رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

علمتني يا مبارك ولم تتعلم!!

حينما تخرجت من الكلية عام 1999 وحصلت علي المركز الأول، وتقلدت وسام الجمهورية من الطبقة الثانية من الرئيس المصري السابق، تم دعوتي وأوائل الكليات العسكرية لحضور حفل عشاء مع الرئيس السابق والمشير محمد حسين طنطاوي في أحد نوادي القوات المسلحة،

وأثناء جلوسنا علي مائدة العشاء قمت بسؤال الرئيس السابق سؤالاً وهو " ما هي مواصفات القائد الناجح من وجهة نظر سيادتك؟" ويبدو أنه لم يسمعه جيداً لدرجة أنني كررته عليه أكثر من ثلاث مرات، ثم سمعه السيد المشير ونقله إليه في نهاية الأمر.
وقد أجاب مبارك علي هذا السؤال بمنتهي الطلاقة قائلاً أن القائد الناجح هو الذي يرى ويفكر ويعمل ويدفع إلى العمل في سيبل المصلحة العامة، كذلك هو من يثير رغبة العمل في نفوس الآخرين ويوزع عليهم الجهود والمسئوليات لتحقيق ما يريد، ولابد أن يكون لدي القائد الجرأة في اتخاذ القرار، وأن يكون لديه الحسم، وأن يكون متواضعا يمتلك العلم والمعرفة، وأن يحقق أهدافه في جو هادئ بشكل يرضي عنه الشعب الذي يقوده، حيث أنه لابد أن يحترم شعبه وأن يكون متفاعلا معه فهو الذي جاء به إلي كرسي السلطة.
والتساؤل الذي يدور في ذهني الآن هل كان مبارك يقول هذه الكلمات وهو يعيها جيدا ويطبقها حينما كان رئيسا للجمهورية، أم أنه كان يقولها كنصائح مثالية لطلبه صغار السن في بداية حياتهم الوظيفية، لعلها تعطينا انطباعا جيدا عنه، ولكنه لا يطبقها في الواقع؟.
وقد باتت هذه الإجابة جليه واضحة أمام الجميع في الوقت الراهن وهي أنه لم يكن يعلم شيئا عن هذه الكلمات، وكان أبعد ما يكون عن صفات القائد الناجح، فقد أخفق مبارك في إثارة رغبة العمل في نفوس الآخرين وتوزيع المسئوليات عليهم، وتجلي ذلك في إخفاقه في توزيع ثروات الاقتصاد المصري حيث حصل عليها رجال الأعمال المقربين منه ومن حزبه، وجراء ذلك لم يشعر معظم المصريون بالعدل في الحصول علي نصيبهم من تلك الثروات.
كذلك فقد في الدفع إلي العمل في سيبل المصلحة العامة ولم يكن متفاعلا مع شعبه حيث كان همه الأكبر هو أن يتقلد نجله سلطة البلاد من بعده رغم رفض الشعب لذلك، وجراء ذلك سمح بإجراء تعديلات دستورية تصب في نهاية الأمر إلي مصلحته هو ونجله حيث كانت تحول هذه التعديلات دون ترشح مستقل للمنافسة على منصب الرئيس. كما أنه سمح لابنه بدور كبير في إدارة شئون البلاد حيث لعب الأبن دورا متزايدا وملحوظا في إعداد السياسات الداخلية خلال العقد الأخير معتمدا على إصلاحات ليبرالية اقتصادية لا تلقى رضا أحد سوي رجال أعمال أثرياء لا تواصل لهم مع المواطن المصري.
كذلك ساعد مبارك هو ومن كانوا يقودون البلاد معه علي انتشار الفساد ليتغلغل في الحياة المصرية وهو ما جعل من المستحيل على أي مسئول تحقيق حياة نزيهة, حيث لا يمكن إنجاز معظم الأمور بدون تقديم رشوة أو بالواسطة واستشراء الاختلاس.
كان لدي مبارك سوء اختيار للقيادات واستبعاد للكفاءات حتي يستطيع السيطرة عليهم وأن يفعل ما يشاء في البلد في أي وقت، والخطأ فى الاختيار أمر وارد، لكن الخطيئة هى أن يتحول الخطأ فى الاختيار إلى منهج دائم وحاكم لكافة الاختيارات فى الوطن وعلى كافة مستويات الدولة، وهذا ترتب عليه استشراء الفساد.
