عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

مـجرد فـشلنا العاشر

لم أعد أستطيع التعاطف مع هؤلاء الذين يملأون الحياة السياسية صراخا ونواحا علي التزوير الفاضح الذي جري في جولتي الانتخابات الأخيرة،‮ ‬ليس لأنني لا أدين مثلهم‮ ‬هذا التزوير،‮ ‬ولا أعتبر هذه الانتخابات كما أشار بيان لحزب التجمع،‮ ‬أسوأ انتخابات جرت في مصر في العقود الأخيرة،‮ ‬من حيث التزوير والتسديد واستخدام العنف والبلطجة وشراء الأصوات داخل لجان الاقتراع وخارجها،‮ ‬ومنع المندوبين وعرقلة حصولهم مع المراقبين الحقوقيين علي توكيلات للقيام بدورهم،‮ ‬والأخطاء المضحكة في جداول الناخبين التي كانت تحمل اسم والدي وتوقيعه وهو المتوفي منذ خمسة وثلاثين عاما فيما عجزت عن أن تجد اسمي،‮ ‬أقول ليس بسبب كل هذا،‮ ‬بل لأن بعض الذين ينوحون ويصرخون.

‮ ‬يطالبوننا بوعي أو بدونه،‮ ‬بالكف عن النضال من أجل تحقيق الديمقراطية في ظل الأوضاع السائدة،‮ ‬ولولا الملامة لدعونا إلي إعلان الكفاح المسلح لتحقيق الديمقراطية،‮ ‬ولأنني واحدة من بين كثيرين ممن يرفضون نظرية كل شيء أو لا شيء علي الإطلاق،‮ ‬فسوف أقول كما قال الزعيم الصيني الشهير‮ "‬صن يات صن‮" ‬فور كل فشل لحق به في مجري نضاله لتأسيس الجمهورية الصينية تحت شعار القومية والديمقراطية والاشتراكية،‮ ‬إن ما جري‮ "‬كان مجرد فشلنا العاشر‮"‬،‮ ‬وهو الأمر الذي يستدعي أن نمعن النظر جيدا في الدروس التي يمكن استخلاصها،‮ ‬من هذه الكارثة الانتخابية،‮ ‬التي أسفرت عن برلمان يحوز الحزب الوطني الحاكم به علي الأغلبية المطلقة،‮ ‬في واقعة هي الاولي من من نوعها منذ عودة الديمقراطية المقيدة في عام‮ ‬1976،‭ ‬والتفكير الجدي في البحث عن برنامج يحول دون تكرار ما جري،‮ ‬وتحديده في خطوات عملية،‮ ‬ثم العمل والنضال من أجل تحقيقها‮.‬

من أبرز الإشكاليات التي برزت في الانتخابات الأخيرة مسألة تحديد الصفة،‮ ‬أو تغييرها،‮ ‬وجزء كبير من الطعون التي قدمت لمحكمة القضاء الإداري وأصدر بها أحكاما أثناء سير المعركة الانتخابية،‮ ‬كانت طعونا تتعلق بالصفة الانتخابية،‮ ‬وهي قضية تفرض أن يكون هناك نوع من الضبط القانوني الدقيق لصفة العامل والفلاح،‮ ‬الذي يجعله تعريفا منضبطا ومفهوما للجميع،‮ ‬ويحول دون أن يحدث به أي شكل من أشكال التلاعب،‮ ‬ولا يخفي علي أي أحد أن الحزب الوطني وبعض أحزاب المعارضة قد‮ ‬غيرت صفات بعض مرشحيها لتوقي مرشح بعينه أو لتهيئة الفرصة لمرشح آخر للفوز بالمقعد‮. ‬وعلي أحزاب المعارضة سواء تلك الممثلة في البرلمان أو الأخري خارجه،‮ ‬أن يكون من بين مهامها الضغط لاستصدار تشريع يلزم النائب في مجلسي الشعب والشوري الذي خاض المعركة الانتخابية بصفة بعينها،‮ ‬بعدم جواز أن يغير هذه الصفة،‮ ‬وبالتالي يكتسبها طوال ممارسته لحقه في الترشيح‮. ‬وفي هذا السياق فقد وجه انتقاد واسع لاتحاد العمال لتوسعه في منح شهادات بصفة العامل لرجال أعمال ولواءات شرطة ومهنيين،‮ ‬مما فرغ‮ ‬نسبة‮ ‬50٪‭ ‬عمال وفلاحين للمرة الألف من مضمونها وأهدافها‮.‬

