رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أذرع الإخوان الباطشة

أعجبنى التشبيه الذى ساقه المستشار «زكريا شلش» رئيس محكمة جنايات الجيزة، ووصف فيه «جبهة الضمير» التى شكلت كواجهة تنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين، ولمعارضة «جبهة الانقاذ»، بأنها كالمقاطيع الذين يجلسون فى الريف على مجرى الترعة، وكلما مر شخص أمامهم، يهرولون إلى العمدة لتقديم شكوى كيدية فيه.

ومن يتأمل تشكيل جبهة الضمير يكتشف أنها لاعلاقة لها باسمها، فهى مجرد ذراع من الأذرع المترامية لجماعة الإخوان المسلمين، المتفرقة على الأحزاب الدينية والجهادية التى تملأ الآن الساحة السياسية وعلى حفنة من محامى الجماعة وقضاتها الذين يعلنون من أمام باب مكتب الإرشاد فى المقطم أنهم مستقلون، وتضم مجموعة من ترزية القانونين من أساتذة الجامعات، ومن عدد من الشخصيات التى يقتلها الطموح إلى السلطة، وتتطوع فى سبيل ذلك لتبرير أخطاء جماعة الإخوان المسلمين، والدفاع عن سياساتها، وطرح قوانين استثنائية تعتدى على الحريات العامة، وتمهد للجماعة بسط سيطرتها على مؤسسات الدولة، وتنفيذ مخططها للتمكين طالما الهدف الرئيسى هو ما يسمونه أسلمة مؤسسات الدولة، وجعل الشريعة وفقا لمفاهيمهم الدينية المحافظة هى المصدر الوحيد للتشريع القانونى، وهى فى نفس الوقت تيسر لقادة حزب الحرية والعدالة، التنصل من المسئولية عن طرح تلك القوانين، لأن من قدمها غيرهم من القوى الإسلامية، التى يثبت تطور الأحداث السياسية، أنه لافرق جوهريا فيما بينها سوى فى التفاصيل الهامشية، وأن الجامع المشترك فيما بينها هو العداء للديمقراطية ولمبدأ تداول السلطة ولحريات الرأى والتعبير ولحقوق المواطنة، إذ يتفقون على أن الرئاسة المصرية لايمكن أن تؤول إلى مسيحى أو أمرأة، فضلا عن فتاويهم الجاهلة الداعية لعدم جواز تهنئة المسيحيين بأعيادهم!
لهذا ولغيره لم يصدق أحد –خارج جبهة الضمير بطبيعة الحال- ما قاله رئيس حزب الوسط المهندس «أبو العلا ماضى» للاعلامية البارعة «رانيا بدوى» فى برنامجها «فى الميدان « على قناة التحرير، من أن حزبه قد فاجأ مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين بتقديم مشروع قانون السلطة القضائية الذى يستهدف إحالة نحو 3500 قاض إلى التقاعد بتخفيض سن الاحالة إلى المعاش للقضاة من سبعين عاما إلى ستين عاما للقضاء نهائيا على مبدأ استقلال القضاء أحد الأركان الاساسية للدولة الوطنية الحديثة، واغلاق المحكمة لدستورية التى سيتقاعد كل قضاتها طبقا لهذا القانون المقترح، بعد أن وصفها وزير العدل المستقيل المستشار «أحمد مكى» بأنها قضاء استثنائى. ومن حيث الوقائع فما قاله رئيس حزب الوسط غير صحيح، فقد تم اجتماع فى القصر الرئاسى بحضور قادة حزب الوسط وبعض ممثليه فى مجلس الشورى وعدد من قانونييه، وجرت مناقشة مفصلة لهذا القانون قبل طرحه فى مجلس الشورى، وهو ما نشرته الصحف فى حينها، وغير صحيح بنفس القدر ما ذكره أن الرئيس «مرسى» لا يملك القدرة على سحب مشروع هذا القانون، لأن الرئيس يستطيع ذلك ببساطة من خلال أغلبيته الحزبية التى تسيطر على مجلس الشورى، بالإضافة لمناصريهم من التيارات الاسلامية الأخرى، الذين يستطيع مكتب الارشاد أن يقول لهم كونوا فيكونون!
وأعترض رئيس حزب الوسط على وصف مشروع القانون بأنه مذبحة أخرى للقضاة، مذكرا بأن مذبحة القضاء تمت فى عهد الرئيس «عبد الناصر»، لكنه وهو يطالب من يقولون بذلك بالصمت، لفت الإنتباه إلى السبب الحقيقى وراء استدعاء الرئيس «مرسى» لانجازات الرئيس عبد الناصر، وهو يحتفل بين أنصاره فى مجمع الحديد والصلب فى حلوان بعيد العمال، متعهدا بأن يكمل ما بدأه، «ناصر وعزيز صدقى» فى مجال التصنيع، ولعله سوف يضع من بين تلك الانجازات، المواجهة التى تمت بين النظام الناصرى والقضاة، وانتهت بعزل نحو مائتى قاض من وظائفهم القضائية، بدعوى أنهم من القوى اليمينية المعادية لإجراءات الثورة.
أخذت المواجهة بين ثورة يوليو والقضاء اشكالا عدة، وكما يحدث الآن – وكما هو الحال مع كل الأنظمة غير الديمقراطية التى لا تعدم الأنصار والمؤيدين لكل أعمالها الباطشة-، وجدت الثورة من

