رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مسئولية مبارك عن جريمة الإمتناع

تعد قضية الرئيس السابق محمد حسني مبارك وأعوانه قضية شائكة، نظرا لكونها جديدة علي القضاء المصري، فضلا عن عدم تعرض قانون العقوبات للجريمة المرتكبة والمتهم بها الرئيس السابق وأعوانه حيث عرف هذا القانون جريمة القتل العمد والقتل الخطأ والضرب الذي يفضي إلي الموت لكنه لم يتعرض لجريمة القتل الجماعي،

أو أن يقوم النظام الحاكم بعمليات قتل واسعة النطاق وممنهجه ضد فصيل كبير من شعبه. لذا، نجد أنه قد تكون هناك بعض الصعوبات في اثبات ارتكاب الرئيس المصري وأعوانه للجرائم المتهمين بها، لكن إذا كان هناك صعوبة في إثبات إصدار الرئيس المصري وأعوانه لأوامر بقتل المتظاهرين أو التحريض أو المساعدة علي قتلهم، فالسؤال الذي يطرح نفسه ألم يكن يعلم هؤلاء المتهمين بأن هناك جرائم قتل ترتكب علي أرض مصر في ذات التوقيت الذي كانوا فيه يتقلدون زمام الأمور؟ وإذا كانوا علي علم بها فما هي الإجراءات التي اتخذوها لمنع مثل هذه الجرائم أو المعاقبة عليها؟
لقد تضمنت مرافعة النيابة العامة اتهام الرئيس السابق وأعوانه أنهم علموا كما علم العالم أجمع بوقوع حالات قتلى وأعمال تعذيب فى ميدان التحرير والميادين الاخرى في أحداث 25 يناير. ومع ذلك لم يتخذ أى منهم موقفا بإصدار أمرا بوقف ومنع هذه الجرائم. وهذه التهمة تسمي فى قانون العقوبات المصرى الجريمه الإيجابيه بطريق الامتناع. ولكن التسأول هنا عن ماهية هذه الجريمة وكيفية اثباتها؟
تعني الجريمة الإيجابية بطريق الإمتناع والتي ترتب المسئولية الجنائية علي مرتكبها الإحجام عن إتيان سلوك معين كان من شأن القيام به الحيلولة دون تحقق النتيجة التى يجرمها القانون الجنائى، ويترتب على الامتناع حدوث النتيجة التى يحظرها هذا القانون وذلك دون أن يصدر عن الشخص أى سلوك إيجابى.
ويطلق على هذه الجرائم تعبير الجرائم السلبية ذات النتيجة حيث أن تحقق النتيجة الإجرامية يعد عنصراً من العناصر المادية للجريمة، وتتحقق هذه النتيجة بإحجام الجانى عن إتيان الفعل قاصداً إحداث النتيجة المحظورة.
وهذا السلوك الإيجابي بطريق الامتناع ليس مجرما علي المستوي الوطني فحسب بل أنه كذلك علي المستوي الدولي وخير مثال على ذلك ما قرره النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية (ليوغسلافيا السابقة) من مسئولية الرئيس أو القائد العسكرى عما يرتكبه الجنود التابعين له من جرائم إذا كان يعلم أو بإمكانه أن يعلم بعزمهم على ارتكابها ولم يقم بواجبه فى منعهم من ارتكابها أو اتخاذ التدابير اللازمة لمعاقبة مرتكبيها.
وبناء علي ذلك تتحقق هذه الجريمة فى الحالة الماثلة بامتناع القائد أو الرئيس الإدارى عن القيام بواجبه بأن يمنع تلك الجرائم متى كان بوسعه أن يحول دون ارتكابها لكنه تقاعس عن أداء واجبه بشكل متعمد. ولكن السؤال الأن ما هو معيار المعرفة أو العلم الذي يجب من خلاله قيام رئيس الدولة وقيادتها باتخاذ الاجراءات اللازمة من الناحية القانونية لمنع مرءؤسيهم من ارتكاب الجريمة المعاقب عليها، وإلا تحقق في شأنهم الجريمة الإيجابية بطريق الإمتناع؟
يقصد بالعلم كأحد عناصر الجريمة حالة ذهنية أو قدراً من الوعى يسبق تحقيق الإرادة، ويعمل على إدراك الأمور على نحو صحيح مطابق للواقع، والعلم بهذا المعنى يرسم للإرادة اتجاهها ويعين حدودها فى تحقيق الواقعة الإجرامية، ولذلك يلزم العلم بعناصر الواقعة الإجرامية سلفاً من قبل الجانى حتى يمكن القول بتوافر القصد الجنائى لديه،