وأثبتت التجربة أن اللجنة العليا للانتخابات برغم النص عليها في الدستور والقانون،‮ ‬إلا أنها لجنة مؤقتة،‮ ‬ليست لها أذرع تنفيذية تنفذ بها‮ ‬التعليمات أو القرارات التي تصدرعنها،‮ ‬فكانت النتيجة أنها أصبحت لجنة تجلس علي القمة،‮ ‬وتوكل الشكاوي التي ترد إليها ومهمة تنفيذ قراراتها للأجهزة التنفيذية المختلفة،‮ ‬فكان من الطبيعي ألا تنفذ تلك الأجهزة هذه القرارات،‮ ‬أو تتراخي في تنفيذها أو تتواطأ لعدم تنفيذها،‮ ‬مما يجعل من الضروري أن يكون هناك تعديل في القانون يسمح لهذه اللجنة أن يكون لها وجود دائم،‮ ‬وتكون لها صلاحيات تنفيذية تعتمد بموجبها توكيلات المندوبين والمراقبين،‮ ‬طبقا لاجراءات ميسرة معروفة ومعلنة للجميع‮. ‬وكما هو معروف فقد اجريت الانتخابات في اكثر من‮ ‬44‭ ‬الف لجنة فرعية،‮ ‬تم تقسيمها إلي‮ ‬9‭ ‬آلاف لجنة عامة،‮ ‬وهو ما يعني أنه أصبح بالإمكان وجود قاض في كل لجنة عامة،‮ ‬وبهذا المعني يصبح هؤلاء القضاة تابعين مباشرة للجنة العليا للانتخابات،‮ ‬ويمارسون مهامهم تحت إشرافها،‮ ‬لوقف كل الشكوك والتلاعبات

والتدخلات الإدارية في الفرز وفي النتائج‮.‬

أثبتت كوتة الـ‮ ‬64‭ ‬مقعدا للمرأة الشكوك التي أحاطت بأهدافها،‮ ‬بعد أن فاز بكل مقاعدها إلا قليلا،‮ ‬الحزب الوطني الحاكم،‮ ‬وبصرف النظر عن ذلك فقد اثبتت التجربة انها ظلمت المرأة بدلا من انصافها،‮ ‬بعد أن اصبحت الدائرة التي تنافس عليها متسعة بحجم المحافظة كلها،مما يجعل النظام السابق الذي تم تطبيقه عام‮ ‬1979‭ ‬في تحديد دوائر بعينها للمرأة في نفس الدوائر التي يتنافس فيها الآخرون،‮ ‬والتي كانت تتركز في دوائر محددة في‮ ‬المدن وعواصم المحافظات‮. ‬ولعل دوائر الكوتة هي واحدة من أقوي الأدلة علي عمليات التسديد الواسعة التي جرت في الانتخابات الأخيرة،‮ ‬والتي تشكك في النتائج برمتها‮.‬

أظهرت تلك الانتخابات بشكل مكثف العيوب الخطيرة في نظام الانتخاب الفردي،‮ ‬الذي راكم معظم المشاكل السابقة،‮ ‬ففي ظله استخدم المال السياسي بشكل مخيف،‮ ‬وراهن من حازوا علي الأغلبية المطلقة علي العصبيات والعائلات والقبائل،‮ ‬وعززوا منطق التصويت علي اسس تقليدية،‮ ‬وأهدروا مايقرب من‮ ‬49٪‭ ‬من أصوات الناخبين التي ذهبت لأحزاب المعارضة،‮ ‬لتصبح النتيجة مجلساً‮ ‬مختلاً‮ ‬لا يعبر تعبيرا حقيقيا عن توجهات الرأي العام،‮ ‬فضلا عن أن نظام الانتخاب الفردي في التجربة الديمقراطية المشوهة القائمة لا يسمح بتقوية الاحزاب،‮ ‬فالانتخابات التي جرت لم تكن انتخابا لحزب سياسي دون حزب آخر،‮ ‬ولا الحزب الوطني فاز فيها بالأغلبية،‮ ‬اللهم إذا اعتبر أن أغلبية أقل من‮ ‬20٪‮ ‬من أصوات الناخبين هي أغلبية كاسحة،‮ ‬ولا أحزاب المعارضة التي قاطعت او التي شاركت،‮ ‬خالية من المؤيدين والمناصرين في الرأي العام،‮ ‬ولكن هناك نظاماً‮ ‬انتخابياً‮ ‬قائماً‮ ‬ويجري التمسك به لينتهي بنا الي تلك النتائج التي تغلق إمكانيات التغيير،‮ ‬وبالتالي هناك ضرورة للعودة الي نظام القائمة النسبية،‮ ‬شرط أن تكون مفتوحة وغير مشروطة،‮ ‬والتي من شأنها ان تحل اشكاليات تمثيل النساء والأقباط،‮ ‬كما أنها لا تهدر اصواتا للناخبين،‮ ‬وأهم من هذا وذاك انها سوف تجعل المعارك الانتخابية تدورعلي مبادئ سياسية وأفكار لا اشخاص،‮ ‬وتقوي الاحزاب لتصبح صاحبة الرأي الاساسي في اختيار المرشحين وترتيبهم داخل القائمة،‮ ‬لتنمية ثقافة الالتزام الحزبي لدي اعضائها،‮ ‬وتقلل من ظواهر المنشقين عن أحزابهم والمستقلين،‮ ‬وفكرة الترشيح المزدوج التي لجأ إليها الحزب الوطني،وتواجه عوامل البلطجة والمال السياسي والتدخل الإداري وغيرها من العوامل التقليدية لتكون أقرب إلي الشفافية‮.‬

وإذا كان الحزب الوطني يعنيه حقا مستقبل التطور السلمي الديمقراطي في هذا الوطن،‮ ‬فليساند داخل البرلمان وخارجه كل مشروع قانون يفضي الي ذلك،‮ ‬وإلا فعليه ان يتحمل العواقب الوخيمة للتلكؤ في اتخاذ الخطوة الاولي نحو ذلك‮!‬