رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الوفد داخل دار «تعذيب» المسنين

بوابة الوفد الإلكترونية

تحقيق: حسام أبوالمكارم / تصوير: محمود سالم / إشراف :نادية صبحي

 

 

وكأن جحود أبنائهم لم يكن كافياً ليشعروا بالمرارة فى آخر سنوات العمر.. وإيداعهم دوراً غريبة لم يألفوها.. بعد أن ودعوا بيوتهم التى شهدت سنوات الشقاء فى تربية الأبناء.. ليجد رجال ونساء اشتعل رأسهم شيباً.. قسوة من نوع آخر داخل دور من المفترض أنها لرعايتهم.

منذ ساعات قليلة انتقل فريق الإنقاذ السريع بوزارة التضامن إلى إحدى دور رعاية المسنين للتحقيق فى وقائع وإهمال وتعذيب وسوء معاملة يتعرض لها نزلاء دار مسنين «المروة» الواقعة فى مصر الجديدة.

«الوفد» انتقلت إلى الدار لنقل صورة من واقع أليم يعيشه المسنون فيها.. وهى مجرد نموذج لعشرات الدور التى أغلقت أبوابها على آلام العجائز وصرخاتهم.. بعد أن تحجرت قلوب القائمين على رعايتهم كما تحجرت قلوب الأبناء من قبل.

خلف أسوار وأبواب من الحديد لا تفتح سوى لخروج أحد العاملين أو استقبال زائر، يعيش العديد من المسنين داخل دار المروة للرعاية بمصر الجديدة، التى تحولت بفعل فاعل إلى أشهر دار بعد واقعة الاعتداء على أحد النزلاء من قبل القائمين على رعاية كبار السن بداخلها، ما كشف الغطاء عن حالة الإهمال وعدم تأهيل العاملين بها للتعامل مع كبار السن، لكن واقعها  لا يختلف كثيراً فيما تعانيه العديد من دور الرعاية من عدم وجود بنية أساسية صحيحة، والاعتماد على عاملين غير مؤهلين نفسياُ لرعاية المسنين، العمل دون متابعة أو تقييم لأدائهم.

بدأت قصة دار المروة للرعاية في الاهمال وكشف المستور بعدما تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعى مقطع فيديو تضمن تعرض نزلاء الدار لسوء معاملة المروة لرعاية المسنين والمسنات بمصر الجديدة، الأمر الذى دفع فريق التدخل السريع التابع لوزارة التضامن الاجتماعى، بالفحص والتحقق.

وعقد الفريق جلسات فردية وجماعية مع عدد من نزلاء الدار والعاملين وتبين وجود قصور في الرعاية والخدمات المقدمة بالدار، ووجود عجز شديد في الجهاز الوظيفي ووجود إساءة وضرب واعتداء على نزلاء في الدار من قبل أحد العاملين.

وقد رفع فريق التدخل السريع تقريره لوزيرة التضامن الاجتماعي، غادة والي، التي وجهت بسرعة تحرير محضر بالوقائع في قسم شرطة مصر الجديدة، وجارٍ الآن استكمال تحرير المحضر بشأن كافة وقائع الإساءة التي تم رصدها بالدار، مع اتخاذ كافة الإجراءات القانونية والإدارية اللازمة من قبل الوزارة تجاه الدار والجمعية التابعة لها الدار، مما دفع رئيس الادارة المركزية للرعاية الاجتماعية للكشف عن خطة متابعة وتقييم لكافة دور الرعاية التى يبلغ عددها 168 دار بجانب دور رعاية الايتام، وخطة تطوير بميزانية تقدر 123 مليون جنيه قابلة للزيادة لإعادة تأسيس دور الرعاية والأيتام، وتدريب العاملين بها ليكونوا قادرين على كيفية التعامل مع كبار السن لمنع تكرار مثل هذه الحوادث والحفاظ على أهداف التى أنشئت من خلالها هذه المؤسسات.

