رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

واتس آب الوفد.. محمد صابر يكتب: ثورة يوليو وتعميق العلاقات المصرية الأفريقية

ثورة 23 يوليو
ثورة 23 يوليو

شارك محمد صابر بكر مناع الحاصل علي ماجستير الدراسات الأفريقية من جامعة القاهرة، بوابة الوفد بمقاله: "ثورة 23 يوليو وتعميق العلاقات المصرية الأفريقية.

يُعتبر جزءاً كبيراً من واقع العلاقات المصرية الأفريقية رهناً بمتطلبات وميزات أتاحتها تلك الرقعة الجغرافية لمصر, ولذلك فإن لهذه العلاقات بداية متصلة ومرتبطة تمتد إلي جذور التاريخ, وارتبطت بروابط تجارية وثقافية وحضارية, عززها الحراك نحو الرغبة في معرفة منابع النيل وإقامة العلاقات التجارية مما أثر بدوره علي الجانب الثقافي والحضاري ؛ فالملكة العظيمة حتشبسوت ركبت النيل وتوغلت داخل القارة الأفريقية سعياً لإقامة علاقات تجارية مع شعوب النيل ولا يزال جدران معبد حتشبسوت بالبر الغربي بالأقصر شاهداً علي بداية هذه العلاقات.

وقد كانت هذه العلاقات حتي ثورة 23 يوليو 1952 محدودة وبسيطة للغاية, ولم تكن هناك أي تأثيرات مصرية ملحوظة علي الدول الأفريقية بإستثناء دول حوض النيل والتي حاول محمد علي باشا وسلفه الخديوي اسماعيل اخضاعها؛ وذلك تحقيقاً للمصالح المصرية في الحفاظ علي مياه النيل.

ومع شروق شمس ثورة 23 يوليو برزت مجموعة من التحديات أمام رجالها وحتمت عليهم العمل علي تعميق العلاقات المصرية الأفريقية, كان أبرز هذه التحديات هو تحقيق البعد الأمني لمصر من خلال تأمين منابع النيل والبحر الأحمر ومواجهة التسلل الإسرائيلي حيث كانت اسرائيل تحاول التسلل إلي القارة لضرب مصر في علاقتها بدول حوض النيل وإيجاد موطئ قدم لها في البحر الأحمر ولتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية.

وكان للنظام الذي تشكل بعد قيام الثورة أثره الفعال في تحديد مستقبل قارة أفريقيا السياسي , وخاصة فيما يتعلق بمساندة النظام الجديد لحركات التحرير الوطني, وتقرير المصير, وتصفية الاستعمار الأوربي, ومساعدة القارة علي الإنطلاق والتنمية. ومن حسن طالع أفريقيا أن جمال عبدالناصر قائد الثورة الجديدة تبنى نهجاً مناهضاً للإستعمار وشجع علي وضع نهاية  لهذه الظاهرة البغيضة .

وفي كتابه ( فلسفة الثورة ) يرسم  جمال عبدالناصر ملامح السياسة الجديدة، فيكتب: " أيمكن أن نتجاهل أن هناك قارة أفريقية شاء لنا القدر أن نكون فيها, وشاء أيضاً أن يكون فيها صراع مروع حول مستقبلها، وهو صراع سوف تكون آثاره لنا أو علينا سواء أردنا أم لم نرد؟ إننا لم نستطع بحال من الأحوال حتي لو أردنا أن نتقف بمعزل عن الصراع الدامي المخيف الذي يدور في أعماق أفريقيا بين خمسة ملايين من البيض ومائتي مليون من الأفريقيين, ولسوف تظل شعوب القارة تتطلع إلينا نحن الذين نحرس الباب الشمالي للقارة, والذين نعتبر صلتها بالعالم الخرجي كله, ولن نستطيع بحال من الأحوال أن نتخلي عن مسؤوليتنا في المعاونة بكل ما نستطيع علي نشر النور والحضارة حتي أعماق الغابة العذراء ".

وبالفعل جاءت الثورة المصرية لتجعل من أرض مصر قاعدة للثورة الأفريقية. وأصبحت مصر الحليف القريب لحركات التحرر في القارة, فقدمت العون الفعال من تدريب عسكري, وتوفير السلاح , وكذلك توفير المناخ السياسي من خلال السماح لها بتأسيس مكاتب لها في القاهرةلتوثيق الصلة بين هذه الحركات والعالم الخارجي, فتأسس في القاهرة مقر لحزب الاتحاد الوطني الكيني, وحزب المؤتمر الوطني لجنوب أفريقيا, والحزب الوطني الزنزباري, والحركة الشعبية لتحرير أنجولا.

بجانب ذلك أسهمت الكليات العسكرية المصرية في هذا المجال من خلال تدريب الأفارقة وتسقيفهم عسكرياً، وعرفاناً بالجميل وجد نيلسون مانديلا طريقة إلي القاهرة عندما خرج من السجن، حيث زار مقر حزب المؤتمر الوطني لجنوب أفريقيا، وطلب زيارة قبر الزعيم جمال عبدالناصر.

