عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عيد الجهاد ميلاد الوطنية المصرية

بوابة الوفد الإلكترونية

13 نوفمبر بداية اليوم الحاسم فى مواجهة الاحتلال البريطانى

إرهاصات الثورة الشعبية نبتت بعد زيارة زعماء مصر للمعتمد البريطاني

تأسيس حزب الوفد رسم الطريق لبناء مصر الجديدة واستكمال النضال من أجل الحرية

 

التاريخ يكتبه مَن يحكمون، لذا فقد تجمد الاحتفال بعيد الجهاد بعد قيام حركة 23 يوليو 1952 بعام عندما قررت السلطة الجديدة طمس معالم تاريخ مضى وغمط حقوق رجال عظام كافحوا من أجل الوطن.

لم يكن غريبا أن يسجل ضريح سعد زغلول فى 13 نوفمبر سنة 1952 زيارة رجال السلطة الجديدة إليه احتفالا بعيد الجهاد، وهو العيد الأخير الذى احتفلت به الدولة رسميا. اهتمت الصحف وقتها بتسجيل زيارة اللواء محمد نجيب رئيس مجلس قيادة الثورة للضريح، ونشرت صورة له وهو يقرأ الفاتحة على روح سعد باشا زغلول، لكن لم تمضِ شهور قليلة حتى قررت السلطة الجديدة حظر حزب الوفد تماما والتضييق على قياداته، ثُم لم تلبث تلك السلطة فى نسختها المعدلة بقيادة البكباشى جمال عبد الناصر أن لعنت الماضى برمته وأنهت الاحتفال بعيد الجهاد، حتى لم يعد يعرف أبناء الأجيال الجديدة ما هو ذلك العيد.

عيد الجهاد هو يوم ميلاد روح المقاومة الشعبية للاحتلال، يوم بزوغ الوطنية وتجليها، يوم إعلان التمرد على القوة المتجبرة، يوم انبعاث نضال المصريين ضد الاستعمار المتغطرس. فى 13 نوفمبر قبل 101 عام توجه ثلاثة رجال إلى دار المندوب السامى البريطانى السير وينجت طالبين لقاءه . أول الرجال رجل مُهيب ستينى طويل القامة ، رشيق البنيان ، كثيف الحاجبين، مُهندم الشارب ، تحمل عيناه تأثيراً قوياً ، يرتدى حُلة أنيقة ، وينظر بثقة إلى صاحبيه اللذين يمنحانه قدراً من التقدير يتناسب مع كونه وكيل الجمعية التشريعية . عرفه السير وينجت فور دخوله فهو مُحام شهير فى الأوساط العُليا اسمه سعد زغلول. أما الثانى فرجل ضئيل الجسم ، بدا هادئاً، وقوراً ، قليل الكلام ، ظاهر الشيب ، كان المندوب البريطانى يعرفه أيضا إذ طالما سمع عنه فى القضايا الشهيرة ، فهو محامِ له تقديره ، اسمه عبد العزيز فهمى .

أما الثالث فكان الأشهر، والأكثر معرفة لدى صاحب النياشين العسكرية التى حصل عليها فى خدمة مملكة صاحبة الجلالة ، فهو واحد من أثرى الأثرياء ، يمتلك مساحات شاسعة من الأراضى فى المنيا ، ويسبقه جيش من الخدم ، معروف بعلى باشا شعراوى. وكان هو أكثر مّن آثار دهشة واستغراب السير وينجت الذى كتب فيما بعد أنّ اتصال شعراوى باشا بهذين الرجلين ( سعد وعبد العزيز فهمى ) بدا غريبا خاصة أنه من الأعيان الذين لهم كثير من الأتباع فى الجمعية التشريعية ، والمتاح عنه من معلومات يؤكد أنه شخص متعصب وغير محبوب من الفلاحين. وفيما بعد سنعرف جوانب عديدة من سيرة ذلك الرجل من مذكرات سيدة عظيمة هى زوجته هدى شعراوي.

فى ذلك اليوم كان على السير ريجنالد وينجت أن يُعيد التفكير مراراً فى تلك المقابلة الغريبة التى توسط فيها رجل معتدل نزيه لا يشك فى تعقله هو حسين باشا رشدى.  ربما تذكر سنوات خدمته فى الهند ، والسودان ، ومرت به مواقف عديدة لمعارك وصراعات شارك فيها هُنا وهناك ، ثُم نظر إلى عدد من الاوسمة والنياشين التى وصلت به إلى منصب الحاكم الحقيقى لبلد عظيم وهام مثل مصر، رغم أن عمره لم يصل بعد إلى الاربعين . كان على ثقة تامة أن هؤلاء البشر لا يصلحون لتسيير أمورهم ، وفى حاجة دائمة لمن يعرف كيف يسوسهم ، مُعتقدا ذات اعتقاد سلفه اللورد كرومر .

