رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

ما يجري في سوريا.. ثورة أم مؤامرة؟!

 

في شتاء 1983 قمت بزيارة عمل الي سوريا للالتقاء بقادة المقاومة الفلسطينية، الذين استقر بهم المقام في سوريا، بعد الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982 الذي انتهي بإخراج فصائل منظمة التحرير الفلسطينية منه، وتوزعها في الشتات بين تونس وسوريا، واليمنين الجنوبي والشمالي والجزائر والعراق وليبيا.. كانت سوريا آنذاك واحدة من الدول العربية التي شاركت في قمة بغداد العربية الشهيرة عام 1979 التي انتهت بفرض مقاطعة الدول العربية علي مصر، وقطع العلاقات الدبلوماسية معها، لتوقيعها اتفاقات كامب ديفيد، ونقل مقر الجامعة العربية من القاهرة الي تونس.. وفي مناقشة مع وزيرة الثقافة السورية آنذاك الدكتورة نجاح العطار، اعترضت علي استمرار المقاطعة علي مصر بشكل عام وعلي المقاطعة الثقافية علي وجه الخصوص، وقلت بين ما قلت: إن قرار المقاطعة لا يعاقب الحكومة المصرية علي توقيعها علي اتفاقيات كامب ديفيد، وإبرام معاهدة صلح منفرد مع اسرائيل، بل هو في الواقع يعاقب الشعب المصري الذي يقاوم التطبيع مع اسرائيل بسبل شتي، لان مواطنيه لا يستطيعون السفر لأي عاصمة عربية، إلا عبر دولة أوروبية، لأن المقاطعة شملت وقف خطوط الطيران المباشرة بين القاهرة والعواصم  العربية، وأن ذلك يشكل عبئاً مالياً علي المصريين، ويكبدهم أعباء فوق أعباء الغربة التي فرضت عليهم، فضلا عن اثارها النفسية التي تعقد مشاعرهم تجاه العرب.. وفي أثناء المناقشة مع الوزيرة السورية طالبت بالفصل بين ما هو سياسي، وما هو ثقافي، لأن الثقافة أداة وصل بين الشعوب العربية، وعلينا أن نجنبها أدوات الصراع السياسي.

لم يعجب كلامي الوزيرة السورية، وانطلقت في حديث مطول عن المخاطر التي أصابت الأمة العربية نتيجة إخراج مصر من معادلة الصراع العربي مع إسرائيل، والمخاطر الداهمة التي يمثلها العدو الصهيوني، التي لم أكن أختلف معها عليها، بل علي الطرق غير المجدية لمواجهة تلك المخاطر، إذ الواقع ان العرب اكتفوا بالهجوم علي مصر الساداتية، وعلي المعاهدة المصرية - الإسرائيلية، دون أدني عمل مشترك يردع إسرائيل داخل حدودها.. في نهاية المقابلة نصحتني الوزيرة السورية بأن أكف عن ترديد مثل تلك الآراء كي لا يصفني الآخرون بـ »التخاذل«!

كانت المفارقة أن الوزيرة عادت بعد ذلك بسنوات قليلة من تلك المناقشة، لتردد هي بنفسها هذا الكلام »المتخاذل« في القاهرة بعد ان نجحت مصر في استعادة علاقاتها مع الدول العربية، وإنهاء المقاطعة، حين اقرت القمة العربية في عمان عام 1987 أن العلاقة الدبلوماسية بين أي دولة عضو في الجامعة العربية وبين مصر، هي عمل من اعمال السيادة، تقرره كل دولة بموجب دستورها وقوانينها، وليست من اختصاص الجامعة العربية.. كما رحبت قمة الدار البيضاء التي عقدت عام 1989 باستئناف مصر لعضويتها الكاملة في الجامعة العربية، وفي جميع المؤسسات والمنظمات التابعة لها، وهوما أدي إلي عودة الجامعة العربية من تونس إلي مقرها الأصلي في القاهرة.. حينذاك جاءت الوزيرة الي التفتح أسبوعاً ثقافياً لبلادها في القاهرة التي وصفتها بأنها قلب العروبة النابض، واعترفت بأن المقاطعة العربية أضرت بمصر وأضرت بالعرب، وقالت: إن الثقافة أداة وصل بين الشعوب، وعلينا أن نسمو بها فوق كل الخلافات، لكن المشكلة أن هذا الاعتراف قد جاء متأخرا بعد ان كان نحو عقد قد انقضي من القطيعة العربية لمصر، تشوهت وتقطعت فيه أواصر العلاقات بين الشعوب، وتزايدت لديهم المشاعر والنزعات القطرية، وتراكمت لديهم أحقاد ومرارت، ضاعفتها كوارث عدة، أصبح من المؤكد أن الشعارات لم تعد تصلح دواء لها!

