عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

دراسة جامعية ترصد الدور البارز للزعيم مصطفى النحاس فى مسيرة الحركة السياسية المصرية

بوابة الوفد الإلكترونية

شارك مع الوفد فى قيادة كفاح مصر وشعبها عبر ثلاثة عقود من أجل الاستقلال والحرية والدستور والعدل الاجتماعى ووحدة وادى النيل

تعرض لمحاولات عديدة لاغتياله لأنه كان عملاقًا فى وطنيته عنيفًا فى ثوريته من أجل حقوق مصر فى الاستقلال التام

النحاس لا ينسى زيارته طفلاً لضريح الحسين رضى الله عنه وعندما وصل إليه قال أبوه: يا سيدنا لقد سلمت إليك مصطفى

رفض عمل الإخوان بالسياسة طالبهم بالاكتفاء بالعمل الاجتماعى

 

أعد الدراسة للنشر: طارق تهامى

 

 أكدت دراسة بحثية جامعية قامت جامعة محمد خيضر فى «بسكرة» الجزائرية بطباعتها أن الدور الوطنى للزعيم مصطفى النحاس، لا يمكن تكراره، أو تجاهله، وأكدت أن كل محاولات طمس تاريخه السياسى الوطنى الكبير فشلت تماماً، وأن كل خصوم مصطفى النحاس، تركوا السلطة، وهم غير قادرين على إلغاء إنجازاته التاريخية.

الدراسة التى تحمل عنوان «مصطفى النحاس باشا ودوره فى الحركة الوطنية المصرية» أعدها الباحث حملاوى جلال يوسف لنيل درجة الماجيستير، وأشرفت عليها الدكتورة كربوعه سالم. وقالت الدراسة إن حزب الوفد من الأحزاب التى تعلقت به غالبية الشعب المصرى منذ تشكيله فى أعقاب الحرب العالمية الأولى حتى قيام ثورة يوليو1952، قام حزب الوفد بدور بالغ الأهمية فى تاريخ مصر، حيث إن الوفد كان قد قاد كفاح مصر وشعبها عبر ثلاثة عقود من أجل الاستقلال والحرية والدستور والعدل الاجتماعى ووحدة وادى النيل، وكان من زعماء الوفد سعد زغلول ورفاقه المخلصين وعلى رأسهم مصطفى النحاس الذى خلف سعدا بعد وفاته وساهم مساهمة فعالة فى ثورة 1919 التى كان الهدف إنهاء الاحتلال البريطانى، كما أنه كان للنحاس دور فعال فى الحفاظ على الشعلة الوطنية لمصر حيث حمل الأمانة بحق وأدى الرسالة بصدق وكان عملاقًا فى وطنيته عنيفًا فى ثوريته من أجل حقوق مصر فى الاستقلال التام وحقوق الشعب المصرى حتى أنه تعرض عدة مرات للاغتيال ولكن الله حماه ورعاه ليظل قائدًا مخلصًا للشعب فى تحقيق أمانيه.