غابت عن مبارك كذلك رؤية القائد الناجح, فمهما يقال عن سلفيه جمال عبد الناصر وأنور السادات، فإنهما كانا يعرفان إلى أين يقودان بلدهما وكانت لديهما خطة للوصول لهدفهما. فقد كان عبد الناصر يريد إقامة اتحاد بين الدول العربية تحت شعار الاشتراكية وعدم الانحياز, بينما كان السادات يهدف إلى استعادة كبرياء وشرف مصر قبل تحقيق السلام مع إسرائيل والانضمام إلى الغرب, لكن فيما يتعلق بمبارك: فما الذي قدمه للمصريين؟ هناك بنية تحتية متهالكة وظروف اجتماعية واقتصادية في منتهي السوء، واستسلام وولاء كامل لأمريكا.
لم يكن هناك وجود للسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية في عهد مبارك، فالسلطة التنفيذية مهمشة والتشريعية كانت تقوم بما يملي عليها من مؤسسة الرئاسة، أما عن السلطة القضائية فكانت هناك محاولات عديدة لاختراقها وكان هناك رفض دائم لمنحها حقها فى استقلال قرارها، فضلا عن محاولة الصاق جرائم الانتخابات والاستفتاءات المزورة بهذه الهيئة، ورغم كل ذلك كانت هناك جهود مخلصة تمارس لانتزاع حقها فى استقلال حقيقى يعيد لها هيبتها وقيمتها ومصداقيتها كسلطة كاملة الاستقلال قادرة على أن تحقق ما هو منوط بها من مهام العدالة والحيدة وتنقية جسدها من أي طفح يظهر هنا أو هناك.
كان نظام مبارك بالكامل مخادعا, فخلال الانتخابية البرلمانية في الثلاثين عام الماضية, سمح مبارك بحصول أحزاب المعارضة على أعداد رمزية من المقاعد البرلمانية, لكن في انتخابات 2010 التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، قام الحزب الوطني بتزوير الانتخابات بطريقة أقل ما تتصف به هو الغباء السياسي، حيث كان التزوير فجاً حصل فيه هذا الحزب علي كل المقاعد فيما عدا بعض المقاعد التي تركت لحزب مستأنس هو حزب الوفد، في حين لم يحصل الإخوان المسلمون على نصيب من المقاعد البرلمانية وخرجوا بلا مقعد من الحملة الانتخابية.
لم يكن لدي مبارك ما قاله عن صفات القائد الناجح من جرأة في اتخاذ القرار وأن يكون حاسما ومتواضعا، فمنذ فترة بعيده كانت قراراته غير حاسمه وكانت ترفع إليه تقارير من المخابرات العامة بأن هناك غليان في الشارع المصري وأنه قد تحدث في يوما ما ثورة لا يستطيع أحد الوقوف أمامها، ولكنه لم يلق بالاً لها وكانت تظل حبيسة الأدراج، ثم حدثت الثورة في تونس وكان ذلك مؤشرا قويا له لكي يقوم بعمل اصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية إلا أنه تمادي في عنده وكبره إلي أن حدثت الثورة، وفي أثناء الثورة لم يكن حكيما حازما في قراراته بل كانت قراراته دائما ما تأتي متأخرة جدا، فكانت تأتي بلا أي فائدة، وكان سقف المطالب يزيد ويزيد بسبب سوء إدارته، وعدم قدرته علي اتخاذ القرار المناسب في التوقيت المناسب، وأيضا بسبب كبره عند التعامل مع الأزمة التي كانت تمر بها البلاد.
في نهاية الأمر أقول لمبارك المتهم في جناية قتل المتظاهرين وقضايا تتعلق بالفساد المالي أنك حينما أجبتني في يوما من الأيام عن تساؤلي عن مواصفات القائد الناجح لم تكن تعلم أو تعي ما تقول، لأنك لو كنت كذلك ما وصلت إلي ما أنت فيه الآن، ليتك تعلمتها يا مبارك!!!
------------
الخبير في مجال القانون الجنائي الدولي
[email protected]