رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

مجلس استشارى وليس مؤامرة

لم يكد المجلس الاستشارى، ينهى اجتماعه الأول، حتى أعلن حزب الحرية والعدالة الجناح السياسى لجماعة الإخوان المسلمين انسحابه منه، ثم تلى ذلك حملة من الهجوم الشرس على المجلس الوليد،وعلىأهدافه، وحتى على نواياه، مع أن فكرة المجلس بدأت مع  تولى حكومة الدكتور «عصام شرف»

لعملها حيث أعد د. شرف مكتباً ملحقاً بمكتبه لعدد من شباب الثورة، لاستشارتهم فى بعض الأمور،كما كان المجلس العسكرى يلتقى ائتلافات شباب الثورة المختلفة، لاستطلاع آرائهم بشأن ما يجرى من أمور، ثم سرعان ما انقطع الحوار نهائياً بين شباب الثورة والمجلس العسكرى، بسبب المحاكمات العسكرية للمدنيين والبطء فى علاج المصابين وتعويض شهداء الثورة، والهجوم غير المبرر على المعتصمين فى ميدان التحرير يوم 19 و20 نوفمبر والذى ازداد فيه عدد المصابين والشهداء، وقبل ذلك التباطؤ فى إعلان نتائج التحقيقات فى الحادث المأساوى فى ماسبيرو.
لم يقتصر الأمر على القطيعة بين شباب الثورة والمجلس العسكرى، بل انقطع الحوار فى المجتمع المصرى بين كل الأطراف، بين القوى السياسية وبعضها البعض، وانقطع الحوار أيضاً بين الثوار انفسهم الذين انقسموا الى فرق شتى، وبين الكتل السياسية التى يبدو أنها قريبة من بعضها فى الرؤى والأهداف، وبدا فى نهاية المطاف أن سبل الحوار قد سدت نهائياً فى المجتمع المصرى.
جاءت فكرة المجلس الاستشارى  كحل وسط بين مطلب ثوار ميدان التحرير، بأن يتخلى المجلس العسكرى عن السلطة، وأن يشكل مجلساً مدنياً يتولى إدارة شئون الدولة، وبين الفكرة التى قادها المهندس ممدوح حمزة، وكانت وراء تشكيل المجلس الوطنى الذى يتولى أمانته، ويضم فى عضويته ممثلين عن كل الأحزاب والتيارات السياسية والنقابات المهنية والعمالية والشخصيات العامة، وكان يأمل أن يكون مجلساً استشارياً معترفاً به يقدم المشورة للمجلس العسكرى أثناء الفترة الانتقالية لكن هذه الفكرة وجدت من يعترض عليها وكان د.حمزة بين الشخصيات العامة التى ضمها الاجتماع الأول للمجلس الاستشارى، قبل تشكيل هيكله التنظيمى، لكنه انسحب بعد رفض الاعضاء فكرته، بأن تكون قراراته ملزمة.
ومنذ اللحظة الأولى، كان واضحاً أهداف ومهام المجلس الاستشارى، فقد نص قرار انشائه الذى أصدره المشير طنطاوى بصفته رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، على أن يعاون المجلس الجديد المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال ادارته لشئون البلاد فى المدة الباقية من المرحلة الانتقالية حتى إتمام انتخاب رئيس الجمهورية، ويختص المجلس الاستشارى بإبداء الرأى فيما يتعلق بشئون البلاد، ويهم الرأى العام من قضايا أو أحداث، كما يختص بإبداء الرأى فيما يعرض عليه من المجلس العسكرى من شئون البلاد ومشروعات القوانين والاتفاقيات الدولية الى ان يتم انعقاد مجلسى الشعب والشورى، كما أن للمجلس الحق فى اقتراح ما يتراءى له من موضوعات أو وسائل التعامل مع  ما قد ينشأ من أزمات أو أوضاع تمس المواطنين أياً كان مجالها، ويضم المجلس نخبة من الشخصيات العامة المرموقة المشهود لها بالكفاءة كل فى مجاله، وهى شخصيات تنتمى لتيارات مختلفة، وتجمع بين خبرات متنوعة، وتنتمى لأجيال مختلفة ورؤى سياسية متباينة ووفقاً لقرار انشائه، فإنه يجوز للمجلس الاستشارى بأغلبية أعضائه اقتراح ضم أعضاء جدد لعضويته، بالتشاور مع المجلس العسكرى، وهو ما يسمح  بسد النقص فى عضويته، التى تمثلت فى وجود أكثر من ممثل للتيار السياسى الواحد، فيما خلت من أى تمثيل لليسار الذى يمثله حزب التجمع أو شباب ائتلافات الثورة الذين ينتمون لعضويته، فيما نتمنى ألا يكون موقفاً مقصوداً.
جاءت فكرة المجلس الاستشارى إذن مع بدء العد التنازلى لحكومة مدنية منتخبة،وكحل وسط ما بين المطلبين: مطلب شباب الثورة بتسليم السلطة لمجلس رئاسى مدنى، وبين فكرة المجلس الوطنى، وتواكبت مع قيام المجلس العسكرى بالتنازل عن القسم الأكبر من السلطة التنفيذية، لوزارة الدكتور «كمال الجنزورى» وخلال أسابيع قليلة سوف يسلم المجلس العسكرى السلطة التشريعية التى يحوزها بحكم الاعلان الدستورى، الى مجلس الشعب المنتخب، ولن يتبقى فى يده بعد ذلك حتى 30 يونيو القادم، الموعد الذى حدده لتسليم السلطة الى رئيس منتخب سوى سلطة الرئيس باعتباره رئيساً للدولة، وليس رئيساً للسلطة التنفيذية.
والمجلس الجديد هو مجلس استشارى للمجلس العسكرى، فى السلطات التى اصبح يمارسها، وليس للحكومة التىآلت اليها السلطات التنفيذية، وفى هذا الاطار لا أجد أى مبرر منطقي للاعتراض عليه، أو التشكيك فى عمله قبل أن يبدأ، حتى لو كانت هناك اعتراضات على تشكيله الذى غلب عليه فى بعض الأحيان الانحيازات الحزبية والأهواء الشخصية ففى كل الأحوال، خير للمصلحة العامة، أن يستمع المجلس العسكرى لآراء غير آراء أعضائه، وأن يتفاعل مع أعضاء المجلس الاستشارى فيما يخدم هذه المصلحة، من أن يستمع الى صوته منفرداً هذا فضلاً عن أن الآراء التى يبديها أعضاء هذا المجلس سواء