تحدثت الدراسة عن نشأة مصطفى النحاس وقالت إن العديد من المؤرخين رصدوا نشأته بين والدين صالحين تقيين وفى جو عائلى سليم حيث إنه عاش حياة الاستقامة منذ طفولته، ولم تكن نفسه طوع هواها، بل كان يرضى بأقل القليل، وكان كالسلف الصالح من الصالحين يؤدى الصلاة فى أوقاتها منذ العاشرة من عمره إلى آخر يوم فى حياته، وكان يحرص الحرص كله على صلاة الفجر فى وقتها ويقال إنه تعلم بعض العلوم فى جامع الأزهر، وأيضا إلى جانب هذا تعلم الكتابة والحساب فى الكتاتيب، حيث تذكر بعض المصادر أنه حفظ القرآن الكريم فى سن العاشرة، ويعود سر اهتمامه بالقرآن الكريم وامتلاكه لهذه الأخلاق إلى تربيته الحسنة والتى تحث على فعل الخيرات التى تربى عليها، حيث إن والده مصطفى النحاس مثلا عرف عنها التدين والأخلاق الحميدة.. ومن هنا نستنتج أن لذلك البيت الطاهر دورًا كبيرًا فى أخلاق مصطفى النحاس حيث إنه عندما سئل فيما بعد عن سر التمسك الصادق بشعائر الله، فقال إنه حين أتى به أبوه إلى القاهرة ليدخله إلى المدرسة وتوجها حينها إلى ضريح الحسين رضى الله عنه وعندما وصل إليه قال أبوه وهو واقف أمام الضريح: لقد سلمت إليك مصطفى فشعر الطفل أثناء تلك اللحظة بوحى خفى دب إلى نفسه واستفاض فى مشاعره، وظل يذكر تلك الوقفة الدينية طوال حياته ومنذ ذلك الحين لم يترك فرضا ولم يهمل ميقاتا للصلاة، بل كانت هناك جوائز للصلاة فى المدارس فأحرزها جميعا». ومما يؤكد هذا القول أن صلاح الشاهد ذكر فى مذكراته أن مصطفى النحاس تكلم عن نشأته كيف كانت حيث قال له إنه يمتلك فضائل الإيمان والوطنية وحماية الحرم ولأنه يعلم جيدا معنى المساواة والحرية للأفراد والشعوب وأنه من خلال التعاليم والتربية الدينية التى تلقاها يعلم جيدا معنى الشورى والديمقراطية التى نمت فى عقله وفكره.

 

تكوينه العلمى

لم يكن فى سمنود أو القرية التى ولد فيها مصطفى النحاس مدرسة أولية أو إلزامية أو ابتدائية ولكنها كانت تعرف نظام الكتاتيب ومفرده كتاب وهو مكان يجتمع فيه الصبية من أبناء ذوى الشأن فى البلاد، ولقد التحق مصطفى النحاس فى طفولته بكتاب القرية فتعلم فيه ما تعلمه الآخرون من قراءة وكتابة وحفظ بعض من كتاب الله وتعلم مبادئ الحساب، ولكن والده لم يكتف بهذا الحد بل كلف أساتذة اللغة الفرنسية بتعليمه إياها حيث كانت هى اللغة الأصلية فى المدارس، ولما بلغ مصطفى العاشرة من عمره ألحقه والده بمكتب تلغراف محطة سكة حديد سمنود.

وبعد حصول مصطفى النحاس على الشهادة الابتدائية التحق مصطفى النحاس بالمدرسة الخديوية الثانوية سنة 1892 بالقاهرة وأمضى فيها 5 سنوات وكان موضع فخر أساتذته ومدرسيه واعجاب زملائه ومخالطيه، وواصل النحاس دراسته الثانوية وحصل على البكالوريا سنة 1896 وكان ترتيبه الأول فى الشهادة مثل كل مراحل التعليم، والتحق بمدرسة الحقوق وقد تخرج فيها بعد أربع سنوات من الدراسة الجادة فى عام 1900، وكان الأول على جميع زملائه، وقد جرت العادة فى ذلك الوقت على تعيين جميع خريجى مدرسة الحقوق كتبة فى المحاكم براتب شهرى قدره خمسة جنيهات، ولكن النحاس حث جميع زملائه على رفض هذا التعيين، وعندما تم استدعاؤه لشرح الأسباب كاملة طالب برفع راتبهم إلى خمس عشر جنيها، وبأن يعينوا مساعدى نيابة لا كتبة حيث قال لهم: «لست أبغى شيئا لنفسى خاصة، ومهما عرضتم على زملائى فإننى لن أقبل التوظف فى النيابات، وانما الذى أطلبه لإخوانى هو أن يعينوا فى وظائف مساعدى نيابة بمرتب خمس عشر جنيها فى الشهر»، وقد رضخت الحكومة لهذه المطالب، وتم تعيين خريجى مدرسة الحقوق مساعدى نيابة براتب عشرة جنيهات فقط، ولكن النحاس نفسه رفض أن يقبل الوظيفة الحكومية، وفضل أن يشتغل محاميا حتى يكون حراً.

