رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

إلغاء وزارة الإعلام.. مطلب ديمقراطي

لم نكن بحاجة الي تأكيد جديد من انتفاضة الشباب المصري، كي ندرك ان الصيغة القائمة للاعلام الرسمي قد تجاوزها الزمن منذ عقود مضت، وان هذه الصيغة كانت مسئولة اكثر من غيرها، بحكم احتكارها للقطاع الأوسع من المشهد الاعلامي ،عن تجميل الاستبداد، واطالة امده، وعن تفشي الفساد المؤسسي في المجتمع المصري، بالتواطؤ صمتا عليه تارة، والدعاية والاعلام للترويج لرموزه تارة اخري،في خلط فاضح ومشين بين الاعلان والتحرير، بعد ان تم دهس ميثاق الشرف الصحفي الذي يحرم ذلك بالاقدام، كما تم تجاهل النصوص الصريحة في قانون تنظيم الصحافة التي تحرم علي الصحفي »ان يعمل في جلب الاعلانات، أو ان يحصل علي أي مبالغ مباشرة أو مزايا عن نشر الاعلانات بأية صفة، ولا يجوز ان يوقع باسمه مادة اعلانية« فتفشت ظاهرة الصحفيين مستشاري الوزراء وكبار المسئولين، وتحول معظم مندوبي الصحف في الوزارات، إلي مندوبين للوزرارت في الصحف، واصبح من الصعب التمييز، بين اخبار الوزارات والمؤسسات الرسمية، وبين اعلاناتها!

كان من الطبيعي والامر كذلك،ان تفسد مهنة الصحافة الا قليلا، وان يمتد هذا الفساد الي المؤسسات القومية ذاتها، التي تحايلت جميعها علي ما يلزمها به قانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم سلطة الصحافة، بنشر ميزانيتها خلال ستة اشهر من انتهاء السنة المالية، وبتولي الجهاز المركزي للمحاسبات بصفة دورية، مراجعة دفاتر مستندات المؤسسات الصحفية للتحقق من سلامة ومشروعية اجراءاتها المالية والادارية والقانونية، وبموافاة الجهاز بحساباتها المالية، خلال الثلاثة أشهر التالية لانتهاء سنتها المالية، وقيام المؤسسات الصحفية بالاجراءات التي تمكن الجهاز المركزي من اتمام تلك المراجعة، كي يعد تقارير بنتيجتها، ويحيل المخالفات الي النيابة العامة، بعد اخطار المجلس الأعلي للصحافة.

هذا هو الواقع القانوني، اما الواقع الفعلي فهو معروف، لم تنشر اي من المؤسسات القومية (الاهرام والاخبار واخبار اليوم ودار التحرير ودار الهلال وروز اليوسف واكتوبر ووكالة انباء الشرق الاوسط والتعاون) في أي يوم ميزانيتها،وعرقلت تلك المؤسسات كثيرا عمل الجهاز المركزي للمحاسبات، وضاعت في  دهاليز المجلس الاعلي للصحافة بعض تقارير المخالفات التي رصدها الجهاز المركزي ولم تر النور، حتي افقنا علي حقيقة الخسائر التي تمني بها تلك المؤسسات، بعد التوسع في الاصدارات الخاسرة، والتمدد في مشروعات استثمارية لاعلاقة لها بالنشر، ولا رقيب علي ميزانيتها والاجور الباهظة لقياداتها العليا، فضلا عن الديون التي تراكمت عليها لتصل الي نحو ستة مليارات جنيه فيما الجمعيات العمومية للمؤسسات الصحفية عاجزة بحكم تكوينها المعقد عن ان تكون اداة للمساءلة والمراقبة!

