رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قبل أن تضيع حقوق المرأة فى الربيع العربى

حين أصدرت مؤسسة الأهرام مجلة «نصف الدنيا» التى أسستها الكاتبة الصحفية «سناء البيسى» قبل سنوات، أجرت المجلة حديثا مع «نجيب محفوظ» بعد أن كانت قد انفردت بنشر أجزاء من أصداء سيرته الذاتية، وفى إجابته عن سؤال ما رأيه فى «نصف الدنيا» قال «نجيب محفوظ»

بأريحية وذكاء وخفة ظل  وتسامح سخى طالما ميز شخصيته قبل كتاباته «ليست المرأة نصف الدنيا، إنها كل الدنيا». تذكرت هذه الجملة وأنا أتابع مع غيرى على شاشات الفضائيات المظاهرات الحاشدة فى تونس التى شارك فيها رجال ونساء  للاحتجاج على  مسعى  التيار الدينى بقيادة حزب النهضة، الذى يسيطر على المجلس الوطنى التأسيسى الذى انتخب فى أكتوبر الماضى، لوضع دستور جديد للبلاد يصدر خلال عام من انتخابه، للانتقاص من مكاسب المرأة التونسية التى حصلت عليها  قبل  نحو 56 عاما، منذ الشهور الأولى لاستقلال تونس فى مارس عام 1956.
فى المظاهرة رفع احد المتظاهرين لافتة كتب عليها «المرأة ليست مكملا .. انها كل شيء». وفى المجتمع التونسى اشتد السجال فى الفترة الأخيرة بين التيارات الديمقراطية العلمانية وبين التيارات الدينية داخل المجلس التأسيسى وخارجه، حول نص فى مسودة الدستور الذى تجرى الآن كتابته يقول: «إن المرأة مكمل للرجل» وهو النص الذى اعتبرته القوى الديمقراطية والمنظمات الحقوقية إهدارا للحقوق التى أقرها قانون «مجلة الأحوال الشخصية» الذى أصدره الزعيم التونسى «الحبيب بورقيبة» فى أغسطس عام 1956، أى بعد أربعة أشهر فقط من الاستقلال، وينطوى على نصوص تقر بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة، إذ يمنع تعدد الزوجات، بل يجرم ذلك، ويجعل القضاء هو الذى يفصل فى الطلاق وليس الفقهاء ورجال الدين، ويحظر إكراه الفتاة من قبل الوالى عليها بالزواج، ويحرم الزواج العرفى، ويقر بالمساواة الكاملة بين الزوجين فى الشئون المتعلقة بإجراءات وأسباب الطلاق، والآثار المترتبة عليه، كما حدد السن القانونية لزواج المرأة (17 عاما) بالرجل (20عاما)، كما منح المرأة الحق فى السفور، وساوى بينها وبين الرجل فى مجالات الترقى الوظيفى وتقلد المسئوليات والفرص فى التعليم، لكنه استثنى من تلك القضية، المساواة فى الميراث، إذ سمح للأنثى أن يؤول إليها إرث والدها بالكامل إذا لم يكن لديها إخوة من الذكور.
كان «الحبيب بورقيبة» مؤسس الجمهورية التونسية، وزعيم حركة الاستقلال قد تأثر بخلفيته الحقوقية العصرية إذ درس القانون فى الجامعات الفرنسية، كما تأثر كذلك زمن نفيه الى مصر، بقادة حركة الإصلاح الدينى والاجتماعى التى عبرت عن نفسها فى كتابات «رفاعة الطهطاوى» و«محمد عبده» و«قاسم أمين»، كما شكل له «سعد زغلول» نموذجا للزعيم الوطنى الملهم «بكسر اللام»، الذى يستطيع ان يتصدى بجسارة لتقاليد اجتماعية بالية  تسلب المرأة حقها فى المشاركة بفاعلية  فى قضايا أمتها، وأن يؤمن أن  التحرر الوطنى من الاستعمار لا يكتمل دون تحرر النساء، فضلا عن تأثره بالأفكار العلمانية للزعيم  التركى «مصطفى كمال أتاتورك» الذى أنهى دولة الخلافة وأسس تركيا الحديثة. لكن العامل الأكبر الذى ساق «بورقيبة» إلى المسارعة بإصدار «مجلة الأحوال الشخصية» فى الشهور الأولى من الاستقلال، هو تأثره بالأفكار الإصلاحية التحررية للمفكر التونسى «الطاهر حداد» الذى أصدر فى عام 1930 كتابه الرائد «امرأتنا فى الشريعة والمجتمع» الذى أثبت فيه عبر دراسته الموسوعية للتراث الاسلامى أن الشريعة الإسلامية، لا تتعارض مع حق المرأة فى المساواة مع الرجل، ومع سفورها، مقدما فيه قراءة للنص الدينى داخل سياقه التاريخى، لأن الآيات القرآنية الكريمة، أخذت