اقتحم مصطفى النحاس ميدان المحاماة اقتحاما يعمل فيه مستقلا وينزله منفردا، ولم يك مضى على نيله الشهادة فى الحقوق إلا بضعة أشهر، وكان أول ظهوره فى المنصورة وكان عمره فى ذلك الحين 21 سنة، ولم يبدأ مصطفى عمله محاميا ناشئا، ولكنه بدأه جديدا، وما لبث مصطفى النحاس فى المنصورة قليلا حتى ذاع صيته حيث اشتهر بنزاهته وعرف بكفاءاته، واصبح موضع احترام القضاة والمتقاضين، وعجب الناس لهذا الشاب المحامى وبذلك نجح مصطفى النحاس فى بداية حياته العملية كمحام، وكانت أول وظيفة للنحاس مع محمد فريد المحامى الذى خلف مصطفى كامل فى زعامة الحزب الوطنى.

وقد أصر النحاس منذ اليوم الأول أن يتولى عدة قضايا بنفسه، ويذهب بها إلى المحكمة حيث لم يكن يريد أن يعامل كمحام صغير ما زال تحت التمرين، وقد ترك النحاس مكتب محمد فريد بعد وقت قصير ليصبح شريكا كاملا لمحام مشهور فى المنصورة اسمه محمد بك بسيونى، وقد استمر النحاس فى الاشتغال بالمحاماة حتى عام 1904، أى لمدة أربع سنوات فقط تحول بعدها إلى القضاء واستمر فى منصبه قاض إلى غاية انضمامه إلى الوفد. ويروى صلاح الشاهد أنه وأثناء حديثه مع النحاس قال له: إنه كان قاضيا فى طنطا وأنه تتبع آثار سعد زغلول عندما كان محاميا أو لما كان قاضيا حيث قال: لقد فتنت بالزعيم الأوحد لهذا الشعب ووكيله المفوض من كل طبقاته وفئاته، المرحوم خالد الذكر سعد زغلول.

 

النحاس السياسى الصلد

النحاس كرجل سياسى كانت له أعصاب قوية تساهم بنصيب وافر فى تكوين شخصيته، فهو إذا لا يتردد فى الدفاع عما يؤمن به ويعتقده، فكان النحاس السياسى لا يعرف الكذب ولا يستعمل المكر ولا الخداع ولا يحب المغالطة ولا يطيق التآمر، وأما دخوله إلى الحياة السياسية كان مرتبطا بإعلان مبادئ الرئيس «ويلسون» الأربع عشر التى أذيعت على الملأ فى نهاية الحرب العالمية الأولى، حيث نادى الرئيس الأمريكى بحق الشعوب فى تقرير مصيرها، ولا شك فى أن هذه كانت أمنية كل مصرى، بما فى ذلك مصطفى النحاس الذى كان قد درس القانون وتعلم منه مبادئ العدل والمساواة وحقوق الأمم والأفراد، وكان قد اشتغل بالمحاماة والقضاء وأصبحت قضية الديمقراطية هى جل اهتمامه، وكان النحاس شابا وطنيا ومتحمسا استهوته شخصيتان هما مصطفى كامل وسعد زغلول، ومعرفته بسعد زغلول حصلت عندما كان النحاس يشتغل بالمحاماة حيث كان يتبع الأحكام الصادرة عن المستشار سعد زغلول بك، ويعنى بقراءتها، ويتوخى الاسترشاد بها، لما كان يحسه من حسن التقدير لها والإعجاب بها، وما كان يجد فيها من المبادئ الجديدة والمثل العالية، وبعد ما أصبح النحاس قاضيا ازداد النحاس إعجابا بسعد، ومرت الأيام وتقلد سعد وزارة الحقانية حيث انتقل من وزارة المعارف إلى وزارة الحقانية فى خطوة التشكيل الوزارى الجديد، وفى هذه الفترة انتقل القاضى مصطفى النحاس إلى القاهرة، حيث أصبح عضوا فى إحدى دوائر المحكمة الأهلية، فحدث له خلاف مع رئيس الدائرة على ثاقب بك حول قضية أراد خلالها رئيس الدائرة الحكم بالإدانة على شخص دون أخذ أرى مصطفى النحاس. وهذا ما رفضه مصطفى النحاس ووصل نبأ هذا الخلاف إلى سعد فأمر بملاقاة النحاس وأعجب به سعد إعجابا شديدا، وقد ظل سعد يذكر ذلك اللقاء على مدار السنين، ومن المفارقة نجد أن هناك تقارباً شديداً بين سعد والنحاس حيث إن هذا الأخير نجح فى المحاماة وفى سلك القضاة ولولا الثورة لبلغ النحاس مراتب عليا فى القضاء أو فى الوزارات على مر السنين.

