رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

فى الذكرى الـ17 من رحيله... فؤاد سراج الدين الزعيم الذى عاش ألف سنة

فؤاد سراج الدين خلال
فؤاد سراج الدين خلال محاكمته

 

 يقول تشارلز دى جال "الإنجازات العظيمة فى التاريخ من صنع رجال عظماء ، وهؤلاء العظماء عظماء لأنهم عقدوا العزم على أن يكونوا عظماء " . تلك مقولة مُناسبة  للحديث عن ذكرى فؤاد سراج الدين السياسي الذى عاش ألف عام .

عندما كتب الفنان يوسف وهبى مُذكراته عنوّنها بـ" عشت ألف عام " وذكر فى مُقدمتها أنَّ الأحداث التى جرت فى حياته من ثرائها وتنوعها وتحولاتها تجعل عمره كمَن عاش ألف سنة .

مع فوارق عديدة فإنَّ فؤاد سراج الدين زعيم يستحق العبارتين السابقتين ، فهو عظيم عقد العزم أن يكون عظيماً ، ورجل عاش ألف عام .

يكفى القول إن فؤاد سراج الدين عمل وكيلاً للنيابة، ومديراً لأملاك عائلته ، ونائباً بالبرلمان ، ووزيراً فى خمس وزارات ، وسكرتيراً لحزب الوفد، ورئيساً للوفد . وهو فى الوقت نفسه عمل بالسياسة فى عهود خمس حُكام متعاقبين ومُتنوعى التوجهات والسمات ، ودخل السجن 4 مرات، وحُددت إقامته، وناضل ضد الطغيان، والاستعمار ، والفساد ، وكبت الحريات .

تاريخ ميلاده محل خلاف حتى على شبكة "ويكيبديا " فهناك تاريخين الأول نوفمبر 1910 والثانى موفمبر 1911 ، وإن كان البعض يرى أن التاريخين قد لا يعكسان الحقيقة خاصة أن كثيرًا من الأسر فى الماضى كانت تُسجل أبنائها بعد ميلادهم بسنوات .

على أى حال، فالرجل من أسرة عريقة تُمثل طبقة الأعيان حيث كان والده سراج باشا شاهين ، ووالدته هى زكية هانم بدراوى ، وقد شبَّ ككثير من أبناء جيله على مظاهرات واعتصامات واضرابات انطلقت مع ثورة 1919 طلباً للاستقلال الوطنى لمصر من الاحتلال البريطانى .

ومثل كثيرًا من شباب مصر فى ذلك الوقت فقد كانت مدرسة ( كلية ) الحقوق مبتغى كثير من المصريين المتحمسين للعب دور وطنى فى تحقيق الاستقلال لبلادهم . إن الكاتب الكبير نجيب محفوظ يُعبّر عن ذلك بوضوح فى ثلاثيته الشهيرة من خلال حوار كمال عبد الجواد مع والده الذى يتوقع التحاق ابنه بكلية الحقوق مثلما فعل شقيقه فهمى الذى استشهد فى مظاهرات الثورة .

الأوراق الرسمية تذكر أن فؤاد سراج الدين تخرج من كلية الحقوق سنة 1930 وعمل وكيلاً للنائب العام ، لكنه لم يشعر بتحقيق ذاته فى العمل الحكومى، فاستقال وتفرّغ لادارة أملاك أسرته، قبل أن ينضم فعلياً إلى الهيئة الوفدية منتصف الثلاثينيات .

كان فؤاد سراج الدين يعرف طريقه جيداً، فالسياسة تعنى احتكاكًا مباشرًا بالجماهير وممارسة حقيقية للعمل العام ، والبداية الحقيقية فى البرلمان ، لذا فقد ترشح على قوائم الوفد ، وفاز ليصبح أصغر عضو فيه ، ولم يلبث أن لفت الأنظار بنشاطه وحيويته وكاريزمته وقدرته على التأثير فى الجماهير .  

وإذا كان البعض ممَن انتقدوا الوفد قديماً وحديثاً قد أشاروا إلى الحزب باعتباره تجمعاً للشيوخ وكبار السن ، فإن تاريخ فؤاد سراج الدين داخل الوفد يشطب تماماً على تلك الفرية ، وليس أدل من ذلك على توليه وزارة الزراعة سنة 1942 وعمره 32 سنة ، ثُم لم يلبث أن تولى وزارة الداخلية ، ووزارة الشئون الاجتماعية، وهو فى نفس العمر .

