رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الشرطة والشعب.. قليل من التبصر كثير من المسئولية الوطنية

تصدرت وزارة الداخلية المسرح السياسى خلال الأسبوع الماضي، بمناسبة الكارثة التى وقعت فى استاد بورسعيد فى أعقاب انتهاء مباراة المصرى والأهلي، وما تبعها من محاصرة فريق من المتظاهرين لمبنى وزارة الداخلية فى محاولة لاقتحامها،

وتبادل الطرفين إلقاء قذائف الطوب من جانب، والقنابل المسيلة للدموع من جانب آخر، فضلاً عن مظاهرات ومحاصرات لمديريات الأمن فى عدد من المحافظات، ليشكل مجلس الشعب لجنتين لتقصى الحقائق، واحدة لمعرفة ما جرى فى بورسعيد، والثانية لتفقد ما يجرى حول محيط وزارة الداخلية، بالإضافة إلى اجتماعات مكثفة ومتكررة عقدها نشطاء سياسيون مع المتظاهرين من جانب ومع وزارة الداخلية من جانب آخر فى محاولة للوساطة بين المتظاهرين وقادة الداخلية «لوقف إطلاق النار»!
وخلال هذه الفترة، اختلفت وجهات النظر، وتصاعدت الحدة بين الذين يتهمون وزارة الداخلية بالتخطيط للأحداث والتدبير لها، لأسباب تتعلق برغبتها فى الأخذ بالثأر من ألتراس النادى الأهلي، لتصفية ثارات طويلة بينهما فى إحدى الروايات، لأنها تضم عدداً كبيراً من فلول الحزب الوطنى المنحل، وبالذات ضباط الشرطة المناصرين لوزير الداخلية السابق حبيب العادلى وأعوانه، والذين ذهبوا إلى أن محاولة الاعتداء على مبنى وزارة الداخلية، هى جزء من مخطط مصر سلفاً لهدم الدولة المصرية، وإشاعة الفوضى وإشعال الحرب الأهلية فى مصر، تنفيذاً لأهداف الطامعين فيها من القوى الأجنبية وعملائهم فى الداخل.
ومن سوء الحظ أن هذه الوقائع قد حدثت قبل أن تمر نحو سبعة أسابيع على تولى وزير الداخلية الحالى اللواء محمد إبراهيم لمنصبه، ضمن الوزارة التى شكلها الدكتور كمال الجنزورى أوائل ديسمبر الماضي، وواجهتها العواصف ولاتزال منذ تشكيلها، نجح خلالها اللواء «إبراهيم» فى أن يجتذب اهتمام المواطنين لتحركه النشط فى إعادة نشر أجهزة الشرطة فى الشوارع وفى الميادين، وإعادة درجة من الانضباط النسبى إليها، فضلاً عن جهده فى مطاردة الجريمة، خاصة الأشكال التى استغلت مناخ الثورة، لتمارس إجرامها فى مجالات سرقة السيارات وخطف الرهائن، والاعتداء على المؤسسات الاقتصادية والقتل وترويع الآمنين، والتى تقوم بها عناصر من البلطجية التقليديين، وعناصر من العاطلين احترفت البلطجة استغلالاً للمناخ الذى غاب فيه القانون، وغابت عنه الشرطة.
وبينما الآمال تتصاعد فى إمكانية استرداد جهاز الشرطة معنوياته التى تدهورت فى أعقاب انكساره فى 28 يناير، وشيوع حملة واسعة من التشهير لكل من يعمل فيه، وإساءة المواطنين لمعاملة أفراده فى الشوارع والطرقات، خاصة بعد أن دعمت القوات المسلحة قوات الشرطة بخمسين ألفاً من جنود الأمن المركزي، ليحلوا محل الذين شردوا فى أعقاب 28 يناير، وعوضته الحكومة عن نصف آلياته التى تم إتلافها أثناء هذا اليوم وما بعده، وقعت أحداث بورسعيد المأساوية، لتجدد الحملة العنيفة على الشرطة، بسبب تصاعد الانفعالات والعواطف التى أعقبت الكارثة فى بورسعيد.