 

انضمام مصطفى النحاس للوفد

لما انتهت الحرب العالمية الأولى بدأ السياسيون المصريون يفكرون فى تكوين وفد يحقق آمال المصريين ويحافظ على حقوقهم، ويذكر حسين هيكل فى هذا الموضوع أى تشكيل الوفد أنه فى يوم 13 نوفمبر تناقلت الأنباء أن وفدا مصريا تألف برئاسة سعد زغلول وزملائه، وأذيع فى هذه الفترة أن أعضاء هذا الوفد قابلوا مندوب انجلترا السامى وانتشر الخبر فى البلاد بسرعة البرق، فبعثت فى نفوس المصريين أملا فى مستقبل خير مما هم فيه، وفى الحقيقة هذا الوفد ضم سعد زغلول و13 عضوا آخرين ومن بين هؤلاء الأعضاء مصطفى النحاس، وفى 23 نوفمبر 1918 تمت المصادقة على قانون الوفد أى النظام الداخلى للوفد وضم مجموعة من المواد، ونصت المادة الثانية على أن مهمة هذا الوفد السعى بالطرق السلمية المشروعة حيثما وجدوا للسعى سبيلا فى استقلال مصر استقلالا تاما، وأما المادة الثالثة نصت على أن يستمد الوفد المصرى قوته من رغبة أهالى مصر التى يعبرون عنها رأسًا أو بواسطة

مندوبيهم بالهيئات النيابية، كما أن الوفد سلك طرقا عديدة وذلك بهدف المطالبة بالاستقلال منها الاحتجاج لدى السلطات الإنجليزية على استمرار الاحتلال والحماية وأيضا مخاطبة الرأى العام الإنجليزى والأوروبى والأمريكى للحصول على التأييد الشعبى لقضية الاستقلال.

ومما تجب الإشارة إليه هنا أن غالبية الأعضاء فى حزب الوفد كانت دراستهم قانونية حيث إن حمد الباسل كان عضوا فى الجمعية التشريعية واسماعيل صدقى حصل على درجة الحقوق ثم عين وزيرًا للزراعة فى عام 1914 ثم وزيرًا للأوقاف وكذلك محمود أبوالنصر كان من الأعيان حيث تخرج من دار العلوم، ثم حصل على درجة القانون من جامعة ليون بفرنسا كما أنه زاول أيضًا مهنة المحاماة، ثم أصبح نقيبا للمحامين، ، وكان عددهم الإجمالى 17 عضوا، تسعة منهم كانوا أعضاء فى الجمعية التشريعية عام 1914، وثمانية منهم تلقوا تعليما قانونيا، وكانوا فى الغالب من أعضاء حزب الأمة أو من طبقة ملاك الأراضى الزراعية.