وقامت مصر أيضاً بدعوة ممثلي حركات التحرر الأفريقي لحضور دورات الأمم المتحدة بصفة مراقب علي نفقتها الخاصة , لكي تتمكن هذه الوفود من عرض قضاياها علي وفود الدول المشاركة.

إلي جانب ذلك انطلقت إذاعة ( أفريقيا الحرة) التي تأسست في القاهرة عام1957 من أجل مخاطبة الأفارقة لشعوبهم، ولعبت دوراً مهماً في دعم حركات التحرر الأفريقية ونصرة القضايا الأفريقية بشكل عام.وكانت تذيع باللغات الأفريقية المحلية كاللغة السواحلية  الموجهة لدول شرق أفريقيا بجانب الإذاعة الموجهة باللغة الأنجليزية والتي بدأ إرسالها في عام 1961بهدف مساعدة الشعوب الناطقة باللغة الإنجليزية في شرق ووسط وجنوب القارة, وأيضاً لغة الهوسا  التي بدأ إرسالها 1959 لخدمة المتحدثين بهذه اللغة المنتشرة في غرب القارة, واللغة الفرنسية واليوروبا والولوف والفولانية لخدمة شعوب موريتانيا ومالي والسنغال وغيرها .

وكان لإنشاء الرابطة الأفريقية في عام 1955

في القاهرة عاملاً مهماً في خلق إطار أفريقي من العمل المشترك وتبادل الخبرات بين الزعماء واللاجئين السياسيين الأفارقة في القاهرة.

وإلي جانب ذلك، تأسست في القاهرة عام 1957 حركة ( التضامن الآسيوي الأفريقي )  التي امتدت فروعها إلي العديد من الدول الأفريقية وانضم لها العديد من القيادات الأفريقية التي ساهمت في نصرة القضايا الأفريقية في ذلك الوقت .

ومن جانب أخر، واجهت مصر بكامل قواها الحركات الانفصالية عندما ساندت باتريس لوممبا عام 1960 لإنهاء الحركة الانفصالية في اقليم كاتنجا بالكونغو، كذلك وقفت مصر مع الحكومة الاتحادية في نيجيريا لإنهاء حركة الانفصال التي قامت في إقليم بيافرا عام 1967، برغم ما كانت تعانيه من أثار نكسة هجوم اسرائيل عليها في نفس العام، كما يرجع لمصر بجانب الإمبراطور الأثيوبي هيلاسيلاسي الفضل في إنشاء وتأسيس منظمة الوحدة الأفريقية لتدعيم الوحدة الأفريقية, وعقدت مؤتمرها الأول في القاهرة في عام 1964 .

أما في مجال التعاون الاقتصادي، فقد أنشأ الرئيس المصري جمال عبدالناصر في عام 1955 الصندوق المصري للتعاون مع أفريقيالخدمة الدول الأفريقية التي نالت استقلالها حديثاً، وذلك لسد النقص الحاصل بسبب الفراغ الذي أوجده الاستعمار عمدأ، حيث قام الاستعماربسحب خبرائة كوسيلة ضغط علي الحكومات المستقلة حديثاً- من خلال إرسال عشرات الخبراء المصريين من الأطباء والمهندسين والأساتذة إلي مختلف الدول الأفريقية، لتدريب الأفارقة في مجالات الصحة,والزراعة,وإنشاء السكك الحديدية , والتعليم, وإدارة المباني...إلخ، بمعني أخر، قدمت مصر نموذجاً للتكامل مع أشقائها الأفارقة.

وأنشأت مصر شركة النصر للإستيراد والتصدير, التي أقامت شبكة واسعة لمد نشاطها لمختلف الدول الأفريقية عامة ودول حوض النيل خاصة . كذلك أدركت مصر أن ثلثي صادرات هذه الدولعبارة عن منتجات زراعية, والباقي معادن خام, ومنتجات المناجم, لذلك تنبهت القاهرة إلي أهمية قيام تكامل اقتصادي بينها وبين الدول الأفريقية.

وعلي الصعيد الثقافي ساهمت الثورة في تعميق عملية التبادل الثقافي والتعليمي بين مصر والدول الأفريقية؛ فقد غدت القاهرة تناطح لندن وباريس في جذب الطلبة الأفارقة نتيجة الاف المنح الدراسية التي سهلت للطلبة الأفارقة الدراسة في الجامعات والمعاهد المصرية.

لكن منذ نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي ظهر علي السطح عدد منالمستجدات الداخلية أدت إلي تراجع العلاقات المصرية الأفريقية, مثلتوقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل, ومحاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسني مبارك، في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، وإنشغال مصر بالتنمية الإقتصادية الداخلية، مما أدي إلي تراجعت أشكال التعاون المصري الأفريقي,وظهر العديد من السلبيات نتيجة أزمة الثقة والشكوك المتبادلة التي عززتها المستجدات الدولية وظهور سلاح المال كلاعب رئيسي علي السطح لصالح العديد من الدول الكبري نتيجة اتساع دور الدول الأوربية المانحة والولايات المتحدة وإسرائيل في ميدان القروض والمنح والمساعدات,فتراجع التعاون المصري الأفريقي.

ولكن مع شروق شمس ثورة 30 يونيو 2013 تجدد الأمل من جديد نحو السير في طريق تعميق العلاقات المصرية الأفريقية.