارك الصراع القبلى بين فصائل الجيش المتقاتلة، بعد مقتل نحو خمسمائة مدنى وجرح نحو ثمانمائة آخرين. وكان هذا التطور هو ما دفع الحكومة الأمريكية إلى إغلاق سفارتها وترحيل رعاياها، وتحذير مواطنيها من السفر إلى جنوب السودان، كما جعل مجلس الأمن الدولى يحذر من أن الصراع العرقى به قد يتطور إلى حرب أهلية.
المنطق الذى يسوقه «رياك مشار» لاندلاع تلك المواجهات، يبدو متسقا، فقد دأب «مشار»، المختفى منذ اندلاعها، على وصف الطريقة التى يحكم بها «سلفا كير» بالاستبداد والدكتاتورية وافتقادها للوسائل الديمقراطية، كما أعلن مرارا أنه ينوى الترشح فى الانتخابات الرئاسية عام 2015 ربما منافسا لكير نفسه. ولا يخلو الأمر من ناحية أخرى،من تاريخ  طويل من التنافس الشخصى بين الرجلين حول أيهما احق بقيادة الحركة الشعبية، ومن ثم الدولة الجنوبية، بعد مقتل الزعيم الجنوبى ذى الميول الوحدوية الدكتور «جون قرنق» فى حادث تحطم طائرة لم يكشف عن كثير من ملابساته حتى الآن،فى أعقاب توقيعه على اتفاق نيفاشا مع حكم الإنقاذ الذى يقوده «عمر البشير» فى عام 2005 وهو الاتفاق الذى منح الجنوبيين الحق فى الاستفتاء، على البقاء فى السودان الموحد أو بالانفصال عنه،بعد مرور ست سنوات على توقيعه، وهو ما حدث بالفعل، بإعلان الجنوب دولة مستقلة فى التاسع من يوليو عام 2011، بعد أن صوت الجنوبيون بنسبة مرتفعة فى اتجاه الانفصال عن الشمال محملين نظام البشير الدينى والاقصائى المسئولية بسعيه  الحثيث لدفع الجنوب نحو هذا المصير. والدكتور رياك مشار المهندس الزراعى الذى تلقى تعليمه فى أرقى الجامعات الغربية، يعد نفسه كما يعده أنصاره اكثر علما وثقافة، وأفضل تعليما،من مجرد جندى مثل «سلفا كير» تربى فى الغابات ولا يجيد سوى حرب العصابات التى شكلت فصلا طويلا من الحرب الأهلية بين الشمال

والجنوب!
التنافس القبلى هو ما جعل هذه الصدامات حدثا شبه يومى فى دولة الجنوب، التى حذر كثيرون من أنها لا تمتلك أى مقومات للدولة،برغم الثروات الطبيعية التى تتمتع بها، بعد أن أصبحت تمتلك نحو 85% من احتياطى البترول السودانى، فضلا عن المعادن والمراعى الشاسعة، والأغلب الأعم أن الأحداث التى جرت الاثنين الماضى، سواء كانت انقلابا أو صراعا قبليا على السلطة والنفوذ، لن تكون الأخيرة، بفعل الانتشار الواسع للسلاح بين القبائل، والذى تدفق اليها عبر سنوات الحرب الأهلية، وبسبب النزاع المستمر بين الشمال والجنوب الذى يتطور إلى صراع مسلح فى كثير من الأحيان لعدم التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود بينهما، وتعثر الاتفاق حول تكلفة نقل بترول الجنوب عبر السودان الشمالى، وليس مستبعدا والحال هكذا، أن تسعى حكومة البشير لإثارة الفتن بين قبائل الجنوب، أو تحريض بعضها على الأخرى، فى محاولة للضغط على الحكم الجنوبى  للقبول بشروط الخرطوم لحل المشاكل العالقة بينهما، وفى القلب منها منطقة «أبيى» المتنازع عليها بينهما بسبب احتوائها على احتياطى كبير من البترول والمعادن.
فى عام 2012 صنفت الأمم المتحدة جنوب السودان ضمن قائمة الدول الأكثر فقرا والأقل نموا برغم ثروتها النفطية الكبيرة، فالبنى التحتية فى الولايات العشر شديدة التدهور،وحرب الابادة بين قبيلتى الدينكا والنوير لاتتوقف، والنظام السودانى لا يكف عن استغلال التنافس بين القبيلتين لتحقيق مكاسب لصالحه. والشىء المؤكد الآن أن المحاولة الانقلابية فى الجنوب تعكس مدى التذمر وسط النخب العسكرية مثلها مثل محاولة الانقلاب التى جرت مؤخرا فى الشمال. فقد بات متداولا فى بيانات تحمل طابعا تحريضيا، أن قطاعا واسعا من المؤسسة العسكرية فى البلدين لا يقبل باستمرار انفصالهما بسبب الخراب الاقتصادى الذى  حل بكليهما واجواء التفتت الجديدة التى تخيم على الشمال والجنوب معا. تلك كلها مخاطر تؤرق دولا أفريقية مجاورة، تضم اراضيها عددا من الأقاليم التى ترنو هى الأخرى
بدورها إلى الانفصال عنها، وهى كلها مخاطر تدفع باتجاه  وساطة إفريقية توفر مناخا للحوار بين الفصائل الجنوبية المتحاربة،بما يجعل التنوع القبلى والدينى والثقافى ثروة تقود للرخاء، لا عوامل للتنافس والتنابذ والاستقواء والقتال، لاسيما وأن رذاذها لا يقتصر على حدودها، وحل المشاكل بين دولتى الجنوب والشمال التى يتحمل تكلفتها المواطن العادى فى البلدين، والبحث الجدى فى الفكرة التى طرحت مؤخرا لتكوين اتحاد فيدرالى بينهما، بعد أن تجرع كلاهما كأس الانفصال المرير.