فى تلك الأثناء كان حُكم مصر ملكيا صورياً، لأن الحاكم الحقيقى هو المندوب البريطانى الذى يؤمن أنه الآمر الناهى، والأول والأكبر، وصاحب الكلمة العليا دائماً. وهو على يقين أن ورثة العرش الصوريين يعلمون ذلك جيداً ويعرفون أن أى خديو أو سلطان  فكر وسعى وحاول أن يكون حاكماً حقيقياً كان مصيره الخلع ، ولم يكن الخديو عباس حلمى ببعيد عن اذهان العامة والخاصة ، فقد خُلع الرجل خلعاً وهو خارج البلاد ولم يُعد إليها مرة أخرى.

ببسمة باردة استقبل الحاكم البريطانى الرجال الثلاثة، فحصهم ، وفتشهم بعينيه الشقراويين، قبل أن يستمع إلى مطلبهم . السفر إلى لندره . تلك كان اسم لندن فى الصحافة المصرية فى ذلك الوقت. ما السبب ؟ طلب استقلال مصر. حكم ذاتى ؟ كيف فكر هؤلاء فى ذلك؟ ربما كان ذلك ما دار فى رأسه وقتها.

 فكر وينجت ذو الثمانى والثلاثين عاما قليلا فيما يجب عليه فعله. كان من الواضح لديه أن سعد باشا هو أخطر الرجال الثلاثة ، فهو الذى يتحدث بإسلوب طالب الحق ، وهو لاشك رغم انزؤاه سنوات طويلة عن العمل الوطنى ، وتزوجه من كريمة مصطفى باشا فهمى ، لا يأبه بالعودة إلى المشاكل .

بهدوء السياسى المُحنّك سأل وينجت : هل تستطيع مصر الدفاع عن نفسها ؟ لم يمنحه سعد وصاحبيه فرصة تشتيتهما فى طريق آخر . أجابوا : بالطبع . وطبقا لمذكرات سعد زغلول فقد كانت العصبية بادية على رجل بريطانيا ، ولم يعدم الرجل وسيلة منطقية فسأل سؤالا مباشرا : ما هى الصفة التى تتحدثون بها . نعم أنت يا سعد باشا رجل منتخب فى الجمعية التشريعية (البرلمان ) لكن ليس من حقك الحديث باسم شعب مصر . لا أنت ولا فهمى بك ولا شعراوى باشا. الحُجة قوية ، وهى التى دفعت وينجت أن يقول فيما بعد ( فى الوثائق البريطانية السرية ) ما يلى « لقد نددت بأقسى الألفاظ بالحركة الوطنية السابقة وأبديت لهم نقدا صريحا لمختلف وجهات نظرهم الحالية وكررت لهم التحذير من أن عليهم أن يتحلوا بالصبر وأن يضعوا موضع الاعتبار الكثير من التزامات حكومة صاحب الجلالة .»

ترك الزعماء الثلاثة مكتب المندوب البريطانى بعد أن ظن أنه كبح جماح فكرتهم للسفر إلى بريطانيا . لكن رأس واحد منهم كانت مُنشغلة بأفكار جديدة غير تقليدية . سأل نفسه : لِم لا نحصل على شرعية التوكيل من الشعب .التف حوله أصدقاء ومعارف وسعى هو إلى بعض العناصر المعروفة بوطنيته ليُنشئ الوفد ومعه صاحباه ومكرم عبيد ومصطفى

النحاس ، وانطلق الشباب الوطنى فى ربوع مصر من شمالها إلى جنوبها طالبا توكيلات من المصريين . يقول نص التوكيل ، والذى أصبح أثراً لأيام مجيدة « نحن الموقعين على هذا أنبنا عنا حضرات سعد زغلول باشا وعلى شعراوى باشا وأحمد لطفى السيد بك ومحمد على بك وعبداللطيف المكباتى بك ومحمد محمود باشا ولهم أن يضموا إليهم من يختارون فى أن يسعوا بالطرق السلمية المشروعة حينما وجدوا السعى سبلا فى استقلال مصر تطبيقا لمبادئ الحرية والعدل التى تنشر رايتها دولة بريطانيا العظمى وحلفاؤها ويؤيدون بموجبها تحرير الشعوب».

