رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مكاسب حظر التجول

أوشكت فترة حظر التجول التي فرضت بعد فض اعتصامي النهضة ورابعة العدوية في الرابع عشر من أغسطس الماضي على الانتهاء، وكما بدا في حديث الرئيس «عدلي منصور» للتليفزيون المصري، فإن نية الحكومة تتجه لعدم مدها بعد اقتراب نهاية الشهر الذي حددته لها، وكشف التزام المصريين بحظر التجوال طوال هذه الفترة على مدى قدرتهم على التقيد بتنفيذ الأوامر الرسمية، إذا ما استشعروا أن هناك مصلحة عامة تخصهم، وتعود عليهم بالفائدة في النهاية.

ومع أن فترة حظر التجوال أضرت ببعض أصحاب المهن والحرف، الذين كانوا يعتمدون على الفترة المسائية في تصريف أرزاقهم، إلا أنها من جانب آخر جددت الحديث عن أهمية العودة للتفكير في تنظيم مواعيد فتح المحال التجارية في فترة المساء.
وخلال فترة حظر التجوال، اضطر بعض أصحاب المحلات التجارية الذين تعودوا على بدء عملهم بعد الظهر، الى فتحها مبكراً، حتى يستطيع المواطنون شراء ما يحتاجونه مما تبيعه في مواعيد تتلاءم مع الحظر، وبعد أن كان هذا لا يفتحون أبواب المحال إلا عقب صلاة الظهر، تعودوا على فتحها في فترة تتراوح بين التاسعة والعاشرة صباحاً، ورغم قصر المدة، بدأ المواطنون يواءمون مواعيدهم مع المواعيد الجديدة بفتح هذه المحال التي استردت بذلك جانباً من زبائنها وعوضت الإغلاق المبكر لنشاطها التجاري.
وهذه تجربة مهمة تدعونا للتفكير مرة اخرى في العودة لتحديد مواعيد غلق المحال التجارية وغيرها من الأنشطة الاخرى، بحيث لاتتجاوز العاشرة أو الحادية عشرة مساء، وهى فكرة كانت قد طرحت منذ حوالي عام، ولكنها قوبلت باعتراضات واسعة أدت الى العدول عنها.
والحقيقة التي تستحق التوقف أمامها أن المدن الكبرى في مصر تكاد تنفرد بسمة لا توجد في معظم عواصم العالم المتقدم، التي تعتمد النهار  كفترة للحركة التجارية، والليل كفترة للراحة، حيث تغلق المحال التجارية والمقاهي والمطاعم، في معظم العواصم العالمية، ويتوقف العمل بها بين السابعة والتاسعة مساء، ويعود الناس هناك الى منازلهم، أو يمارسون حياتهم الاجتماعية، وآنذاك تخلو الشوارع من زحام السيارات والمارة والمشترين، وعبر هذا النظام، يتخلق نمط سلوكي للشعوب يبدأ فيه العمل في ساعة مبكرة من الصباح، وينتهي في فترة متوسطة من المساء، وهو نمط شعوب تعودت على أن تعمل وتنتج وتستغل الوقت بأفضل الطرق، بما يتيح لها أن تؤدي ما عليها من واجبات، وفي نفس الوقت تستريح، وتستمتع بالحياة، وتنمي علاقاتها الاجتماعية ببعضها البعض.
وحينما يسود في مصر نمط حياة يتسم بالفوضوية، وعدم التنظيم، ويؤدي كذلك الى أعراض جانبية بالغة السوء، ربما كان أهمها هو ما يتعلق بما تعاني منه الآن من الإسراف الشديد في استخدام الطاقة في أقل جوانبها إنتاجا، مما يكلف ميزانية الدولة أعباء ثقيلة، وليست مصادفة أن الكهرباء قد انتظمت دون انقطاع في فترة حظر التجول التي كانت تنتهي في السابعة ثم التاسعة مساء، ثم عادت للانقطاع عندما امتد حظر التجوال حتى الحادية عشرة مساء، نتيجة لما تستهلكه المحلات التجارية والمقاهي والكافتيريات من كهرباء للإضاءة الداخلية والخارجية فضلاً عن استخدام التكييف بشكل مكثف مع الارتفاع المذهل في درجات الحرارة.
عندما أثير موضوع تحديد موعد غلق المحال التجارية، قبل نحو عام، كان من بين أسباب الاعتراض عليه آنذاك، القول بأن عمل المحال التجارية لدورتين، إحداهما صباحية والأخرى مسائية، يفتح الباب أمام عمالة إضافية، تجد فرصتها للعمل في الفترة الليلية، وأن قصر العمل على فترة واحدة سيزيد جيش العاطلين أو الذين يحتاجون الى استكمال نفقات معيشتهم للجمع بين أكثر من عمل، فضلاً عن أنه يوقف خدمات كثيرة، لا يتمكن المواطنون من الحصول عليها إلا في الفترة المسائية كعيادات الأطباء والصيدليات وغيرها من المكاتب والورش التي تعودت أن تعمل على مدار