ولاشك أن النجاح الكبير الذى حققه فؤاد سراج الدين خلال حكومة الوفد سنة 1942 أهلته ليواصل عمله السياسى ويترشح فى مجلس الشيوخ ليصبح أصغر عضو فيه سنة 1946 ، كذلك فقد تولى الرجل منصب سكرتير عام الوفد وهو لم يكمل بعد عامه الأربعين .

لقد تنوعت الأدوار الوزارية التى شغلها فؤاد سراج الدين خلال حكومتى الوفد الأخيرتين حتى أنه ضرب الرقم القياسى حيث شغل 5 وزارات هى الزراعة، المواصلات، الشئون الاجتماعية، المالية، والداخلية .

فؤاد سراج الدين مع مصطفى النحاس وعائلته وأم كلثوم فى إحدى الحفلات

 

 

وإذا كان كثير من خصوم الوفد رأوا فى دخول فؤاد سراج الدين إلى الوفد غلبة لتيار الاستقراطية المصرية داخل حزب كان دائماً مُعبراً عن الطبقة الوسطى ، فإن مراجعة بسيطة لانجازات فؤاد سراج الدين داخل الوزارات التى شغلها تُبرهن بقوة أنه كان أكثر انحيازاً للعدالة الاجتماعية والطبقات الدُنيا من أعتى أنصار اليسار . ويمكن تلخيص تلك الإنجازات فى قوانين العمال التى أصدرها سنة 1943 ، وقانون النقابات العمالية ، وقانون عقد العمل الفردى ، وقانون الضمان الاجتماعى ، وكلها قوانين لا تصدر عن شخص يُمثل تيار الأثرياء وإنما يُعبر بشدة عن مصالح الطبقات الوسطى والدنيا .

وليس سراً أن قانون مجانية التعليم الذى أصدرته حكومة الوفد الأخيرة كان باقتراح منه .

والغريب أنَّ فؤاد سراج الدين فرض ضرائب تصاعدية على كبار ملاك الأراضى الزراعية عندما كان وزيراً للمالية غير عابئ بتأثير ذلك على أسرته التى كانت تعد من كبار الملاك .

كذلك كانت من إنجازات فؤاد سراج الدين التى تناساها الناس قراراه بتأميم البنك الأهلى المصرى الذى كان يمتلكه الأجانب وحوله إلى البنك المركزى . وفوق كل ذلك فقد حوّل مقاومة المصريين للاحتلال البريطانى إلى مقاومة مُسلحة عندما نظّم وموّل ويسّر حرب الفدائيين ضد الجيش البريطانى فى مدن القناة . وكانت ذروة المجد معركة الإسماعيلية فى 25 يناير سنة 1952 عندما أمر ضباط شرطة الإسماعيلية بعدم تسليم أسلحتهم للبريطانيين والمقاومة وهو ما أسفر عن استشهاد عدد من رجال الشرطة ،وصار ذلك اليوم عيداً للشرطة حتى الآن .

               فؤاد سراج الدين خلال محاكمته

 

وتظل صلابة وقوة فؤاد سراج الدين مضرب الأمثال فقد واجه بشجاعة صلف وغطرسة السلطة بثبات وقوة . فبعد أسابيع قليلة من قيام حركة يوليو سنة 1952 تم اعتقال فؤاد سراج الدين فى السجن الحربى ، ثم أفرج عنه بعد ثلاثة أشهر ، وأعيد اعتقاله مرة أخرى فى يناير 1953 بعد قرار حل الأحزاب وقُدم إلى محكمة الثورة مع من حوكموا من العهد السابق ، وتحولت محاكمته كما يرصد الكاتب الكبير صلاح عيسى إلى ساحة للإشادة بمناقبه ودوره الوطنى ، عندما شهد وجيه أباظة وهو أحد الضباط الأحرار بأن فؤاد سراج الدين كان يُدعم معارك الفدائيين فى قناة السويس ضد بريطانيا . ورغم ذلك رأى ضباط يوليو أن يصدر حُكم صورى لادانته ثم يتم الافراج عنه وهو ما حدث حيث

صدر ضده حكم بالسجن 15 عاما ، لكنه أفرج عنه مرة أخرى سنة 1955 .

وأعيد اعتقال فؤاد سراج الدين سنة 1961 لمدة عدة أشهر بسبب وشايات بعدائه لعبد الناصر ، ورغم ذلك فقد خرج صلبا ، قويا، عازماَ على العودة إلى العمل السياسى ، وهو ما دفعه إلى العمل لاعادة حزب الوفد للحياة السياسية فى عهد السادات عندما أعلن عن انشاء حياة حزبية جديدة  . وفوجئ الرئيس السادات بنقدم نحو مليون عضو للتسجيل فى قوائم الوفد وخشى من شعبيته فأصدر قانوناً خاصا بعنوان " العزل السياسى " ليمنع سياسى ما قبل ثورة يوليو من انشاء أحزاب .