< «الوفد»..="" قامت="" بجولة="" داخل="" الدار="" محل="">

فقدانها للصواب والأهداف التى قامت من أجلها، جعل القائمين عليها يعتقدون أن جلوس المسنين على  كراسي من البلاستيك والحديد الصلب في الممرات وأمام الباب الرئيسي، قمة في الاهتمام والترفيه والرعاية للمسنين.

 مجرد أن تفتح الأبواب أمامك تجد كبار السن يجلسون فى الممرات وإحدى الغرف المخصص لهم لتناول الأطعمة، سيدات ورجال الإهمال يطفو على ملامحهم بعضهم يتناول الاطعمة والبعض يشعل سيجارته وبعضهم يجلس مثل الأموات.

رائحة الأكل المتناثر على المقاعد تكاد تكتم أنفاسك عند انتظارنا للاطلاع على الإجراءات والشروط التى تضعها الدار لاستقبال مسن إليها، غرف ومكاتب يجلس بداخلها المختصون، وبحذاء من البلاستيك «شبشب» يستقبلنا أحد العاملين، يسير وسط المسنين دون اهتمام بمظهرة، يعامل الكل بتعالٍ وكبرياء كأنه خلق من طين أخرى غير باقي البشر، يتحدث إلينا قائلًا: علشان تجيب أحد المسنين إلينا لابد من اكتماله الستين من عمره»، ولكن يمكن أن تنهى بعض الإجراءات فى الشئون الاجتماعية حتى يتم قبولها فى الدار، بهذه الكلمات استقبلنا أحد العاملين بالدار بعد أن أبلغناه أننا نريد أن يخضع أحد الأقارب فى دار المروة للمسنين.

بعدها استدعي احدى الموظفات، المسئولة عن الاستقبال لمعرفتنا  بالمصاريف وباقى الإجراءات، جاءت السيدة وهى ترتدى ملابس عليها بقايا من الطعام وتمسك بيدها كيس «قمامة» ومعلقة لتناول الطعام، قائلة: مصاريف إقامة النزلاء 1650 جنيهاً شهريًا، وتأمين 1650 يتم استردادها عندما يغادر النزيل الدار وتقدم له وجبات فراخ  ولحمة سمك، ويتم الاهتمام بنظافتهم الشخصية بشكل يومى ويتم التعامل معهم من قبل مختصين للعمل على راحتهم.

وهذا ما اكتشفناه أنه مجرد كلام.. لأن الواقع الذى رأيناه على وجوه المسنين يختلف تماماً.. فوجوههم يكسوها البؤس وملابسهم متسخة وأجسادهم هزيلة وعيونهم  ذابلة وكل منهم يجلس، بعضهم وضع رأسه بين يديه وكأن هموم الدنيا تراكمت فأزاحت عنهم كل سبل الفرح والسعادة كما أن رائحة الطعام سيئة ولا تطاق.

وأضافت السيدة أن دار المروة تقوم برعاية المسنين كأنهم فى منازلهم، كلام لا يطابق الواقع الذى تشاهده منذ الوهلة الأولى لدخولك الدار.

من الواضح أن المصلحة والعمل للحصول على الأجر هو أقصى طموح الجهاز الوظيفي للدار، دون مراعاة بالأهداف السامية التى قامت عليها الدار لمراعاة احتياجات هؤلاء الكبار الذين يحتاجون لفهم ووعى دقيق بالمرحلة التى يمرون بها، ما يجعل الاعتماد على العمل التطوعى

للرعاية افضل من العاملين بالأجر.

 

 

خبراء قانون وعلم نفس ودين:

موظفو الرعاية بحاجة إلى تأهيل «نفسى»

أكدت سمية الألفى رئيس الإدارة المركزية للرعاية الاجتماعية، أن وزارة التضامن تقوم بمتابعة ورصد كافة دور رعاية المسنين على مستوى المحافظات لرصد المخالفات ومتابعة الخدمات المقدمة للمسنين من قبل الإشراف والمتابعة والزيارات الميدانية، مؤكدة أن الوزارة وضعت خطة لتطوير دور رعاية المسنين ودور الإيتام بتكلفة 23 مليون جنيه قابلة للزيادة  للنهوض بالبنية الأساسية لدور المسنين فى الفترة القادمة وعدم حدوث أى انتهاكات لحقوق المسنين.

