عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شرعية حق الاضراب السلمي

أصدرت المحكمة الادارية العليا بمجلس الدولة، منذ حوالي اسبوعين حكما مهما بأن الاعتصام والاضراب السلمي من الموظفين العموميين العاملين بالمرافق العامة جريمة تأديبية يطالب مرتكبها منهم بالاحالة إلى التقاعد، وقد استند الحكم في أسبابه الى احكام الشريعة الاسلامية بصفة اساسية، وقد تضمنت هذه الاسباب أن الاضراب يتعارض مع مبادئ الشريعة الاسلامية لأنه يخل بمصالح المواطنين ويسبب الاضرار بهم ويمنع تحقيقهم لمصالحهم وحصولهم على الخدمات العامة الضرورية واللازمة لهم!!

وقد أثار هذا الحكم العديد من الملاحظات المتعلقة بأسبابه ومنطوقه وبصفة خاصة لتعارضه مع الأحكام السابق صدورها من القضاء الجنائي المصري ببراءة عمال السكك من جريمة الاضراب السلمي عن العمل.
والحقيقة أن المادة 2 من الدستور تقضي بأن «مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع» ويعني هذا النص على انه عند وجود نقص في القوانين، أو التشريعات المختلفة بالنسبة لموضوع أو شأن معين فإن المشرع يلتزم باللجوء الى مبادئ الشريعة الاسلامية، وتقنين أحكام منها لتنظيم هذا الموضوع والأصل أن التشريعات المصرية المختلفة من قوانين وقرارات بقوانين ولوائح مختلفة لا يجوز أن تكون بها أية مخالفة لمبادئ الشريعة الاسلامية وإلا اعتبرت معيبة بعوار دستوري، وبالتالي فإنه يجوز للمحكمة الدستورية العليا الحكم بالغاء الاحكام التي تتعارض مع مبادئ الشريعة الاسلامية، والخطاب في هذا النص الدستوري هو بالدرجة الأولى وبصفة قطعية للمشرع المصري وحده وليس الى القاضي الذي يلتزم دستورياً بالشرعية الدستورية والقانونية.
وقد نصت المادة «5» من الدستور على أن «يقوم النظام السياسي على أساس التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة والفصل بين السلطات والتوازن بينها وتلازم المسئولية مع السلطة واحترام حقوق الانسان وحرياته على الوجه المبين بالدستور» كما نصت المادة «12» على أن «العمل حق وواجب ومشروع تكفله الدولة ولا يجوز إلزام أي مواطن بالعمل جبراً الا بمقتضى قانون ولاداء خدمة عامة لمدة محددة وبمقابل عادل ودون إخلال بالحقوق الاساسية للمكلفين بالعمل».
كما نصت المادة «13» على أن تلتزم الدولة بالحفاظ على حقوق العمال وتعمل على بناء علاقات عمل متوازنة بين طرح العملية الانتاجية وتكفل سبل التفاوض الجماعي وتعمل على حماية العمل من مخاطر العمل وتوافر شروط الأمن والسلامة والصحة المهنية ويحظر فصلهم تعسفياً وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون» كما نصت المادة «14» على أن الوظائف العامة حق للمواطنين على أساس الكفاءة ودون محاباة أو وساطة، وتكليف للقائمين بها لخدمة الشعب، وتكفل الدولة حقوقهم وحمايتهم وقيامهم باداء واجباتهم في رعاية مصالح الشعب ولا يجوز فصلهم بغير الطريق التأديبي إلا في الاحوال التي يحددها القانون» وقد نصت المادة «15» من الدستور صراحة وبصفة قطعية على أن «الاضراب السلمي حق ينظمه القانون» كما نصت الفقرة الأولى من المادة «73» على أن «للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات وجميع أشكال الاحتجاجات السلمية غير حاملين سلاحاً من أي نوع باخطار على النحو الذي ينظمه القانون»..
وقد نصت المادة «93» على أن تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق

الدولية لحقوق الاسنان التي تصدق عليها مصر وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة، وقد نصت الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الدولية للحقوق الاجتماعية علي أن الاضراب السلمي حق للعمال بالمعنى الواسع الذي يشمل الموظفين العموميين وغيرهم من العمال بالقطاع الخاص أياً كان مستواهم في العمل!!
ويتبين من مجموع هذه النصوص الدستورية على وجه التعيين أن حق العاملين في الاضراب السلمي يمثل تظاهراً يخضع لقانون التظاهر ويجب أن يتم طبقاً لأحكام هذا القانون من حيث اشتراط الإخطار للسلطات الأمنية قبل الاضراب وبموعد ومكان وفترة الاضراب السلمي مع تحديد من لهم الإشراف وتنظيم الاضراب والغرض منه والشعارات السلمية التي سوف يرفعها المضربون المتظاهرون وبناء على نصوص الدستور والاتفاقيات الدولية المنضمة اليها مصر فإن الاضراب السلمي للعمال عموما هو حق دستوري يتعين الالتزام بشرعيته ودستوريته وعدم المساس به ما لم يكن اضراباً غير مشروع بأن كان مسلحاً بأية صورة أو كان لم يتبع في شأنه احكام قانون التظاهر ومن ثم فان اهدار هذه الاحكام الدستورية والقانونية وعدم التزام حكم المحكمة الادارية العليا بها يعد أمراً لا أعلم للأسف مع العديدين غيري الأساس الذي صدر بناء عليه مهدراً لشرعية الاضراب السلمي للعمال، كما أنه ليس مفهوماً كيف ولماذا التزم الحكم بتطبيق مبادئ عامة من الشريعة الاسلامية مثل لا ضرر ولا ضرار وهى لا تنطبق بصفة محددة ومباشرة علي وقائع الإضراب السلمي.
وقد بنى منطوق الحكم عقوبة الإحالة إلى التقاعد على مرتكبي جريمة الاضراب السلمي رغم كونه حقاً شرعياً يحميه الدستور والقانون ولا يتعارض مع مبادئ أو احكام الشريعة الاسلامية ولا أعرف للأسف الشديد ما هو السبيل للنظر مجدداً في الحكم المذكور وأسبابه لأنه حكم نهائي وبات وواجب النفاذ وما هو السبيل إلى الالتزام بالشرعية الدستورية والقانونية التي تقرر بوضوح مع قطعية الدلالة على أن الاضراب السلمي حق دستوري مشروع للعمال المصريين والله أعلم.

رئيس مجلس الدولة الأسبق