عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

التاريخ يشهد.. الفيوم رائدة الزراعة في مصر والعالم

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

تعد الفيوم من أوائل المناطق التى مارس الإنسان فيها الزراعة منذ 5200 قبل الميلاد، فهى من أقدم المناطق التى عرفت الزراعة فى مصر، وقاموا بزراعة القمح من نوع Emmer، والشعير بسبب وجود البحيرة المليئة بالمياه العذبة فى ذلك الوقت التى كانت تسمى بحيرة "موريس".

 

هشام مسعود العلاقى، الباحث التاريخى، أعد بحثا أكد فيه أن الفيوم عرفت خلال العصر الحجري الحديث الزراعة، وحدثت أهم خطوة فى ثورة التحويل من مرحلة جمع الطعام إلى مرحلة إنتاج الطعام القائمة على زراعة الحبوب، ولعبت البحيرة الدور الرئيسي فى مد سكان الفيوم بالمياه اللازمة لأعمال الزراعة، وعثر على أدوات خاصة بالزراعة، مثل المناجل والمذراة والفأس اليدوية وغيرها.

 

اهتم فراعنة مصر بالفيوم، ومن بينهم الملك مينا 3200 قبل الميلاد الذي قام بعمل سد ترابي أمام فتحة اللاهون، وكان ملوك الأسرة الثالثة يحصلون على الأحجار من جبل قطراني بالفيوم، وشهدت الفيوم أزهى عصورها فى عصر الدولة الوسطى، وتحديدا عصر الأسرة 12، حيث اهتم الملك سنوسرت الثاني بمشروعات الري بالفيوم، فأنشأ مدينة كاهون (اللاهون حاليًا)، وبنى سد للتحكم فى المياه، وحجز جزءا من فيضان النيل فى منخفض الفيوم، وقام بإصلاح ما يقرب من سبعة وعشرين ألف فدان وجعلها أخصب أرض الفيوم.

 

كما شيد الملك أمنمحات الثالث الجسور والقنوات، وأقام السدود ورفع مستوى المياه فى بحيرة "موريس"، وامتاز عصره بالسلام والرخاء، وسمى العصر الذهبي للفلاح، وزرع القدماء المصريون القمح والشعير والحمص والترمس والبصل والثوم والسمسم وغيرها، وكذلك نبات الكتان والبردي والنخيل والأبنوس والصفصاف وغيرها.

 

 كانت الفيوم محل اهتمام الأنبياء، كما يقول "العلاقى"، ومنهم سيدنا يوسف، عليه السلام، ويقول المؤرخ ابن اياس إنه لما تولى نبي الله يوسف عليه السلام على مصر، ورأى ما لقي أهلها فى تلك السنين من جفاف ومجاعة أتى إلى الفيوم وعاش على أرضها، وحفر نهرا عظيما يصل إلى الفيوم فارتدت الأرض وزرع النخيل والغلال والمحاصيل.

 

 

وصارت الفيوم مدينة غنية ويضيف المؤرخ ياقوت الحموي أن يوسف عليه السلام قسم الفيوم إلى 360 قرية، وإذا نقص منسوب نيل مصر كان يجمع محصول الفيوم فيطعم مصر كلها.

 

واستغل البطالمة الأوائل مهارة الإغريق الهندسية ودراية المصريين فى استصلاح مساحات واسعة من الأرض فى الفيوم، وأنشأ نظاما وقتيا للدورة الزراعية وتتحدث الوثائق عن زراعة أنواع جديدة من القمح السوري والفارسي وأقماح جديدة تسمى "ديورم"، وآخر "تريبتيكم بيراميدال"، وعرفت مصر آنذاك بأنها مخزن الغلال، وكان القمح يزرع مرتين فى العام فى عهد بطليموس الثاني، وعثر فى القبور على حبوب قمح كثيرة فى كوم أوشيم بالفيوم، وانتشرت الذرة الرفيعة والحمص البيزنطي وأشجار التين المستورد من "خيوس" وليبيا، وأشجار الرومان والمشمش وادخال أنواع من الكروم والكرنب التى لم تكن تزرع.

 

وتدلنا إحدى الوثائق التى أصدرها بطليموس فيلادلفوس عن القانون الذي وضع لتنظيم الزراعة، خاصة النباتات واستخرج الزيوت منها والاتجار فيها، وكان زيت الزيتون يخضع لنظام خاص، ويزرع فى إقليم الفيوم فى منطقة جرزة (فيلادلفيا)، ونشأت فى هذا العصر عدة قرى، مثل كوم أوشيم، وسنورس، وترسا، وبطن هريت، وقصر البنات، وقصر قارون، وديمية السباع.

