رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عن مهنة القضاء

تعجبت كثيراً، من الذين احتجوا على بعض الأحكام القضائية،التى صدرت ببراءة متهمين من رجال الشرطة أو من أنصار العهد الماضى، وطالب الكثيرون بضرورة تطهير القضاء ظناً منهم أن رجال القضاء قد انحازوا إلى مثل هؤلاء المتهمين وخالفوا مبدأ العدالة، ونسى هؤلاء جميعاً، أن الله سبحانه وتعالى قد أمر كل من يحكم بين الناس أن يحكم بالعدل، وهذا هو ضمير ووجدان كل قضاة مصر.

للوهلة الأولى حزنت فى نفسى كثيراً، باعتبارى من رجال القضاء السابقين، من طن هؤلاء البعض، ولكن سرعان ما التمست لمثل هؤلاء الناس العذر، لأنهم لا يعلمون شيئاً عن مهنة القاضى، القاضى لا يرى أمامه ولا يحكم إلا بالأوراق والأدلة التى تقدم له، وبعد البحث والتمحيص، إما أن يحكم بالبراءة، أو يحكم بالإدانة، وفى كلتا الحالتين، فإن القاضى لا يحكم إلا بضميره، لأنه يرى الله سبحانه وتعالى دائماً فى أحكامه ويعلم علم اليقين أنه سيقابل الله سبحانه وتعالى وسيسأله عن هذه الأحكام وعن تطبيق العدالة، فالقاضى دائماً وأبداً يرى ضميره فى الأرض والله سبحانه وتعالى فى سماه ولا يعنيه فى قليل أو كثير إن برأ شخصاً بعينه أو أدان شخصاً آخر، من المعروف أن المبادئ القانونية التى يسير عليها القاضى تؤكد أنه «أولى به أن يبرأ مائة مذنب على أن يظلم أو يدين بريئاً واحداً».

ومن القواعد القانونية التى يهتدى بها القاضى الجنائى فى أحكامه دائماً «الشك يفسر دائماً لصالح المتهم»، هذه القاعدة يطبقها القضاة فى أحكامهم الجنائية، لأنهم على يقين بأن الله سبحانه وتعالى هو صاحب الحق الأول والأخير فى القصاص، فإذا ما أخفق القاضى فى تطبيق القصاص، فإن حكم الله سبحانه وتعالى أشد وأقسى بكثير من حكم القضاء.

وغنى عن البيان أيضاً، أن القاضى لا يحكم إلا من واقع ما يعرض عليه فى الأوراق من الأدلة، فإذا ما ساوره الشك فى أمر المتهم ولم يستطع أن يتأكد من ارتكاب الجرم المنسوب إليه حكم فوراً ببراءته، ومن هنا كانت أهمية مبدأ علانية المحاكمات، فالعلانية تبيح للجميع التوصل إلى ما يعرض على القضاء من دلائل قبل المتهم فيعرف الناس إن كان هذا المتهم بريئاً أو مداناً، وعلى ذلك فإن القرار الأخير التى اتخذته المحاكم بعلانية المحاكمات، قرار صائب مائة فى المائة ويمنع القيل أو القال، فيما قد يصدر من أحكام.

ولمن لا يعلم، فإن جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد تصل عقوبتها إلى حد الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة ولا يمكن لأى قاض أن يحكم بمثل هذه العقوبة الشديدة، إلا إذا تأكد تماماً من أن المتهم الذى يمثل أمامه هو الذى اقترف الفعل المنسوب إليه، وهذا الأمر فى تقديرى يصعب ثبوته فى الجرائم المنسوبة لبعض رجال الشرطة

بقتل الشهداء> لأن ما حدث فى تصورى هو أن مجموعة من رجال الشرطة أطلقت النار على المتظاهرين، ولكن هل يستطيع أحد فى ظل الظروف التى كانت تمر بها البلاد، أن يحدد بالقطع من الذى قتل بالفعل الشهداء من رجال الشرطة هؤلاء؟؟ أعتقد أنه لا يوجد أحد يمكنه الإجابة عن هذا السؤال، صحيح أن هناك من أطلق النار وصحيح أن هناك شهداء، ولكن من الذى قتل الشهيد، هذا هو مربط الفرس، ومن هناك يظهر مدى العبء الملقى على عاتق القضاء، يجب أن يعلم الجميع أن القاضى لا يعنيه فى كثير أو قليل أن يبرئ أحداً أو أن يدين آخر، المهم أنه يجب على القاضى أن يتأكد بالدليل الذى لا يدع مجالاً للشك أن المتهم الذى يمثل أمامه هو الذى اقترف الفعل المنسوب إليه، إنما أن يقال إن هناك مجموعة من أفراد الشرطة أطلقت النار على مجموعة من المتظاهرين فقتلت البعض منهم، فهذا ليس دليلاً على الإدانة.

هذا فى تقديرى عن صعوبة إثبات الجريمة على الفاعل الأصلى للجريمة وهو الشخص مرتكب فعل القتل، أما عن المحرض وهو الشخص الذى أصدر الأمر بقتل المتظاهرين، فإن الأمر مختلف، فمن السهل على القاضى إقامة الدليل على مصدر الأمر بقتل المتظاهرين من الشواهد العديدة، ولا يفوتنى أن أنبه إلى أن عقوبة المحرض هى ذات عقوبة الفاعل الأصلى.

أرجو أن أكون قد استطعت أن أوضح للقارئ العزيز مدى الصعوبة التى يواجهها القاضى فى إصدار الأحكام وسواء بالبراءة أم الإدانة، لاسيما إذا كانت أدلة الإدانة لا تكفى لاقتناعه بأن المتهم هو مقترف الجريمة، فكما قلت سلفاً، القاضى لا يعنيه فى كثير أو قليل أن يبرئ شخصاً أو يدين آخر، فالقاضى يعلم جيداً أنه سوف يقابل الله سبحانه وتعالى ويسأله إن ظلم أحداً أو برأ مجرماً.