رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

وجه آخر لعبدالرحمن سوار الدهب

توقفت طويلا في الحوار المهم الذي اجراه الزميل‮ »‬محمد الجداوي‮« ‬مع المشير‮ »‬عبدالرحمن سوار الدهب‮« ‬رئيس المجلس العسكري الانتقالي الاسبق في السودان‮ - ‬المصري اليوم‮ ‬20‮ ‬نوفمبر‮ - ‬أمام قوله‮: »‬إن الديمقراطية في السودان تكاد تكون عادت بنسبة‮ ‬99٪‮ ‬وان الشريعة الاسلامية،‮ ‬ليست مفروضة علي كل الولايات السودانية،‮ ‬فلكل ولاية وفقا للدستور الحق في تطبيق ما تراه مناسبا،‮ ‬وان الولايات العشر الجنوبية لا تطبق الشريعة،‮ ‬وانه حتي في شمال السودان،‮ ‬لا يوجد تطبيق واسع للشريعة،‮ ‬سوي في عدم وجود محال للمشروبات الكحولية،‮ ‬وبعض الاشياء المخالفة للشرع‮«‬،‮ ‬ومعني الكلام ان تطبيق الشريعة،‮ ‬كما اضاف لم يؤثر علي الجنوبيين في أي شيء،‮ ‬وليس سبباً‮ ‬فيما يسعون إليه الآن كي يسفر الاستفتاء علي حقهم في تقرير المصير في التاسع من يناير المقبل‮ - ‬بعد اقل من شهر‮ - ‬علي انفصالهم عن الشمال في دولة مستقلة‮.. ‬يقول المشير سوار الدهب ذلك رغم اعترافه في الحديث نفسه ان الجنوبيين قد اعتبروا انفسهم مواطنين من الدرجة الثانية،‮ ‬عندما اصدر الرئيس الراحل‮ »‬نميري‮« ‬قوانين سبتمبر عام‮ ‬1983‮ ‬التي عرفت باسم‮ »‬قوانين الشريعة‮«‬،‮ ‬ورفضه لهذا التصور،‮ ‬مستشهدا بأن نائب رئيس الجمهورية الآن في السودان مسيحي،‮ ‬وهو سلفا كير رئيس حكومة الجنوب،‮ ‬ومؤكدا عدم اعتراضه علي ان يكون رئيس الجمهورية السودانية‮ »‬مسيحياً،‮ ‬مادامت بلادنا ستبقي موحدة‮«.‬

لعب‮ »‬سوار الدهب‮« ‬دورا مهما في تاريخ السودان المعاصر،‮ ‬فقد كان قائدا عسكريا لحامية مدينة الابيض التي ولدبها عام‮ ‬1935‮ ‬حين قام الرائد هاشم العطا بانقلابه اليساري الشهير،‮ ‬فرفض ان يسلم له الحامية،‮ ‬حتي استطاع نميري ان يسيطر علي مقاليد السلطة،‮ ‬ويجري محاكمات هزلية لقادة الحزب الشيوعي السوداني انتهت بإعدامهم جميعا،‮ ‬برغم ان معظمهم لم يكن مؤيداً‮ ‬للانقلاب،‮ ‬ولم يحفظ له نميري هذا الدور الذي ربما مكنه من إفشال انقلاب هاشم العطا،‮ ‬وأبعده تعسفيا عن الجيش في عام‮ ‬1972‮ ‬فغادر الي قطر حيث أسس هناك الجيش والشرطة القطريين،‮ ‬لكنه حين أشتدت أزمات نظامه أعاده في مارس‮ ‬1985‮ ‬قائدا أعلي للقوات المسلحة،‮ ‬قبيل نحو شهر من العصيان المدني العام الذي قامت به النقابات والاحزاب السودانية،‮ ‬الذي تبلور في انتفاضة شعبية،‮ ‬نجحت في إسقاط نظام نميري،‮ ‬حين انحاز الجيش اليها بقيادة سوار الدهب،‮ ‬حيث عاد نميري من الولايات المتحدة الامريكية الي القاهرة لاجئا سياسيا بها،‮ ‬وتولي سوار الدهب رئاسة المجلس العسكري الانتقالي،‮ ‬الذي شكل بدوره حكومة مدنية انتقالية برئاسة الدكتور‮ »‬الجزولي دفع الله‮« ‬طبيب مناظير الجهاز الهضمي اللامع التي هيأت خلال عام الاجواء لإجراء انتخابات عامة،‮ ‬اتسمت بالنزاهة والشفافية،‮ ‬لنقل السلطة الي حكومة مدنية منتخبة،‮ ‬ولعلي كنت واحدة من صحفيين عرب قلائل كنا شهودا علي أحداث الانتفاضة،‮ ‬وعلي نزاهة الانتخابات التي جرت بعد انقضاء العام الانتقالي‮.‬