وفى أثناء تلك المناقشات، تم طرح حلول يتم معظمها بالانفعال، ويفتقد بعضها لفرصة النجاح فى تحقيق الهدف من بينها المطالبة بطرح الثقة فى وزير الداخلية أو إقالته، بل ومحاكمته، وهو الاقتراح الذى جرى الإلحاح عليه تحت قبة البرلمان وخارجها، وهو اقتراح كان الأخذ به سيؤدى إلى مزيد من إضعاف معنويات جهاز الشرطة، وإعادته مرة أخرى إلى الأيام التى أعقبت 11 فبراير 2011، وأدت لما يشبه الإضراب الصامت عن العمل، بين ضباطه وجنوده، وهو ما عبر عنه وزير الداخلية اللواء «إبراهيم» صراحة حين قال أمام مجلس الشعب «لو تصدينا لهم سنحاكم، ولو تركناهم سنتهم بالتقصير». ويبدو أن هذا هو ما دفع مجلس الشعب فى البيان الختامى الذى ألقاه رئيسه الدكتور «سعد الكتاتني» فى أعقاب مناقشة استمرت يومين للأحداث، إلى استبعاد مطلب طرح الثقة، من التوصيات التى انتهت إليها لجنة تقصى الحقائق حول ما جرى فى محيط الوزارة، واكتفاء بتحميل الوزارة المسئولية عن الأحداث.
ومن هذه الحلول الإلحاح عن تطهير وزارة الداخلية من أذناب النظام السابق، وإبعادهم عن العمل الشرطي، وهو مطلب تحقق قسم ملحوظ منه، بإبعاد كل الضباط الذين يحملون بين رتبتى المقدم واللواء من جهاز مباحث أمن الدولة، عند إعادة تأسيس جهاز الأمن الوطنى الذى حل محله، كما تم إبعاد عدد كبير من الضباط الكبار إلى الأعمال شبه الإدارية، بعيدة عن التعامل مع الجمهور.
وما يفوت الذين يطالبون بالتطهير الجذرى والشامل، الذى قد يصل إلى حد تصفية جهاز الشرطة نهائياً، أنه جهاز ككل أجهزة الدولة فى مصر، يضم أغلبية من العناصر الشرطية المهنية، التى كانت تؤدى عملها بإخلاص وضمير، وقد تنفذ أحياناً من يصدر إليها من أوامر، باعتبارها عناصر تنتمى إلى هيئة نظامية، لا يستطيع أحد من أفرادها أن يخالف رؤساءه، وأن ما وقع من بعض هؤلاء ومن غيرهم من مخالفات هو عمل المضطر والمكره، وأن تغيير المناخ والسياسة العامة للحكومة، سوف يدفعهم إلى ممارسة عملهم طبقاً للقواعد المهنية، ولنصوص القانون، وذلك بالضبط هو ما حدث بعد ثورة 1952، سواء فى الجيش أو فى البوليس، إذا اكتفت الثورة بإحالة القيادات العليا التى ثبت فسادها أو ولاؤها للنظام الملكى عن مواقعهم،

بينما احتفظت بجسد المؤسستين كاملاً، فتفاعل أفرادهما مع الثورة وخدموا أهدافها وحمو أمنها وأمن المجتمع.
والحقيقة أن شعار إعادة هيكلة جهاز الشرطة بمعنى تفكيك الجهاز القائم وإعادة بنائه مرة أخرى من الأساس، ينطوى عن تبسيط مخل، يعيد إلى الأذهان القرار الذى اتخذه الحاكم العسكرى الأمريكى «بريمر» فى أعقاب غزو العراق بتسريح الجيش العراقى وقوات الشرطة العراقية، بدعوى أنهما كانا جهازين حزبيين عقائديين، ثم سعيه لبناء جهازين بديلين لا يضمان أحداً من أفراد ما سبقهما، وهى سياسة جلبت كوارث من الفوضى العارمة للعراق، لايزال يعانى منها حتى اليوم، بعد تسع سنوات من الغزو!
