رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

منظمات المجتمع المدنى واستخدام الأغراض النبيلة لأهداف ليست كذلك

الحكم الذى أصدرته محكمة جنايات القاهرة أمس الأول فيما سمى بقضية التمويل الأجنبى والذى قضى بمعاقبة 27 متهماً غيابياً بالسجن لمدة خمس سنوات، ومعاقبة خمسة آخرين حضورياً بالسجن سنتين، وأحد عشر آخرين بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ وتغريم

كل منهم مائه جنيه، فضلاً عن إغلاق جميع مقارات وفروع المعهد الجمهورى الحر، والمعهد الديمقراطى الأمريكى، ومؤسستى «فريدوم هاوس» الأمريكية، و«كونراد أديناور» الألمانية فى كل محافظات الجمهورية ومصادرة أموالها وأوراقها، هذا الحكم أثار جدلاً كبيراً فى مصر وفى الخارج على المستوى الرسمى فى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، ووسط المنظمات الحقوقية الدولية والعربية.
والحكم بنى على أساس أن هذه المنظمات مارست نشاطها داخل مصر دون الحصول على موافقة بذلك طبقاً للقانون المصرى، وأنها كانت تتلقى تمويلاً أجنبياً بدون الالتزام بالقواعد القانونية المصرية المنظمة لذلك.. وواقع الحال أن المسئول عن هذه الإشكالية هى السياسة التى كان يتبعها النظام السابق فى كثير من القضايا، عندما كان يجد نفسه أمام نشاط يخشى أو لا يريد أن يسمح له بالعمل بشكل قانونى، وفى الوقت نفسه تحول علاقاته الدولية أو الإقليمية وأحياناً المحلية بينه وبين الرفض، فتكون النتيجة هى السماح بهذا النشاط بإذن عرفى، يتيح له عند أول مأزق أو أزمة أن يطبق القانون على هذه المؤسسات.
وكان ذلك هو ما يحدث، عندما ظلت الحكومة لسنوات، تسمح لأحزاب سياسية بالنشاط باعتبارها أحزاباً تحت التأسيس، بل هو ما حدث مع جماعة الإخوان المسلمين نفسها، التى كانت تخوض الانتخابات، وتمثل فى مجلس الشعب، وتتخذ لها مقراً تعقد فيه الاجتماعات، والندوات، وتنشر الصحف الحكومية تصريحات قادتها باعتبارهم أقطاب الجماعة المحظورة، وهى لا تزال كذلك من الناحية القانونية، على الرغم من أنها تحكم البلاد!
وهذا أيضاً هو ما حدث لقناة الجزيرة مباشر مصر التى حصلت على تصريح شفوى فى عهد المجلس العسكرى، على أن تبدأ البث من مصر، حتى تنتهى الإجراءات القانونية لإتمام إشهارها، ثم فوجئت بعد شهور باقتحام مقرها، ومنعها من البث، بدعوى أنها تعمل بدون ترخيص.. وكان ذلك هو ما حدث لمنظمات المجتمع المدنى، وبعض هذه المنظمات يعمل فى مصر منذ سنوات بل عقود، وكانت الصحف تنشر أنباءها وندواتها ومؤتمراتها وتستند إلى تقاريرها، وكانت بعض الصحف الأخرى تشن عليها الحملات، وتتحدث صراحة أنها منظمات تعمل دون إشهار قانونى، كل هذا يحدث تحت بصر الحكومة ونظرها، ومتابعة أجهزتها الأمنية، دون أن تحرك ساكناً، أو تقدم بلاغاً للنيابة العامة، أو تطالبها بتطبيق القانون، فى نفس الوقت الذى كانت فيه طلبات إشهار تلك المنظمات، لدى الجهات الحكومية دون البت فيها بالرفض أو القبول.. وقيل أيامها إن الحكومة لا تريد أن تعطى هذه المنظمات غطاء قانونياً للعمل، حتى لا تدخل فى مشاكل قانونية معها، إذا ما رغبت فى إيقاف نشاطها، وأنها فى الوقت نفسه تتحرج من رفض الطلبات التى تقدمت بها تلك المنظمات لإشهار نفسها أمام حلفائها فى الغرب، وأمام المجتمع الغربى بشكل عام، الذى أصبح يعطى أهمية بالغة لمدى حرية تأسيس منظمات المجتمع المدنى، ويعتبرها من مؤشرات ديمقراطية النظم فى الدول التى تسعى الحكومات فيها للهيمنة على المجتمعات، ومصادرة حق المحكومين فى أن يشاركوا فى إدارة شئونهم بأنفسهم.
وكان ما كان، استيقظت الحكومة فجأة ولأى سبب من الأسباب فى أعقاب تصريحات لكبار المسئولين الأمريكيين قالوا فيها إن هناك أموالاً أمريكية تم ضخها إلى مصر لعدد من الجمعيات الأهلية بعد ثورة يناير، لدعم الديمقراطية، فكانت الحملة التى شملت القبض على المسئولين المصريين والأجانب فى بعض هذه المنظمات، واقتحام مقارها، فأثار ما فعلته الحكومة أزمة فى العلاقات مع واشنطن ودول الاتحاد الأوروبى، فاضطرت للبحث عن حيلة قانونية، انتهت بترحيل المتهمين الأجانب إلى بلادهم، ليبقى المتهمون المصريون وحدهم!
ويبدو أن هناك ظروفاً سياسية أدت إلى تعقيد الأمور، إذ كان باستطاعة الحكومة أن تدعو هذه الجمعيات إلى تصحيح الوضع، وتوفيق أوضاعها، وأن تطبق عليها القانون بحزم، بحيث إذا ثبت أنها لا تطبق القانون المصرى، ففى هذه الحالة يحق لها أن ترفض السماح لها بالعمل، وأن تعطى الحق للمتضرر أن يلجأ للقضاء للطعن على هذا القرار، إذا كان لديه أسانيد قانونية لذلك.
وفى كل الحالات كان من الممكن حل المشكلة بطريقة تضع فى