أربع وعشرين ساعة متواصلة.
وهذه وغيرها مشاكل يمكن التوصل لحلول لها، خاصة إذا ما تم تحديد مواعيد إغلاق المحلات العامة، بما يتناسب مع ظروف المجتمع المصري الراهنة على وجه الخصوص، فمن الممكن أن يستمر العمل بها حتى الحادية عشرة مساء، مع تقديم مواعيد بدء العمل بها الى الثامنة صباحاً، بما يحقق نحو 15 ساعة عمل في اليوم تكفي تماما، لكي تعمل تلك المنشآت جميعها فترتين أو ثلاث، وتتيح للعاملين بها فترة راحة معقولة وتمكنهم من تحقيق الدخل الذي يسعون اليه، وتقديم الخدمة التي يطلبها المواطنون، بالإضافة الى أنهم سوف يقدمون في نفس الوقت مكاسب إضافية للاقتصاد الوطني، تتمثل في توفير الاستهلاك المفرط للطاقة المدعومة.
ومن المكاسب التي لا شك فيها أيضاً، أن هذا القرار لو صدر، فإنه يتيح لقوات الأمن الفرصة لملاحقة الجرائم، التي يتستر مرتكبوها عادة بالليل والزحام لارتكابها، وأثبتت التجارب السابقة في هذا المجال أن المصريين شعب منظم ومتحضر وقادر على الالتزام بأي أسلوب لتنظيم شئون حياته اذا ما أدرك أن وراء ذلك مصلحة عامة، واذا ما تأكد له أنه يطبق بشكل عادل ومتساو على الجميع، وأن عدم وجود نظام، أو عدم المساواة في تطبيقه على الجميع دون تمييز، هو الذي يقوده الى التدافع الذي يصل الى حد الفوضى حتى لا يضيع حقه، أو يرضخ لعمليات التمييز، الذي يكرهه، ويعز عليه أن يجبر على قبوله.
لقد عانت مصر خلال الثلاثين شهراً الماضية من حالة من الفوضى الضاربة شملت كل أنحاء الحياة على نحو يستحق الشعب المصري عليه التحية لأنه تحمل آثارها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية بصبر فاق كل حد، وآن الأوان لكي تعود الأمور، الى درجة من الانضباط العام، لتشمل كل شىء، وأول خطوة في هذا السبيل هى العودة لاحترام القانون، واتخاذ سلسلة من الإجراءات، تعيد للمصريين طبيعتهم الأصيلة كشعب منظم قادر على العمل والعطاء وبذل المجهود، اذا ما وجد إدارة جازمة وقادرة على اتخاذ الاجراءات التي تكفل للمصريين فرصا أفضل للعمل والإنتاج وفي مقدمتها  تنظيم مواعيد السهر طبقاً لقواعد رشيدة، تقلل من إهدار المال العام، ومن أوجه الخلل في الأمن الداخلي وتعيد الترابط الاجتماعي، الذي حول غيابه البيوت المصرية الى ما يشبه الفنادق، التي لا يعرف نزلاؤها بعضهم البعض، تسبب تضارب مواعيد عملهم، وبسبب الفوضى التي تجتاح أنماط معيشتهم.
إن انتهاء موعد حظر التجول، هو موعد ملائم للعودة لتحديد مواعيد غلق المنشآت العامة.