«الرئاسية» والعزل السياسى
من المسلمات، أن مشروع قانون العزل السياسى يجب أن يعرض على المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإصداره، وذلك طبقاً للبند (5) من المادة (56) من الدستور المؤقت التى تخول هذا المجلس «حق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها»، والأرجح أن ما شاب المشروع المذكور من عيوب دستورية، وانحراف عن المبادئ الأساسية الحاكمة للمسئولية الجنائية والعقابية هو ما دفع المجلس لإحالة المشروع إلى المحكمة الدستورية العليا لإبداء رأيها فى مدى دستوريته،
ولكن المحكمة قررت عدم اختصاصها بهذه الرقابة المسبقة، بناء على قانونها، لأن الاستثناء الوحيد لذلك هو النص على مراجعتها القبلية لمشروع قانون الانتخابات الرئاسية، ونتيجة لذلك فقد عاد مشروع القانون الباطل وغير الدستورى، إلى المجلس العسكرى، وكان لهذا المجلس أن يحيله إلى الجمعية العمومية للفتوى والتشريع بمجلس الدولة لإبداء الرأى فى مدى دستوريته، وهى تختص بذلك وفق الدستور المؤقت وقانون مجلس الدولة، أو أن يختار الاعتراض المطلق على المشروع بعد إبداء الجمعية لرأيها أو قبل ذلك، كما كان من الجائز أن يعترض المجلس عليه، ويعيده لمجلس الشعب لإعادة النظر فيه بما يزيل عواره الدستورى، ولكن الغريب رغم كل ما سبقه، أن المجلس العسكرى قد وافق على المشروع، وأصدره، وليس مفهوماً لماذا وكيف اختار المجلس ذلك، وهل كان بسبب الضغط الإخوانى والسلفى عليه أم أنه اختيار تكتيكى، يترك المشروع لتقدير لجنة الانتخابات الرئاسية التى حتماً سوف تطبق أحكامه على المرشحين لرئاسة الجمهورية!!
ولقد قامت لجنة الانتخابات الرئاسية بالفعل، بتطبيق أحكام قانون العزل على الفريق شفيق، على أساس سبق شغله لمنصب رئيس الوزراء؟!
ومن الغريب أنه بعد استبعاده بعدة أيام تقدم بتظلم إلى اللجنة، مستنداً إلى عدم دستورية قانون العزل، وقد قررت اللجنة فى الأسبوع الماضى قبول التظلم، ووقف قرارها باستبعاد المتظلم من كشف المرشحين، وقررت فى الوقت ذاته إحالة الدفع بعدم دستورية قانون العزل إلى المحكمة الدستورية للفصل فيه، وقد استندت اللجنة فى قرارها إلى أنها «لجنة قضائية عليا» فقط خلال نظرها التظلمات، وأنها «هيئة قضائية» فى هذه الحالة، وإن كانت تعتبر لجنة إدارية خلال نظرها طلبات الترشح إلا أنه بناء على أحكام المادة (28) من الدستور المؤقت، ونص الفقرتين (أ، ب) من المادة (29) من القانون رقم 48 لسنة 1976 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا فإنه يقتضى هذه النصوص وجود دعوى أمام محكمة أو هيئة لها اختصاص قضائى، أى اختصاص بالفصل فى المنازعات وإقامة العدالة بين طرفين على استقلال، وطبقاً لقواعد الإجراءات المقررة فى القانون لنظر الدعاوى والحكم فيها، بأحكام نافذة وليس بقرارات إدارية، وبمطالعة أحكام المادة 28 من الدستور المؤقت، تجد أن الظاهر منها أنه رغم وصف المشرع اللجنة بأنها لجنة قضائية عليا فى بداية المادة فإنه نص على اختصاص اللجنة بإدارة الانتخابات الرئاسية من بدايتها إلى نهايتها، وهذا اختصاص إدارى بحت، كما أنه قد وصف المشرع قرارات هذه اللجنة صراحة بأنها قرارات نهائية ونافذة بذاتها، وقد حصنت هذه المادة القرارات التى تصدر عن اللجنة من أى طعن بأى طريق عليها، أو وقف تنفيذ قراراتها أو إلغائها، وبالتالى فإنه رغم تشكيل اللجنة من عدد من رجال القضاء فإنها بمراعاة اختصاصها
----
رئيس مجلس الدولة الأسبق