بعين الاعتبار الأوضاع التى كانت سائدة فى المجتمع عند نزولها، لأجل ذلك يرى الحداد فى كتابه، أن الشريعة «جاءت مرنة، متسعة المعانى، من أجل أطوار الحياة الانسانية». ولأن هذ الأفكار الحداثية  تلغى دور رجال الدين، الذين كان بورقيبة يصفهم بأنهم «عقول جامدة وقلوب طمس عليها حتى صارت تعتقد ان العادات والبدع هى من الدين» فلم يتوقف هؤلاء وأنصارهم فى كل انحاء العالم العربى من المحيط  الى الخليج عن الترصد لقوانين الأحوال الشخصية التونسية والتحريض عليها  ووصمها بالكفر، ومخالفة الشريعة والدعوة لإلغائها.
وكما هو الحال تماما بالنسبة للمرأة المصرية، أصبحت الفرصة الآن سانحة للإطاحة بتلك المكتسبات للمرأة التونسية، بعد أن شكل  التيار الإسلامى بقيادة حزب النهضة أغلبية مقاعد المجلس الوطنى التأسيسى الذى يصوغ الدستور (115 مقعدا من بين 217 مقعدا) ولأن القانون يقضى بأن يحصل أى مشروع قانون على 60% لإقراره، وأن يطرح على الاستفتاء اذا حصل على 50%، فإن هذا العدد من المقاعد يوفر النصاب اللازم لإسقاط قوانين الأحوال الشخصية، رغم الوعد الذى ساقه زعيم الحزب «راشد الغنوشى» بعد فوز حزبه فى الانتخابات، باحترام حقوق المرأة، واحترام الحريات الشخصية، وعدم فرض الاحكام الخاصة بالحدود فى الشريعة الاسلامية. الآن سمح القانون لهيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر التى تتستر وراء اسم «هيئة الوسطية والإصلاح» بالعمل الشرعى التى تلجأ الى استخدام العنف لفرض ما تقول إنه تعاليم الاسلام، فيما اعتبرتها القوى الديمقراطية» أول جماعة شرطة دينية فى البلاد» وهى تتصدى للمتظاهرين، وتهدد بعد اعتداءات أعضائها على الإعلاميين والفنانين وغير المحجبات بمواصلة التظاهر والاعتصام إذا لم  تتوافق كل التشريعات مع نصوص الشريعة الاسلامية كما يفهمونها، وإذا لم تكن الشريعة المصدر الأساسى للدستور الجديد.
وكما يحدث  فى مصر الآن ، مازال السجال فى تونس مستمرا  للمطالبة بتقنين ختان النساء وخفض سن الزواج وإلغاء مجلة الأحوال الشخصية، أبرز معالم مدنية الدولة التونسية، مع فارق مهم هو أن رئيس الجمهورية المنصف المرزوقى يساند مطالب المتظاهرين لجعل المساواة بين الرجل المرأة تامة وكاملة، وتتوحد القوى الديمقراطية التونسية حول التمسك بتلك المكتسبات، التى صمت على الإطاحة بها القوى الثورية فى مصر، فيما يرفع الثوريون فى تونس لافتات تقول «لن ندع الاسلاميين يحولون ربيعنا الى خريف»!