وأشارت الألفي، إلى أن يوجد فى مصر 168 دار رعاية للمسنين تتمركز معظمها فى القاهرة والجيزة والإسكندرية خاضعة للإشراف والمتابعة من قبل وزارة التضامن، موضحة أن جميع دور رعاية المسنين فى مصر تابعة للجمعيات الأهلية وليست لوزارة التضامن الاجتماعى.

ووحول الإجراءات التى تتخذها وزارة التضامن فى حال مخالفة دار رعاية المسنين أكدت أنه فى حال مخالفة الدار للشروط والمواصفات التى تضعها الوزارة فى التعامل مع المسنين يتم سحب التراخيص منها، أو تحويلها للنيابة للتحقيق والوقوف على الحقيقة والأسباب التى أدت إلى ذلك حتى تتم معاقبة المتسببين فى الانتهاكات لكبار السن.

وأوضحت رئيس الإدارة، أن الوزارة تقوم بعمل تقييم شامل لكافة دور الرعاية وحصر كافة التفاصيل حتى يتم النهوض بها، والعمل على تدريب كافة العاملين بها، مضيفة أن 30% من دور الرعاية الموجودة فى مصر.

وعن الحلول المقترحة والحد من تكرار الاعتداء وانتهاك حقوق النزلاء أردفت، أن تدريب الجهاز الوظيفى فى دور رعاية المسنين هو الحل للقدرة على كيفية التعامل مع النزلاء.

يرى الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى بالأكاديمية الطبية، أن العاملين داخل دور الرعاية غير مؤهلين للتعامل مع المسنين، لافتًا إلى أن الحل لعدم تكرار انتهاكات والاعتداء على النزلاء الاعتماد على المتطوعين فى خدمة ورعاية المسنين أفضل من الاعتماد على  العاملين بالأجر.

وتابع: «العاملون فى دار رعاية المسنين غير مؤهلين للعمل ولا يوجد لديهم استعداد فطرى لتقديم الخدمة بطريقة صحيحة لكبار السن وليست لديهم دراية بكيفية التعامل الصحيح، مشددًا على أهمية التأهيل النفسي لكافة العاملين ومنحهم دورات قادرة على استيعاب طرق التعامل الصحيحة فى دور الرعاية».

وقالت انتصار السعيد رئيس مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية القانونية، إن واقعة الاعتداء على أحد النزلاء بدار المروة يوضح مدى الخلل داخل دور رعاية المسنين، موضحة أن هذه الواقعة تؤكد عدم تأهيل الجهاز الوظيفى للدار.

وطالبت السعيد، بضرورة اختيار العاملين بدار رعاية المسنين ودور الايتام أنه يجب أن يخضعوا لاختبار وخضوعهم للكشف الطبي والنفسي حتى يتم التأكد من مدى ملاءمتهم للوظيفة التى يشغلونها فى الدار حتى لا تتكر مثل هذه الحوادث المؤسفة فى المجتمع.

وقال الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن من يضع والديه فى دار مسنين وهو قادر على رعايتهما عاق للوالدين ويبعد عن الجنة، لافتًا إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال عن الأم : إلزم قدميها فإن الجنة تحت أقدام الأمهات».

وأكد كريمة أن الدين وضع رعاية الوالدين فى مرحلة الشيخوخة أعلى درجات البر والصلة، مستشهدًا بحديث الرسول «ص» «بروا آباءكم، تبركم أبناؤكم»، والجزاء من جنس العمل، قائلًا : للأسف نحن فى زمن وتقليد المجتمعات غير المسلمة ما أدى إلى انتشار الظاهر السلبية فى المجتمع والإهمال من قبل الابناء لوالديهما.

وتابع: من تطوع له نفسه المريضة الضعيفة أن يضع والديه فى دار للمسنين بدون عذر قهرى  فهو «عاق».