 

النحاس منظم الطلبة

بسبب اعتقال الزعيم سعد زغلول وأصحابه وسخط الشعب على قيود الاحتلال وتطلعه إلى الحرية والاستقلال اشترك الشعب كله فى الثورة رجالا ونساء وأطفالا وشبابا وشيوخا وعمالا وطلبة، والحديث عن مشاركة الطلبة فى الثورة يقودنا للحديث على من كان يقودهم، يا ترى من هو هذا الشخص الذى كان ينظم الطلبة ويقودهم فى الثورة؟ مما لا شك فيه أن مصطفى النحاس هو الذى لعب دورا رئيسا فى تحريك وتحريض الطلبة قبل الثورة، وهو الذى كان إحدى أدوات الحزب الوطنى الهامة فى الثورة، وهو ما يتفق مع مبادئ النحاس فى ذلك الوقت، بجانب أن الطلبة كفئة اجتماعية كانت تشعر بالظلم الذى ينتظرها مثلها مثل بقية المهنيين وخاصة المحامين، حيث أضحى مصير الطلبة مثل مصير الخريجين وخير تعبير عن ذلك الشعور هو اعتراف أحد الفدائيين المتهمين باغتيال موظف بريطانى يعمل فى خدمة الحكومة المصرية بأن ما دفعه إلى ذلك الفعل هو الرغبة فى إفساح الطريق أمام الشباب للالتحاق بالوظائف الحكومية لذا نرى أن الطلبة كانوا يشكلون واحدة من أهم القوى الضاربة فى الحركة الوطنية بعد المحامين، وقد ذكرت إحدى الدراسات أن النحاس قد نجح فى تحويل الطلبة من مجرد قوى ضاغطة إلى جعلهم أحد الأدوات الرئيسة للوفد، وقد سئل الكاتب إبراهيم فرج باشا عن اشتراك النحاس فى تنظيم الطلبة فى ثورة 1919، فأكد ذلك، وهو ما يتفق مع كونه وكيلا لنادى المدارس العليا. ويؤكد عبدالرحمن فهمى فى مذكراته أن الشرطة قبضوا فى إحدى المظاهرات عددا من الطلبة وسجنوهم، وبدلا من أن يفر باقى الطلبة خشية إلقاء القبض عليهم، تقدمت جموعهم طالبة أن يقبض عليهم كلهم لأنهم مشتركون مع زملائهم فى الجريمة؛ فإن كانت هناك جريمة فإنهم يتحملونها كلهم مع بعض دون أن يختص بعضهم بشرف التضحية والألم فى سبيل الوطن دون البعض الآخر، وما كان أروع من رؤية الطلبة يقابلون الرصاص بصدورهم أنه إذا سقط رافع العلم فى مقدمة الموكب جريحا أو قتيلا تقدم غيره ويرفع العلم بدلا منه مناديا بحياة الوطن، فيردد وراءه الجميع النداء بقوة وحماس. وبوجه عام كان الطلبة هم قادة الثورة بحق، ليس بخطاباتهم التى ألهبت الثائرين فقط، بل كانوا حملة الأعلام وقادة المظاهرات، وانفتحت أمامهم أبواب السجون والمعتقلات ومن بينهم كان كثير من الضحايا الذين استبسلوا واستشهدوا، ولقد جذب هذا العمل الكبير الذى قام به الطلبة أثناء الثورة أنظار قيادة الوفد، وكان لهذا الدور الكبير الممتد للطلبة فى أثناء ثورة 1919 الصدى الواسع لانتشار الثورة بين جماهير الشعب، ويمكن بذلك أن نستخلص عدة حقائق: أن شمول الحركة التى فجرها الطلاب لكل طبقات الشعب قد أصاب السلطة العسكرية للاحتلال بالذعر، الأمر الذى جعلهم يتدخلون بعنف لقمع الحركة، ويصدرون الأوامر والتهديدات لمن يحاول مخالفة دعوتهم بمنع التظاهر والتجمع.