وفى هذا السياق، تأتى دعوة البعض إلى تقصير مدة إعداد ضباط الشرطة من أربع سنوات إلى عام ونصف العام فقط، يدرس خلالها الطالب العلوم الشرطية والحد الأدنى من المعلومات القانونية، التى يتطلبها عملهم، والعدول عن النظام القائم الذى يحصل خريج كلية الشرطة بمقتضاه على دبلوم فى العلوم الشرطية، وليسانس فى الحقوق، يؤهله بعد تركه الخدمة ليعمل بالمحاماة.
وفى تقدير أصحاب هذا الرأي، أن تنفيذه يؤدى الى تفريخ العدد الكافى من ضباط الشرطة يمكن أن يتكون منهم جهاز جديد، لا صلة له بأحد ممن كانوا يعملون بالجهاز القديم وفى وقت قليل.
وما يفوت على أصحاب هذا الاقتراح هو أن تأهيل ضابط الشرطة على النحو القائم الآن، ينطلق من أهمية أن يدرس منفذ القانون نصوصه، فضلا عن أنه يقدم له ضمانا لمستقبله فى مهنة، يفقد كثيرون من العاملين بها لياقتهم للعمل فى سن الأربعين، ويحاولون الى المعاش حول هذا السن ويصبحون غير مؤهلين للعمل فى أى مهن أخرى فيعملون بالمحاماة وتغيير النظام التعليمى الخاص بهم، سيهبط بالمكانة الاجتماعية لضباط الشرطة، ولفرص عملهم فى المستقبل،الى مستوى ربما يدفع كثيرين الى عدم الاقبال على الدراسة، وبالتالى لا يحقق الاقتراح هدفه فى تفريخ سريع لدفعات ضباط الشرطة، ويفتح الباب أمام تشكيل جهاز يقوده أمناء شرطة وليس ضباط شرطة.
خطة إعادة هيكلة جهاز الشرطة تحتاج الى وقت للتفكير فيها، وتهيئة إمكانياتها، والاطلاع على التجارب المختلفة فى الدول التى تحولت من النظم الشمولية، الى النظم الديمقراطية.
لكن المهمة العاجلة الآن هى أن يهيئ الظروف والامكانيات أمام جهاز الشرطة القائم للقيام بمهماته، واسترداد معنوياته، وإعادة الثقة بينه وبين المواطنين، والتفرقة بين النقد الذى يمن توجيهه الى أفراد من هذا الجهاز إذا ما أخطأوا أو أفسدوا وبين حملة التشهير التى تصيب الأغلبية من أفراده، الراغبة فى استرداد هيبتها ومكانتها الاجتماعية بالإحباط!
كل ما هو مطلوب الآن أن نملك صفاء الذهن الذى يمكننا من معالجة الأمر فى إطار الأهداف التى تحقق المصالح العامة العاجلة، وألا نغرق فى التفاصيل التى تركز على الأخطاء الفردية وتبالغ فيها، ونهيئ الظروف ذلك للعناصر التى لا يعنيها فى شيء أن يكون فى مصر جهاز شرطة كفء، لكى تسرق وتقتل وتقتحم البنوك وتخطف الرهائن، وتغتصب النساء، وتقطع الطرق، وتفقدنا جميعا الإحساس بالأمن، وتؤدى الى مزيد من التدهور الاقتصادى الذى يحول دون معالجة أى مشكلة أو الاستجابة لأى مطلب مشروع، أو القدرة على إصلاح مرفق يحتاج الى إصلاح، بما فى ذلك إعادة هيكلة جهاز الشرطة.
كل ما هو مطلوب الآن شيء من العقل، وقليل من التبصير، وكثير من الصبر والإحساس بالمسئولية الوطنية.
أمينة النقاش