ولجأ رئيس الدولة إلى تسخير أدوات الإعلام للسخرية من فؤاد باشا سراج الدين والإساءة إلى تاريخ الوفد، ووصل الأمر إلى  وخشى السادات من شعبية الوفد ، فحظر انشاء أحزاب ما قبل ثورة يوليو ، ولجأ إلى السخرية والتهكم من فؤاد سراج الدين نفسه ، وقال فى خطاب شهير وهو يقصده واصفاً إياه بلويس السابع عشر ، ثُم إدعى أن رجال الوفد كانوا يُضربون بـ" الصرم " فى زمن الإنجليز .َّولم يصمت فؤاد سراج الدين ، ولم يتخاذل ، ولم يجبن وانما رد بقوة وجرأة فى خطاب شهير مازال أرشيف رئاسة الجمهورية يحتفظ به . وقال "سراج الدين " فى خطابه : " لقد نسبتم الينا فى خطبكم وبياناتكم المتلاحقة صفات كثير مثل " السقالة " البذاءة " والرذالة ووصل الأمر الى أن ذكرتم فى خطابكم الأخير بجامعة الاسكندرية فى يوم 16 مايو بأن الانجليز كانوا يضربوننا بالصرم ." وأضاف قائلاً :  "إننا ياسيادة الرئيس لم نكن من الرجال الذين يضربون بالصرم ..ومن يحاربون الانجليز فى معركة القناة فى عام 1951 ويطلقون الرصاص لا يمكن أن يضربوا بالصرم ..ومن يمنعون السفن الانجليزية بالقوة من اجتياز خليج العقبة حفاظا على سيادة مصر لا يصدق عنهم أنهم  يضربون  بالصرم ..ومن يلغون معاهدة 1936 متحدين الانجليز ولهم عشرات الألوف من الجنود فى قاعدة القناة لا يمكن أن يقال عنهم انهم كانوا يضربون بالصرم .."وقال أيضا فى خطابه : " إن هذه الألفاظ جديدة على قاموس السياسة المصرية ، وأرجو أن تصدقنى اذا قلت لك انها تترك فى مشاعر الشعب المصرى أسوأ الأثر ..إنك تدعو المواطنين لنبذ ألفاظ العيب والتمسك بأخلاق القرية ، فهل من أخلاق القرية توثيق الخصم بأشد القيود وحرمانه من كافة وسائل الدفاع عن نفسه ."

      السادات يخطب فى أحد المساجد

 

وفيما بعد دفع فؤاد سراج الدين ثمن الرد على إساسات وافتراءات رئيس الجمهورية  وكتب الرئيس السادات على خطابه عبارة " يعاقب باعتقاله عند صدور الأمر " وبالفعل تم اعتقال زعيم الوفد فى اعتقالات سبتمبر عام 1981  رغم أن عمره وقتها تجاوز السبعين عاما ،والتقى صلاح عيسى فى السجن بفؤاد باشا وافتتن بشخصيته وكتب عنه باستفاضة فى كتاب " شخصيات لها العجب " . كان صلاح عيسى  مستاء من وصف " الباشا " المقترن دائما بفؤاد سراج الدين ، وعندما رآه وتحادث معه ، وتعلّم منه فى السجن لم يجد أصدق من هذا الوصف تعبيرا عن الرجل ذى العقلية الوطنية  الواعية القادرة على التنبوء وقراة الاحداث قراءة جيدة .

                        فؤاد سراج الدين مع الكاتب الراحل مصطفى أمين

 

 

ويقرر الوفديون بعد ذلك عودة حزب الوفد عن طريق القضاء ويحصل الوفد على حكم بالفعل عام 1984 للعودة للعمل السياسى مرة أخرى ليكرر "سراج الدين " النضال  من أجل الديمقراطية والحرية . ويخوض الوفد انتخابات البرلمان عام 1984 ليحقق نتائج جيدة رغم التزوير ويكرر التجربة عام 1987 ثم يقرر الوفد مقاطعة الانتخابات البرلمانية لعدم وجود ضمانات ، ويظل نضال " سراج الدين " عنوانا لمرحلة عظيمة فى تاريخ مصر ، لذا لم يكن غريبا أن تخرج جموع المصريين مودعة له فى جنازة شعبية عظيمة فى اغسطس عام 2000  ليبقى حكم التاريخ أعظم وأفضل وأصدق له ولمن وفىَّ وأعطى ومنح هذا الوطن باخلاص وعزيمة ودون حدود .