تذكرت هذه الواقعة وأنا أتابع ما يقوله محللون سوريون من الداخل، ومناصرون للنظام السوري من الخارج، وصفاً لانتفاضة الشعب السوري في معظم القري والمدن والمحافظات السورية، التي راح ضحيتها نحو عشرة آلاف قتيل وآلاف من الجرحي العاجزين عن تلقي المساعدة الطبية، فضلاً عن نحو تسعة آلاف معتقل بينهم أطفال ونساء وشيوخ، بأنها مؤامرة من تدبير الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن تنفيذ عملاء من الداخل لأن سوريا من دول الممانعة!

شعرت بالعار من مثل تلك التحليلات التي تمنح النظام السوري، ذريعة لمواصلة سحقه للتحركات السلمية الاحتجاجية بوحشية لم تقف عند حد مداهمة المنازل واحتلال المساجد والساحات العامة، بل وصلت إلي تناسل  المقابر الجماعية، وسياسات

العقاب الجماعي للقري والمدن التي يجري محاصرتها، ورفض مساعدات منظمات الإغاثة الدولية لها، وعرقلة عمل المنظمات الحقوقية المحلية، واعتقال أعضائها.

ما يجري في سوريا هو انتفاضة شعبية ضد المظالم الاجتماعية، وغيبة الحريات، واستيلاء حزب البعث علي الحكم لأكثر من نصف قرن، بواسطة حكم عائلي عشائري وطائفي وفاسد، يكبت الجدل الاجتماعي والسياسي، ويتخذ من إسرائيل شماعة لمواصلة هيمنته واستلائه علي مقدرات البلاد وثرواتها، حيث لم يطلق رصاصة واحدة علي امتداد نحو اربعين عاما لتحرير الجولان، ولم يتصد للطائرات الاسرائيلية التي حلقت قبل سنوات فوق قصر بشار الأسد الرئاسي، وحين حطمت إسرائيل موقعاً في دير الزور زعمت أنه لمنشأة نووية، وحين دمرت لبنان في حربها عليه عام 2006.. إلخ.

وكغيره من الانظمة العربية استدعي النظام السوري إسرائيل كخطر يحتم الاصطفاف الوطني خلف نظامه، أما الآن فهو يستدعيها لمواجهة شعبه، فقبل أيام أدلي المليادير رجل الاعمال »رامي مخلوف« بن خال بشار الاسد - الذي هتف المتظاهرون الثائرون ضده وهم يحطمون بعض مكاتب شركاته - بتصريحات لصحيفة »نيويورك تايمز« الامريكية قال فيها إن النظام السوري سيقاتل حتي النهاية، مؤكدا »لن نغادر«، ومحذراً »إنه لن يكون هناك استقرار في إسرائيل، إذا لم يكن هناك استقرار في سوريا«، وكما هي العادة خير العالم والسوريون انفسهم بين بقاء النظام وبين حكم السلفيين، دون ان يكون خيار الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة العادلة التي تطالب بها  الانتفاضة السورية مطروحا!

معني الكلام السابق الذي يستدعي اسرائيل وأنصارها لإنقاذ نظام الاسد، الذي سبق له التصريح في أثناء الثورة المصرية، أن سوريا ليست مصر، لأنها لم توقع، كالنظام المصري، علي اتفاقيات كامب ديفيد، أن النظام السوري قرر الاعتماد علي الخيار الأمني لمواجهة ما يعتبره تمردا علي نظام الصمود والتصدي والممانعة الذي يدعيه، دون أن يستوعب الدرس البسيط من الثورات العربية، وخلاصته أن هذ النوع من الأنظمة الاستبدادية والشمولية الذي ساد دول العالم الثالث عموماً، والدول العربية علي وجه الخصوص، قد انتهي عمره الافتراضي منذ زمن طويل، ولم يعد له مكان علي خريطة عالم غيرته ثورة الاتصالات، وحولته إلي قرية كونية إليكترونية تتبادل التأثير، وتزيد وعي شعوبها بوطأة، وما يجلبه من فساد، وفقر، ومغمارات عسكرية، وتبعية، وتشحذ لديها الرغبة في التحرر، وفي إقامة نظم عصرية وديقراطية، تقوم علي التنوع الفكري والسياسي والديني والمذهبي والثقافي، وعلي تداول السلطة عبر انتخابات شفافة وحرة ونزيهة، بعد أن اصبحت الديمقراطية، قدر العالم في القرن الحادي والعشرين، وهو قدر لابد أن يطول هذا النوع من الأنظمة، طال الزمن أم قصر.

في خطابه في 4 أكتوبر 1961 بعد ان اصبح الانفصال واقعاً، واعترافاً بالأمر الواقع، دعا الرئيس جمال عبدالناصر، وأكرر دعاءه: أعان الله سوريا الحبيبة علي أمورها، وسدد خطاها.