اعتبارها الآثار المترتبة على أى قرار يتخذ بشأنها.. فالخطأ فى الأصل هو خطأ الحكومة، التى سمحت لمنظمات أن تنشط لسنوات خارج الإطار المقام القانونى، فى انتظار ما كانت تسميه إنهاء الإجراءات الإدارية الخاصة بصدور الترخيص، ثم فاجأت الجميع بأنهم يخالفون القانون، وإحالتهم للقضاء ليصدر عليه الحكم المشار إليه.
والحكم بشكل عام منح العقوبة الأكبر للمتهمين الأجانب، وهو حكم لن يطبق بطبيعة الحال، لأنهم غادروا البلاد ولن يعودوا إليها إلا إذا سقط الحكم أو ألغى أو أعيدت المحاكمة وألغته محكمة النقض، بينما طالت العقوبة المتهمين المصريين.
وما يمكن استفادته من هذه التجربة، هو أن على الحكومة المصرية أن تطبق القانون على الجميع، بشرط أن يكون هذا القانون ديمقراطياً، متوافقاً مع الدساتير المصرية، ومع المواثيق والعهود الدولية التى وقعت عليها مصر، ومع المناخ الدولى السائد فى عالم اليوم، الذى على أساسه تصنف الدول من حيث ديمقراطية النظم التى تحكمها، وتتعامل معها دول العلم الأخرى، فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادى على أساسه أيضاً.. وبهذه المناسبة فإن مشروع القانون المعد لتنظيم العمل الأهلى الذى تقدمت به الحكومة اعترضت عليه المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية، لأنه يستهدف تقييد الحق وليس السماح بممارسته.
ولابد من الاعتراف أن منظمات المجتمع المدنى التى تعمل فى مجال حقوق الإنسان يصرف النظر عن شبهات تلحق ببعض منها، فد لعبت دوراً أساسياً خلال السنوات العشرين الماضية، فى الدفاع عن حقوق المواطنين والتصدى للفساد وقضيا الاختفاء القسرى والاعتقال والتعذيب فى السجون والتوعية بالحقوق الفئوية والمهنية والدفاع عن حقوق المواطنة، ونجحت فى أن تشكل قوة ضغط ساهمت فى دفع النظام السابق وحتى النظام الحالى إلى التراجع عن كثير من الإجراءات الإدارية والبوليسية وغير الديمقراطية، التى أدمنت الأنظمة المصرية المتعاقبة ممارستها.
وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار دائماً، أن حركة المنظمات غير الحكومية، هى حركة دولية عابرة للأقطار والقارات، وأنها تمثل بالدرجة الأولى المجتمع العالمى، وتسعى لأن تكون مستقلة عن الحكومات، وأنها جزء من الوجه الإيجابى فى عصر العولمة الذي نعيش فيه، وأن عملها بشفافية واستقلالية هو مصلحة لا شك فيها لقضية التقدم الديمقراطى فى مصر، ولا يستطيع أحد أن ينكر الدور المهم الذى لعبته فى التمهيد لثورة 25 يناير.
من مصلحة التطور الديمقراطى والاجتماعى فى بلادنا أن نحافظ على هذه الجمعيات، وأن ننظم عملها بشكل قانونى لا يصادر حقها فى العمل كما يسعى مشروع قانون العمل الأهلى الذى أحاله حزب «الحرية والعدالة» إلى مجلس الشورى، وأن نحيى مبادئ العمل التطوعي فى صفوفها، وأن نشجع المستثمرين ورجال الأعمال والمواطنين على التبرع المحلى لأنشطتها، وأن نصونها ضد حملات التشهير التى تبالغ فى أخطاء بعضها، وتستغل هدفاً مشروعاً هو الدفاع عن الأمن القومى المصرى، لتحقيق هدف غير مشروع، هو مصادرة حق المصريين فى التجمع لممارسة العمل الأهلى بعيداً عن هيمنة الحكومة!