وتعود جذور الازمة التي تمر بها الصحافة القومية إلي طبيعة نشأتها، في حضن الاتحاد الاشتراكي ـ التنظيم السياسي الواحد ـ حيث كانت تنفرد بسوق القراءة، وتتسم بسياسة التعبئة والتوجيه التي لاهم لها سوي الدفاع عن السياسات الرسمية، وتبريرها، ان بالحق أو بالباطل، وهو الشكل الذي كان سائدا في معظم الدول الشمولية. واستمر الحال كذلك، إلي ان ظهرت الصحف الحزبية التي نوعت سوق القراءة، وكسرت احتكار الرأي. وفي عام 1980 ادخل الرئيس السادات تعديلات علي الدستور، كان من بينها انشاء مجلس الشوري، الذي كان أحد اهداف انشائه، هو ايجاد مؤسسة شبه حكومية، تحل محل الاتحاد الاشتراكي، في ملكية الصحف القومية، وتنوب عن الحكومة في السيطرة علي هذه الصحف، ومن ثم تعيين رؤساء تحرير ومجالس اداراتها، الذين اصبح ولاؤهم الاول والاخير لمن بيده تعيينهم وازاحتهم من مواقعهم الصحفية، وبدا غريبًا في هذه التركيبة الاعلامية

المشوهة ان ينفرد رئيس مجلس الشوري بأمور الصحافة القومية، وان يبعد عنها وزير الاعلام، الذي انفرد بدوره بتعيين قيادات اتحاد الاذاعة والتليفزيون، علي قاعدة الاصطفاء التي سادت الاختيار في كافة المواقع الاعلامية والصحفية والتي انتهت باغلاق الأبواب امام المواهب والكفاءات، فضلا عما يحوزه المجلس الأعلي للصحافة من صلاحيات  كأداة اساسية للدولة في التحكم في  تسيير شئون الصحف القومية، التي فقدت في كثير من الاحوال صفة القومية لتتحول الي بوق للحزب الحاكم وقيادته ورموزه وسياساته!

تمسكت الدولة في كل الأوقات التي تشكو فيها من قلة الموارد بالمؤسسات الصحفية القومية برغم ما تشكله من عبء اقتصادي عليها حين تعوض تلك  المؤسسات عن الخسائر التي تلحق بها نتيجة التوسع السفيه في اصداراتها وعجزها عن الموازنة بين احتياجاتها وامكانياتها، دون سعي ـ أو رغبة ـ لتطويرها، فضلا عن صم الآذان عن اقتراحات من خبراء اعلاميين، ومن المؤتمرات العامة للصحفيين، بخطط محددة لإجراء هذا التطوير، لسبب بسيط، انها احد اهم الادوات التي تحكم بها!

والآن ونحن علي ابواب عهد تشريعي جديد يحول مصر إلي ما تستحقه وما هي جديرة به من  ديمقراطية حقيقية وحكم رشيد، وفقًا للمعايير الدولية المتعارف عليها، فإن الصيغة القائمة للصحف القومية يجب ان تلغي، للبحث عن صيغة وشكل جديد لملكيتها، يفصل بين الملكية والادارة، التي تحقق في هذه الحالة استقلالاً في الادارة التحريرية والمالية، يفتح الباب للرقابة الفاعلة عليها. ولعل النموذج الناجح لهذا الشكل من الملكية، هو ماتطبقه هيئة الاذاعة البريطانية، التي تمتلكها الحكومة، وتدار عبر  هيئة مستقلة.

ولان الديقراطية اطار متكامل لايقبل التجزئة، فقد بات من الضروري بالاضافة الي ذلك، الغاء وزارة الاعلام، التي تعد رمزًا من رموز النظم السلطوية، وبوقا من ابواقها، ففي قلب ثورة الاتصالات والسماوات المفتوحة، يصبح وجود وزارة للاعلام امرًا يتنافي مع القواعد السليمة للأداء المهني، فضلا عن تناقضها مع الحريات الاعلامية والحقوق الديمقراطية، ومع حريات الرأي والتعبير، التي تصونها كل الدساتير الدولية. وإذ كان من درس آخر تبعث به الانتفاضة الشبابية، فهو ان العلاقة قد اصبحت وثيقة بين حريات الرأي والتعبير والتنظيم، وبين الثورة التكنولوجية الحديثة، الذي اصبح التلاحم بينهم يصوغ مستقبل الشعوب،ولم يعد باستطاعة احد ايا كانت قوته ،ان يعوق بزوغ هذا المستقبل.