ومن ثم تثبت في شأنه الجريمة المنسوبة إليه، وبالتالي يمكن عقابه.
إذن لتحديد ما إذا كان ينبغي اعتبار الرئيس مبارك ووزير داخليته وأعوانه مسئولين مسئولية جنائية عن السلوك غير المشروع الذى يدعي ارتكابه من قبل مرءوسيهم من الضباط والمجندين، فيجب أن يكون لديهم علماً فعلياً بأن مرءوسيهم يرتكبون أو على وشك ارتكاب جريمة قتل للمتظاهرين السلميين، وفى هذه الحالة، يمكن اعتبار كافة المتهمين في هذه القضية شركاء وفقاً لمبادئ القانون الجنائي المتعلقة بالمساهمة الجنائية بالامتناع عن عمل.
وحري بالذكر أن المعلومات المتاحة للرئيس ووزير داخليته وأعوانه يمكن أن تكون مكتوبة أو شفوية، وهذا يمكن اثباته، كما أنه بناء على المنصب والسلطة التى يمتلكها الرئيس أو الوزير أو قادة الداخلية، ومستوى مسئوليتهم فى سلسلة القيادة، يمكن أن يصل بنا إلي سهولة إثبات المعرفة الفعلية، ففى حالة القادة المدنيين الذين يحتلون مناصب فعلية فى السلطة، يكون معيار الإثبات أكثر قوة.
وإذا افترضنا عدم وجود دليل يمكن من خلالها إثبات المعرفة الفعلية لهؤلاء المتهمين فإن استنتاجها من الظروف المحيطة أمر ممكن، وخاصة إذا كانت جرائم القتل التى يدعي ارتكبها من قبل ضباط الشرطة في الميادين المختلفة واسعة النطاق بما يجعلها معروفة للكافة، وأعتقد أن ذلك سهل اثباته فالعالم أجمع وليس المصريين فقط كانوا يشاهدون ويعلمون أن هناك جرائم قتل واسعة النطاق ترتكب في مصر. فإذا كان ذلك كذلك فأين كان رئيس الجمهورية أو وزير الداخلية أو قيادات الداخلية مما حدث؟، وكيف يمكن أن ينكروا أنهم لم يعلموا بعمليات القتل التي ارتكبت؟، أعتقد أن هذا ما ستجيب عليه مرافعات المتهمين التي تجري في الوقت الراهن أمام هيئة المحكمة.
وفى نهايه الأمر أؤكد علي أن كل ما ذكرناه فى هذا المقال ماهو إلا عرض قانوني لفكرة الجريمة الإيجابية بطريق الإمتناع التي قد يحاسب عليها الرئيس المصري السابق ووزير داخليته وسته من كبار مساعديه في تهمة قتل المتظاهرين، وسيكون القول الفصل فى النهايه لهيئة المحكمة التي لها كامل السلطة التقديرية وهي تنظر الدعوى ضد هؤلاء القادة المتهمين فى تقرير مسئوليتهم الجنائية حسب ظروف الجريمة، ومدى الصلاحيات والسلطات الممنوحة لهم.
----------
الخبير في القانون الجنائي الدولي
[email protected]