 

النحاس نائبًا ووزيراً

تناولت الدراسة مرحلة أخرى من مشوار النحاس.. فقد النحاس بالانتخابات، وأصبح مصطفى النحاس بذلك أول نائب وفدى ينتخب لدائرة سمنود، غربية، وشكل سعد أول وزارة برلمانية فى مصر واختار مصطفى النحاس وزيرًا للمواصلات، وعمت البلاد فرحة كبرى ايمانًا منها أنها قادمة على حياة أفضل حياة الاستقرار والبناء والرخاء من أجل جماهير الشعب كل الشعب، وقد ترأس وزارة المواصلات حيث إن رحلته من قاض إلى وزير تعتبر مسافة طويلة، وشوط لم يكن أحد ليقطعه فى النظام القديم، ولكنها كانت أقصر من غيرها فى النظام الجديد، واستحقاقا تاما لرجل لم يكن يوم غادر وظيفته مضحيا بها، ماذا سيحل به غدا، وكذلك دوما هى الديمقراطية تطلب رجالا مخلصين؛ فقدر لمصطفى النحاس أن يكون من الأكفاء المستحقين لأنها كانت معتدة ومحتفظة به لحراسة هذه الديمقراطية نفسها التى عرفت قيمته، وشهدت له بكفاءته، فإن حياة مصطفى النحاس السياسية ظلت كلها دفاعا مستمرا عن الدستور، وكفاحا مستطيلا عن النظام الديمقرطى؛ حيث إن سعدا فى هذا الدستور بنى للأمة المصرية ديمقراطيتها، ورغم ما عرفته من مصاعب، ورغم قصر مدة البناء إلا أن النحاس دائما ظل الحارس الثقة الأمين، ونجحت الديمقراطية منذ بدايتها، حيث صحب قيام البرلمان توفيق كبير، وأثمرت الحياة النيابية ثمرات طيبة، كان من بينها إصدار قانون الانتخاب المباشر.

علاقة النحاس بجماعة الإخوان المسلمين

احتدم الخلاف بين الوفد والإخوان المسلمين بعد أن تولى المرحوم إسماعيل صدقى كرسى الوزارة سنة 1946 حيث أراد أن يواجه الوفد بالإخوان المسلمين، ويروى فؤاد باشا سراج الدين أن علاقة الإخوان بالوفد كانت طيبة وأنه خطب ذات يوم بالمركز العام «بالحلمية»، وشجع الجمعية بوصفه وزيراً، للشئون الاجتماعية، ثم قال إنه يأسف لتدهور العلاقات بين الوفد والإخوان فيما بين عامى 1945 و1950 حيث تغيرت الصورة تغييرًا كبيرًا إذ حاولت الحكومات أن تتخذ من الإخوان قاعدة شعبية لمحاربة الوفد، وقد مهد لهم حسنين باشا وغيره ممن كان يتصل بزعمائهم، كما اتصل بهم إسماعيل صدقى باشا لاستغلالهم فى المجال السياسى، حيث إن صدقى أراد استغلال الإخوان فى المفاوضات مع بيفن، وكان ذلك بعد وصول البنا من لندن بساعتين؛ حيث أطلعه على مشروع الاتفاقية، وهنا أحس المرشد العام أنه أصبح زعيما فوق الأحزاب لدرجة أن عرض عليه مقابلة النحاس باشا فطلب أن يذهب النحاس باشا إليه!!

ولما شعر المرشد العام بهذا الاهتمام تبين له أنه أصبح زعيما حيث يتودد إليه القصر، وكذلك الحكومات والأحزاب، وكان الوفد يتعامل معه بحزم، إذ إنه فى عام 1944 تلقى وزير الداخلية تقريرًا بأن الأحزاب يستقبلون المرشد العام بمظاهرات فى الشوارع وموسيقى وهم فى ملابس المليشيا، فاستدعى المرشد العام وخيره بأن تظل الجماعة جمعية دينية أو تتحول إلى حزب سياسى يمكن أن تعامله الحكومة كما تعامل باقى الأحزاب، ولكن المرشد العام قال إنه لا يستطيع أن يستعيض بالدعوة إلى الله أى دعوة أخرى وأعلن أنه سيوقف كافة هذه الإجراءات. ولكن بقى الوفد بزعامة مصطفى النحاس يرفض عمل الجماعة فى السياسة بوضوح وبشكل معلن.