 بالطبع أقلق الأمر الدولة البريطانية الجبارة، وقررت التصدى بقوة وحزم للمطالب الوطنية ، وهو ما يظهر بوضوح فى وثيقة بريطانية عبارة عن تقرير محفوظ برقم 16 لسنة 1918 يعيب على وينجت الهدوء والذوق فى استقباله للزعماء الثلاثة، وتنص الوثيقة على :

« ومما يؤسفنى أن السير رينجت لم ينبذ هؤلاء الوطنيين بطريقة أشد حزما من الطريقة التى استخدمها .إن علينا أن نجعل سياستنا واضحة تمام الوضوح وإلا تعرضنا لكثير من المشاكل فى المستقبل »

 كان الحل السريع هو مواصلة التصدى بحزم وحدة وإرهاب . لذا صدر قرار سريع بالنفى بهدف إعدام روح الوطنية ، وترهيب كُل مَن تسول له نفسه بطلب الفكاك من الدولة الكبرى . كانت  تلك هى غلطة بريطانيا الكبرى، لأن سعد باشا لم يكن وحده ، ولم يكن مُنسحقاً خوفا أو مُتطلعاً طلبا لشيء : مركز أو نفوذ أو مكسب مالى ، فالرجل عمل قاضياً ، ومحامياً ، وحقق ثروة معقولة رغم انتمائه لطبقة وسطى ، واختلط بالكبار وشارك فى الجمعية التشريعية ، وحاز شهرة كبيرة بين الطبقتين الوسطى والعليا . فضلا عن ذلك فإن عمره كان قد تجاوز الواحد والستين عاماً ، وهو بلا شك يعلم أن ما بقى له فى الحياة أقل كثيرا مما مضى .

كان يوم 8 مارس هو يوم القبض على زعماء الوفد ونفيهم إلى مالطة ، لكن وراءهم كان هناك جهاز سري يشرف عليه ويديره رجل من أخطر الرجال هو الضابط عبد الرحمن فهمى . خلايا عنقودية متسلسلة لا يعرف أعضاؤها بعضهم البعض ، مهمتها إشعال المظاهرات ، وبث الدعاية ، وتنظيم الاضرابات ، والاعتداء على المحتلين ، وقتل وتخويف المتعاونين معهم . كانت الثورة مسلحة ، ولم تكن مجرد حركة سلمية هادئة تكتفى بالخطابة والنشر . لم يكد خبر القبض على سعد باشا ينتشر حتى انطلقت الثورة بمظاهرات للطلبة ثُم أعقبهم العمال ، والموظفون ، والعاملون فى المصالح الحكومية ، وبدأت الاضرابات مخيفة ليصيب الشلل حكومة الاحتلال التى لم تتوقع أو تنتظر ذلك الغضب . تكرار الغلط من جانب قوات الاحتلال أدى إلى تصاعد الغضب ، رصاصات خائبة هُنا وهناك استشهد على إثرها طلبة وفلاحون وشباب باحث عن الحرية كانت نتائجها قتل وذبح جنود الاحتلال .

التراجع كان الحل الوحيد لدى بريطانيا التى لم تلبث أن أفرجت عن سعد ورفاقه وسمحت لهم بالسفر لعرض قضية مصر فى مؤتمر حق تقرير المصير ، وأصبح لدى الأمة المصرية حزب قوى قادر على الدفاع عن حقوقها ومطالبها ، وأصبح اسم سعد هو النشيد الصباحى لجموع البسطاء ، واضطرت بريطانيا إلى اصدار تصريح 23 فبراير الذى يعترف باستقلال مصر ، ثُم شارك الوفد فى الانتخابات البرلمانية التى أجريت سنة 1924 وفاز باكتساح ليشكل أول حكومة شعبية فى تاريخ البلاد ، وهى التى لم يكتب لها البقاء طويلا نتيجة حادث اغتيال السير لى ستاك .ورحل سعد باشا زغلول  فى 23 اغسطس سنة 1927ليستكمل حزب الوفد بقيادة مصطفى النحاس بناء الدولة المصرية الحديثة رغم قلة سنوات ترؤسه للحكومة .

وهكذا فإن يوم 13 نوفمبر هو يوم للمصريين جميعا ، وعيد وطنى أغفلت الدوائر الرسمية بعد ثورة 23 يوليو سنة 1952 الاحتفال به ، وآن الأوان لحكومات التصحيح والاصطفاف الوطنى أن تعيد التذكير بيوم جهاد المصريين ، يوم أن وقف رجال صدقوا ما عاهدوا عليه الوطن أمام قوة غاشمة قيل إنها لا تقهر ، وطالبوا بالاستقلال .