بين رجالها ومن القضاة والقانونين والسياسيين من يساندها فى تلك المواجهة. ففى اثناء أزمة مارس الشهيرة فى عام 1954، نشرت إحدى الصحف أن مجلس الدولة برئاسة الفقيه الدستورى «عبد الرازق السنهورى» سيناقش موضوع عودة الجيش إلى ثكناته، فتوجه فريق من عمال هيئة النقل العام واقتحموا مجلس الدولة أثناء الاجتماع، وقاموا بالاعتداء بالضرب على المستشارين الموجودين فى قاعة الاجتماع بمن فيهم «السنهورى» وهم يهتفون تسقط الديمقراطية تحيا الدكتاتورية!
وحين صدر ميثاق العمل الوطنى فيما تلا ذلك من سنوات انطوى على نص بأن لرجال الشرطة والجيش والقضاء مكانا فى الاتحاد الاشتراكى، التنظيم السياسى الوحيد الذى كان قائما آنذاك، وهو ما عارضه القضاة والجيش بشدة، إلى أن نشر «على صبرى» الامين العام للاتحاد الاشتراكى عدة مقالات فى صحيفة الجمهورية بعد النكسة دعا فيها إلى أن يكون للقضاء تنظيم سياسيى خاص بهم، وهو ما اعترض عليه كثيرون من القضاة، وقاد المعارضة نادى القضاة برئاسة المستشار «ممتاز نصار» الذى قال إن القضاء ملك للشعب وليس ملكا لحزب، كما نجحت قائمة «ممتاز نصار» فى إسقاط قائمة مرشحى الحكومة، فى انتخابات نادى القضاة، وفى 28 مارس 1968 أصدر النادى بيانا دعا فيه إلى سيادة دولة القانون، واستقلال القضاء، ورفض انضمام القضاة إلى الاتحاد الاشتراكى، أو الاشتغال بالساسية، ولان البيان حظى باهتمام كبير على المستويين المحلى والدولى، فقد فتح الإعلام الرسمى النار على النادى الذى تم حله، ووتمت احالة القضاة إلى التقاعد، بعد اتهامهم كما هو شائع هذه الأيام، بالاستقواء بالسفارات وبالدول الأجنبية!
والمقارنة بين مذبحتى القضاة هى لغير صالح النظام القائم وأنصاره ومؤيديه، فنظام يوليو كان يملك من الإنجازات على صعيد العدل الاجتماعى، وعلى صعيد حركة التحرر الوطنى العالمية، ما يمنحه تأييدا لإجراءاته الاستثنائية، لاسيما إذا ما كانت تتصدى لأحكام قضائية ضد ما كان يعرف آنذاك بمكتسبات الثورة، وكان أبرزها أحكام قضائية بطرد الفلاحين من الأراضى الزراعية التى كانوا يحوزونها طبقا لقوانين الاصلاح الزراعى، فيما الهجمة الحالية على القضاء هى حملة انتقامية لرفض مؤسساته المختلفة التخلى عن استقلالها أو الامتثال لقواعد الأمر والطاعة لمكتب الارشاد، لاصداره سلسلة من الأحكام التى تخدم العدالة والمجتمع ولا ترضى بها الجماعة وأنصارها، وكان اهمها اصرار القضاء على فتح ملف اقتحام اقسام الشرطة والسجون اثناء ثورة يناير على امتداد 18 يوما، وهو ملف إن استمرت وقائع التحقيق القضائى فيه فسوف، يكشف عن جرائم تحط من مصداقية النظام القائم وحزبه وجماعته، وتنقلهم جميعا من مواقعهم إلى السجون والزنازين!
أمينة النقاش