وفي صباح‮ ‬26‮ ‬أبريل عام‮ ‬1986‮ ‬كنت وغيري من الصحفيين،‮ ‬أزاحم جماهير سودانية‮ ‬غفيرة،‮ ‬أحاطت بقاعة الشعب،‮ ‬في العاصمة السودانية الخرطوم،‮ ‬كي انفذ الي داخلها،‮ ‬لمتابعة حدث عربي هو الاول من نوعه،‮ ‬فأعضاء الجمعية التأسيسية المنتخبة،‮ ‬يتوافدون الي صحن القاعة،‮ ‬تترامي الي أسماعهم،‮ ‬أصوات الجماهير التي تحيط بالمبني،‮ ‬الذي شيدته رومانيا في طراز معماري يتسم بالجمال والبساطة،‮ ‬وهي تردد أناشيد الانتفاضة وترفع شعاراتها وتدعو نواب الشعب الي المضي قدما نحو تحقيق اهدافها‮.. ‬وفي لحظة اختلطت فيها المشاعر،‮ ‬تحلقت انظار الجميع بالفريق أول عبدالرحمن سوار الدهب رئيس المجلس العسكري الانتقالي،‮ ‬وهو يعترف في خطابه ان الحكم الانتقالي لم تتوفر له الاسباب لإنجاز ما كان يجب إنجازه،‮ ‬ويدعو جون قرنق إلي إلقاء السلاح والمشاركة في بناء السودان والتمسك بالديمقراطية

نهجا وممارسة،‮ ‬ثم وهو يقف كي يسلم رئيس الجلسة ـ أكبر الاعضاء سناً‮ ‬ـ قراري حل المجلسين العسكري والوزاري،‮ ‬ليكون السودان هو البلد الاول الذي سلم فيه العسكريون السلطة،‮ ‬لا لحكم عسكري بديل،‮ ‬بل لممثلي الشعب،‮ ‬ولحكامه من المدنيين الذين تم انتخابهم بحرية ونزاهة‮.‬

في العام الانتقالي كان سوار الدهب قد وعد بإلغاء قوانين سبتمبر التي نسبت زوراً‮ ‬إلي الشريعة وكانت سباباً‮ ‬من اسباب تصاعد حدة المواجهة مع الجنوبيين،‮ ‬والتي عجلت بانتفاضة أبريل،‮ ‬لكنه تراجع عن هذا الوعد،‮ ‬بعد ان تصاعدت حملة الإخوان المسلمين بقيادة د‮. ‬حسن الترابي للدفاع عن بقائها،‮ ‬وتهديد الذين يطالبون بإلغائها واعتبارها مكسباً‮ ‬شعبياً‮ ‬لا سبيل للتراجع عنه‮.. ‬وردا علي سؤالي في الحوار الذي اجريته معه في العام الانتقالي،‮ ‬هل سيلغي قوانين سبتمبر؟‮.. ‬أجاب سوار الذهب‮: »‬إن الشريعة الاسلامية،‮ ‬يدين بها معضم سكان السودان،‮ ‬وإن كانت هناك من مراجعة،‮ ‬فربما تكون لبعض الفقرات التي لم يحسن القائمون بوضع تلك القوانين صياغتها،‮ ‬بطريقة تتماشي مع روح الاسلام،‮ ‬وربما تكون هناك مراجعة لبعض الفقرات الخاصة ببعض القوانين وعقوباتها‮«.. ‬سلم سوار الذهب السلطة لحكم مدني،‮ ‬اصبحت قوانين الشريعة،‮ ‬هي أهم مشاكله وأداة من أدوات الايتزاز والصراع السياسي علي امتداد السنوات الثلاث لحكم الديمقراطية الثالثة في السودان،‮ ‬لتزداد الفرقة بين الشمال والجنوب ويتسع نطاق الحرب الاهلية،‮ ‬بعد أن اعلن الصادق المهدي زعيم حزب الامة،‮ ‬بعد فوز حزبه بالاغلبية في الانتخابات،‮ ‬ان نتائجها قد حسمت انحياز الشعب السوداني الي نهج الصحوة الاسلامي الذي طرحه حزبه آنذاك،‮ ‬بينما دعا الحزب الاتحادي الي تجميد قوانين سبتمبر لا إلغائها،‮ ‬وتشكيل جمهورية إسلامية،‮ ‬كما دعا الإخوان المسلمون الذين اصبح اسمهم الجبهة الاسلامية الي الإبقاء علي تلك القوانين والمطالبة بدستور إسلامي‮.. ‬لم يقدم سوار الدهب علي الخطوة التي كان من شأنها،‮ ‬ان تنقذ حكم الانتفاضة من الانهيار بإلغاء قوانين سبتمبر،‮ ‬التي بقيت موضوعا للسجال الحزبي والمناورات السياسية،‮ ‬والتي ادخلت في روع الجنوبيين مخاوف من حكم ديني يسلبهم حقوق المواطنة،‮ ‬وهي مخاوف سرعان ما تحققت بانقلاب الجبهة الإسلامية للإنقاذ في يونيو عام‮ ‬1989‮ ‬الذي سانده وعمل في ظله سوار الدهب‮.‬

وحين يقول المشير سوار الذهب اليوم إنه يرضي برئيس جمهورية مسيحي يحكم السودان،‮ ‬مشترطاً‮ ‬أن يؤدي ذلك إلي الوحدة،‮ ‬فما هو الأساس الموضعي الذي يمكن أن يقود إلي ذلك،‮ ‬ولماذا يفترض أن نصدقه؟‮!‬