 

كذلك عرفت الفيوم سواقى الهدير فى هذا العصر لحاجة الفلاح إلى ري أرضه من منسوب أدنى إلى منسوب أعلى فاستغل البطالمة شلالات بحر يوسف فى دفع سواقى الهدير لتجذب المياه من أسفل إلى أعلى، واشتهرت الفيوم بالسبع سواقى التى جليت الشهرة السياحية للفيوم، حيث يوجد بالفيوم أكثر من 200 ساقية منتشرة في الحقول التى انشدت لها سيدة الغناء العربي أم كلثوم فقالت، سبع سواقى بتنعي على اللي حظه قليل يا نيل يا نيل

والثانى على الشط غنى والقدود بتميل يا نيل يا نيل

وأنشد لها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب

واتسعت الرقعة الزراعية بالفيوم خلال العصر الروماني إلا أن فى عهد بتريوس بدأ المزارعون يهربون من ضريبة الرأس والسخرة، حيث تحدثنا بردية فى عهد نيرون ان 54 – 68% من سكان ست قري من الفيوم نقص عددهم، بسبب الضرائب على الرغم من النهضة الزراعية بالإقليم وكانت تنتج الحبوب بكثرة وخاصة القمح والخضروات والفاكهة والكتان وظهرت

قري جديدة مثل طامية وابوكساه وعرفت الفيوم فى هذا العصر زراعة البرسيم .

 

ومن المؤكد ان العرب ادخلوا محاصيل كثيرة تم زراعتها فى الفيوم حيث ازدهرت الفيوم خلال العصرين الاموي والعباسي وكانت الفيوم فى العصر الاخشيدي من اكثر الاقاليم ثراء ويقول المؤرخ ابن زولاق فى القرن العاشر الميلادي ان ضرائب الفيوم فى عصره كانت توازي 620000 الف دينار يوضح مدى ثراء الفيوم ويوصفها النابلسي الصفدي ايام دولة الايوبيين فى القرن الثانى عشر بانها بلدة "باردة الاسحار بارزة الاشجار كثيرة الثمار قليلة الامطار". وادخل العرب زراعة الارز والموز والبرتقال وقصب السكر الى الفيوم بالإضافة الى العناية بالقطن فقد جلب العرب الارز من الهند وادخل زراعة الموز الى الاقليم فى العصر الفاطمي. وخلال العصرين المملوكي والعثماني كانت بعض ارض الفيوم نظراً لخصوبتها ملكاً للسلاطين .

 

ويضيف الباحث التاريخى هشام العلاقى فى بحثه ان الفيوم عرفت فى عصر محمد على انواع عديدة من المحاصيل الزراعية والاشجار والنباتات مثل زراعة النيلة والزيتون واحضر اشجارها من أوروبا لتعليم اهل الفيوم تقليم الزيتون وكذلك زراعة اشجار البندق فى حديقة قصره بمنطقة كوم اوشيم . وظهرت فى الفيوم زراعة النباتات العطرية والطبية والتى تستخدم فى صناعة الدواء والروائح العطرية ومن اهمها الريحان والنعناع والشيح والبابونج والعطر والكمون .

 

وصف الرحالة لخصوبة ارض الفيوم وقالوا انها تنتج اجود انواع الفاكهة مثل البرتقال واليوسفي والليمون والعنب والمشمش ويذكر المؤرخ الفرنسي سافاري فى القرن 18 ان ثمار التين والشمام تنموا تلقائياً وكلما سرنا نشم الهواء المعطر برائحة ازهار البرتقال فهواء الفيوم معطر مثل هواء فرنسا فى الربيع ويقول المؤرخ ابن حوقل فى القرن العاشر الميلادي ان الفيوم على شاطئ وادى اللاهون وهى ارض خصبة كثيرة الفاكهة واكثر محصولها الارز ويقول الاثري ريفو الذي زار الفيوم فى القرن التاسع عشر يزرع فيها قصب السكر والقطن كما تزرع فيها الفواكه خاصة التين والعنب والليمون والنعناع ويضيف النابلسي الصفدي فى القرن الثاني عشر ان بها الورد الكثير والياسمين والنوفر البري والنسرين

ويقول الكندي فى القرن التاسع الميلادي ليس فى الدنيا انفس فيها ولا اخصب ولا اكثر خيراً ولا اغزر انهاراً سوى الفيوم ويذكر الاصطخري فى القرن العاشر الميلادي انه لا يوجد في مصر كلها مكان يجري فيه الماء على الدوام سوي الفيوم ويذكر الادريسى فى القرن الثاني عشر هى مدينة كبيرة ذات بساتين واشجار وفواكه وغلات واكثر غلاتها الارز ويذكر جرانجيه فى القرن 18 بان الفيوم هى حديقة مصر . ويذكر المقريزي والمسعودي بانها مدينة عمرها يوسف عليه السلام . والفيوم فى حد ذاتها اذا حسن استغلال مقدرتها ومواردها فان اقتصادها يوازي اقتصاد دولة .