عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تعليق علي ما حدث

قاومت غُصة في حلقي انقبض لها قلبي، وأنا أتابع بلهفة الجلسة الافتتاحية لمجلس الشعب الجديد يوم الاثنين الماضي. قاعة كبري، تموج ببحر من الرجال من كل الاتجاهات نتوه بين أمواجه وجوه نائبات التيار الإسلامي ونائبات الوفد والنائبات المعينات. ثماني سيدات فقط فزن في القوائم الحزبية،

واثنتان جاءتا بالتعيين ليصبح عدد النساء عشر نائبات من بين 508 نواب، بما لا يتجاوز 2٪ من عدد المقاعد، فيما عددهن في الواقع والحياة يصل إلي 49.3٪ من تعداد السكان. خطأ شارك في صنعه كل الأحزاب التي شاركت في الانتخابات، حين ألقت بالنساء في ذيل القوائم، امتثالا للقانون الذي يلزم القوائم بأن تشملها امرأة، وليس إيمانا بدور المرأة في المشاركة السياسية - شاركت المرأة في الثورة المصرية بأدوار مميزة، وقدمت لها عددا من الشهيدات، لكنها دعيت إلي الموت ولم تدع إلي المشاركة. قلت لعل الإجراءات التالية لعمل المجلس الجديد تسعي لتصحيح بعض هذا الخطأ، فقد تناثرت أنباء علي هامش انعقاده تشير إلي احتمال أن يرشح الوفد النائبة «مارجريت عازر» لمقعد أحد وكيلي المجلس، فلو تم ذلك يكون نواب الأغلبية من الإخوان المسلمين والتيار السلفي قد اتخذوا خطوة غاية في الذكاء ترسل أكثر من رسالة لكثيرين ممن أقلقهم فوزهم الكاسح في الانتخابات، تنطوي علي أكثر من معني أولها انها امرأة، وثانيها أنها قبطية، وآخرها أنها من دعاة الدولة المدنية، لكن يبدو أن الذكاء لم يكن يصل إلي هذا الحد، بل إن الأغلبية من التيار الإسلامي أرسلوا برسالة مغايرة، حين اعترضوا علي ان تضم اللجان التي تم تشكيلها لصياغة بيان باسم المجلس يوجه إلي الثوار في ميدان التحرير أحد النواب المسيحيين!
وشكل التمثيل الضئيل للمرأة في أول برلمان بعد ثورة 25 يناير إزعاجاً دوليا أيضاً عبر عنه بوضوح البيان الذي أصدرته منظمة العفو الدولية علي هامش افتتاح مجلس الشعب وذكرت فيه ان معظم الأحزاب التي ظهرت بعد الثورة المصرية ترفض الالتزام بضمان مساواة المرأة في الحقوق، وأنه لاتزال هناك عقبات كبيرة أمام قيام المرأة بدور كامل في الحياة السياسية المصرية، وأهابت المنظمة مجلس الشعب الجديد، أن ينتهز فرصة صياغة دستور جديد من أجل ضمان جميع الحقوق لجميع المواطنين في مصر، علي أن يكون حجر الأساس هو ضمان عدم التمييز وضمان المساواة بين الرجل والمرأة.
أصر نواب التيار الإسلامي علي «التمييز» حين ضربوا بالقسم الدستوري للنائب عرض الحائط، وأصروا علي أن يضيفوا إليه كلمة «بما لا يخالف شرع الله» بل إن أحدهم صرح في ردهات مجلس الشعب إنه تمسك بهذه الإضافة لكي «يذبح للحكومة القطة» منذ اليوم الأول! وقد أغري هذا التجاوز الذي أعلن رئيس الجلسة «د. محمود السقا» حذفه من المضبطة، بتجاوزات أخري من التيار الليبرالي تعكس أول ما تعكس عدم فهم، وقلة خبرة بالتقاليد البرلمانية، التي تفرق ما يقال فيها، عما يقال في المظاهرات والميادين!
خيبة الآمال امتدت إلي مشاهد أخري بدا فيها اغترار الأغلبية بقوتها، حين تعالي صراخ نواب الإخوان المسلمين، عندما رشح نائب حزب الوسط «عصام سلطان» نفسه لرئاسة المجلس، فيما اعتبروه خروجا علي الاتفاق المسبق الذي يقضي بأن يكون الدكتور «سعد الكتاتني» هو الرئيس المنتخب، وهو اتفاق لم يكن حزب الوسط جزءا منه، لكن الاعتراض كشف عن نزعة الاستقواء التي فرضت نفسها بعد ذلك، حين استولي حزب الحرية والعدالة منفردا علي تشكيل نحو 15 لجنة من لجان المجلس تاركا أربع لجان لكي تتنافس عليها بقية القوي، وهو ما أدي إلي انسحاب ممثلي الكتل البرلمانية الأخري من التصويت علي تشكيل اللجان اعتراضا علي هذا الشكل من الاستحواذ والإقصاء وتكريس الهيمنة.
حوَّل النائب «عمرو حمزاوي» مسار الجلسة الثانية تماما، حين تقدم هو و27 نائبا بطلب لفتح باب المناقشة حول تشكيل لجنة تقصي حقائق لبحث ما جري بحق الشهداء والمصابين والمفقودين منذ 25 يناير من العام الماضي وحتي الآن. وقد أدرك نواب الإخوان بذكاء يحسب لهم، أن استمرار المناقشة حول تشكيل اللجان، قبل يوم واحد فقط من مليونية العيد الأول