بادروا بتقديمها، أو طلبت منهم هى مجردآراء غير ملزمة للمجلس العسكرى.
ورغم تأكيد المجلس العسكرى التزامه بتسليم السلطة نهاية يونيو القادم، وبالنتائج التى سوف تسفر عنها انتخابات مجلس الشعب، واحترامه لإرادة واختيارات الشعب المصرى.. وتأكيده أن المجالس النيابية المنتخبة سوف تمارس مهامها واختصاصاتها الدستورية والتشريعية كاملة فإن جماعة الإخوان المسلمين وحزبها وأنصارها من الشخصيات العامة المنتشرة فى الصحف والفضائيات وعدداً من رموز التيار الإسلامى يشككون فى ذلك، ويتصيدون تصريحاً من هنا لأحد أعضاء المجلس العسكرى، وتصريحاً من هناك لأحد أعضاء المجلس الاستشارى، ليشيعوا أنه ليس مجلساً استشارياً مع مؤامرة للالتفاف على إرادة الشعب الذى قبل بأغلبية كبيرة المواد الدستورية المعدلة فى مارس الماضى وتحايل  على المادة «60» من الإعلان الدستورى، التى تجيز ـ وفقاً لتفسيرهم ـ للبرلمان المنتخب وحده تشكيل لجنة المائة التى ستضع الدستور الجديد، وهو قبل هذا وذاك عودة من الباب الخلفى لطرح «وثيقة الدكتور على السلمى» التى سبق ان جيشوا ضدها ورفضوها، وهم من شاركوا فى بدايات الحوار حولها، تماماً كما فعلوا مع المجلس الاستشارى.
ومن الحقائق التى يجرى تجاهلها أو التعمية عليها، أن تشكيل مجلس الشعب الجديد، وتوليه السلطة التشريعية ليس من شأنه ان يصادر دستورياً حق الرئيس فى التقدم بمشروعات قوانين للمجلس، والمجلس العسكرى بصفته القائم بسلطة الرئيس يحتاج الى المجلس الاستشارى لكى يستعين بآرائه في مشروعات القوانين التى سيتقدم بها الى البرلمان والاخير حر فى أن يقبلها أويرفضها أو يعدلها، فليس فى اقتراح المجلس العسكرى لهذه المشروعات، أو مشاركته فى صياغتها، ما يصادر حق مجلس الشعب فى التشريع والرقابة على أداء السلطة التنفيذية.
والمجلس الاستشارى ليس بدعة، وهو شبيه بالأجهزة المعاونة لرئيس الجمهورية فى المجالات الاقتصادية، والسياسية والشئون العربية والدولية فى مختلف العهود الجمهورية منذ عبدالناصر وحتى مبارك مروراً بأنور السادات.
ومشكلة مصر الآن هى العجز التام عن التواصل بين كل أطراف المعادلة السياسية للتوصل الى درجة من درجات التوافق الوطنى بعد ان وصم التيار الاسلامى مصطلح التوافق هو الآخر بأنه التفاف علي الأغلبية البرلمانية التى يلوح فى الأفق الآن ان تيار الاسلام السياسى بكل فصائله، سوف يشكلها.
وهذا فهم خاطئ للديمقراطية، فالديمقراطية ليست حكم الأغلبية فحسب ولكنها بجانب ذلك الحفاظ على حقوق الأقليات سواء كانت سياسية أو دينية، وحصول أى فصيل سياسى على الأغلبية البرلمانية ليس إذناً له بأن ينفرد بالقرار، أو ينفرد بكتابة الدستور هذا فضلاً عن أن المادة ستين من الإعلان الدستورى لم تجزم بأن يكون تشكيل لجنة المائة من بين أعضاء البرلمان دون غيرهم بالاضافة الى ان الانتخابات هىآلية وحيدة للديمقراطية لا تتكامل الا بضمان حقوق التظاهر والاضراب والاعتصام وحريات الرأى والتعبير والاعتقاد وضمان الحريات النقابية والحزبية، والالتزام بضمان الحريات الشخصية وفقاً للمواثيق الدولية لحقوق الانسان.
لكل ما سبق، ولغيره، ليس المجلس الاستشارى مؤامرة، انه ضرورة وطنية اذا كنا لانريد للمجلس العسكرى ان يدير الفترة الانتقالية منفرداً، واذا كنا نريد له ان ينقل السلطة بأمان خلال نحو ستة أشهر، واذا كنا نؤمن حقاً بالنصيحة الإسلامية الحكيمة:
لا خاب من استشار.