لثورة يناير، سوف يجدد الجدل الدائر حول ان البرلمان الجديد ليس برلمان الثورة، بل هو البرلمان الذي تشكل بعد الثورة دون ان يكون ممثلا لها، فحولوا مسار الجلسات في اليوم الثاني لافتتاح البرلمان، بمناقشة حقوق الشهداء والمصابين، وفي حديثه عن ابنه أحد مصابي الثورة، أبكي النائب «أكرم الشاعر» النواب وجمهور المشاهدين، وهو يوجه اتهامات بالغة الشدة والقسوة يحمل فيها الحكومة مسئولية إهمال ملف الشهداء والجرحي. وكانت اللهجة الحماسية، والعاطفية التي صاغ بها النائب «أكرم الشاعر»، كلمته، هي التي وجهت كلمات النواب من بعده، الذين دخلوا في مزايدة علي الحكومة لرفع التعويضات الخاصة، بالشهداء والمصابين وبالمعاش الشهري الذي تم تخصيصه لهم، وتطايرت أرقام المليون جنيه والمائة ألف جنيه، ورفع المعاش إلي خمسة آلاف جنيه، دون ان يحدد النواب للحكومة من أين لها أن توفر ميزانية هذه الملايين، ودون ان يذكر أحد من النواب أن قانونا قد صدر بالفعل يحدد التعويضات لكل الشهداء والمصابين، وأن المشكلة القائمة الآن أن القانون لم يشمل الشهداء والجرحي في ماسبيرو ومحمد محمود وأمام مجلس الوزراء، وأن أحد واجباتهم الآن هو تعديل هذا القانون، بعد أن آلت السلطة التشريعية إليهم.
الكلام الذي تطاير في الجلسة الثانية حول محاكمات الرئيس السابق وأركان نظامه، تعكس تدخلا فاضحا في أعمال السلطة القضائية، فأمر هؤلاء المتهمين الآن في يد قضاة التحقيق، ولا يحق لأحد حتي لو كان نائبا منتخبا أن يتدخل في عملهم، أو يمارس ضغوطا لتوجيه القضية للسير في مجري معين، وكشف هذا الخلط بين عمل السلطات عن أن كثيرين من النواب الجدد لا يملكون من الخبرة ما يكفي بما يجعلهم يميزون بين أدوارهم وأدوار الهيئات الأخري، وهي الأدوار التي يحددها الإعلان الدستوري ولائحة مجلس الشعب، والتي غاب عن الجلستين الأولي والثانية أي امتثال للمبادئ والواجبات الواردة في أي منهما.
وجاءت مليونية الاحتفال بالعيد الأول لثورة 25 يناير التي عمت معظم المدن المصرية، وشاركت فيها كل الأحزاب والتيارات السياسية وكل الأجيال والفئات الاجتماعية لتبعث برسالة لمن هم داخل البرلمان، ولمن هم خارجه، ولكل من يعنيه الأمر، أن الشعب المصري مازال معتزاً بثورته، ومدركا للتغيير الكبير الفذ الذي أحدثته في حياته، وأن الأغلبية الصامتة مازالت متيقظة لأهداف الثورة، وأنها لن تسمح بأن تؤول ثمارها إلي مستبد جديد يقمع المرأة، ويميز ضد غير المسلمين بزعم تطبيق الشريعة، وأنها لم تعد تقبل بوعود فارغة، وتصر علي التمسك بحلول جذرية لنيل حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وأنها لن تتوقف عن الاحتجاج ما لم يتحقق تلك الأهداف، التي قدمت لها الميادين تضحيات غالية. وهي رسالة ينبغي أن ينصت إليها الجميع باهتمام كامل، داخل البرلمان وخارجه.