رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

من «البدويهى» إلى رئيس الحكومة: المكتبة لا تزال فى بيتى

بوابة الوفد الإلكترونية

 

 

 

«فيها حاجة حلوة» بهذه الكلمات أنقذت عائلة «المهندس البدويهي » أمهات الكتب والمخطوطات والوثائق التاريخية التي حاولت أيادي الشيطان للجماعة الإرهابية في موقعة « جمعة الغضب » 28 يناير عام 2011 ، طمس الهوية والتطهير العرقي مستهدفين التجريف لكل مقتنيات الثقافة المصرية، وذلك بمخطط مدروس للحرق والتدمير والتخريب في توقيت متزامن ومتناغم، ليتم محاولة إحراق المكتبة العامة « المكتبة الفاروقية » ولكن عناية الله وشباب المنصورة، ومعهم أسرة « البدويهي » حققت الإعجاز والانجاز لتنقذ أكثر من ألفي كتاب على أقل تقدير من الكتب الأثرية النادرة والمخطوطات اليدوية، والتي ليس لها نظير وتعد من أقدمها على مستوى الدولة المصرية.

يقول المهندس «حسن البدويهى»: الحكاية بدأت في 28 يناير 2011 والتي أطلق عليها « جمعة الغضب» وأثناء تواجدنا في الشارع « المختلط »وهي احدى المناطق المعروفة باحتوائها على مبانٍ وقصور أثرية من بينها منزل عائلتي والتي نقيم في احدها، وحال رؤيتنا للحريق الذي أضرمته عناصر إرهابية مندسة، محاولة إحراق تراث ثري، ونادر من الكتب والمخطوطات الأثرية كانت بمقر المكتبة الفاروقية، على كورنيش النيل، والذي استولى عليه الحزب الوطني المنحل بالكامل باستثناء مساحة لم تتعد 10% من مساحة استراحة الوالدة باشا منذ عام 1863 م .

ونظرا لأن محل إقامتنا ليس ببعيد عن مقر المكتبة والتي لا تتجاوز 150 مترًا فقط، هرعنا أنا وأولادي دون أي تفكير أو تردد إلى مكان الحريق، ورغم صغرهم في هذا التوقيت حيث كانت ابنتي «أشرقت » لم تبلغ من العمر 12 سنة، ومحمد 14 سنة، وكنا رافضين أي تخريب او تدمير فلا توجد علاقة بين الثورة وتلك الحرائق المدمرة لتراثنا الثقافي، ودخلنا أنا ونجلي محمد الذي قام بتكميم وجهه بملابسه لحمايته من ألسنة النار، وتم التعامل بإنقاذ الكتب بتحويلها بعيدا عن النار، وقامت نجلتى المهندسة « أشرقت » بنقل الكتب إلي سيارتي الخاصة، وتم نقلها إلى شقة بالدور الأرضي بالعقار الخاص بي وكانت نجلتاي « المهندسة نهال، والمهندسة يمني » في استقبالنا حاملين الكتب التي تم إنقاذها، والقيام بترتيبها بحذر نتيجة تعرض تلك الكتب لحرارة النيران المشتعلة مما عرضها لحالة من الجفاف، وكنا عند العودة لنقل الكتب الاخرى، نحمل جراكن مياه يقوم أولادي بملئها لمحاولة السيطرة على الحريق.

وتضيف «أشرقت » 20 سنة طالبة بكلية الهندسة بجامعة المنصورة: عندما أتذكر ما قمنا به من عمل وطني لإنقاذ تلك الكتب، أشعر بالفخر لأنها تعد كتبًا ذات قيمة، وتمثل حقبة من تاريخنا الثقافي، ورغم صغر سننا في هذا التوقيت إلا أن والدي لم يمنعنا من خوض هذه التجربة رغم خطورتها، وتعرضنا لألسنة النيران، وما نريده هو أن يلتفت المسئولون لهذا المبني الأثري والذي أهمل بشكل قميء، حيث قاموا بإغلاق النوافذ والأبواب بعد الحريق بالطوب لتصبح شبه مقبرة دون التفكير في الترميم وإعادتها للحياة كما كانت حيث كان هناك قرار بتحويلها لمتحف أعلام الدقهلية ولم يخرج القرار من الأدراج حتى اليوم، ليظل المبني جثة هامدة وهذا ما يؤلمنا فالكتب مازالت بحوزتنا ولم يتحرك أحد ليعيدها إلى مكانها الطبيعي، يستفيد منها محبو القراءة والثقافة، متمنية أن يهتم المسئولون بالأماكن الأثرية وما أكثرها بالدقهلية ولكنها مهملة، بل يتم هدمها لبناء الأبراج لتحل محلها وهذا الأمر تراه بوضوح في منطقتنا « المختلط » والتي تتمتع بمبانٍ أثرية ذات طراز معماري متميز.  

ويضيف « محمد » 22 سنة طالب بالسنة النهائية بكلية الهندسة بجامعة المنصورة قائلا ذكريات نفخر بها كعائلة تحب تراث بلدها وتعشق ترابها فنحن لم نفكر في أن يكون تدخلنا هذا عرضة للإصابة بحروق أو حتى الموت فقد كانت ألسنة النيران شديدة وقد تزايدت مع وجود محتويات المكتبة من نسبة كبيرة على الأخشاب والتي ساهمت في اشتعال النار بشكل سريع وخاصة أن المخربين أحرقوها بالملوتوف « بنزين، وزيت »، وقد قمت أنا وبعض الشباب المحب لبلده، ومعي شقيقتي، واستطعنا تهدئة النيران وكل حرصنا منصب على إنقاذ الكتب ونقلها بحذر دون إتلافها حتى استطعنا إنقاذ نسبة 80% من محتويات المكتبة، وما أحزنني وقتها هو قيام أحد الجيران من المنتمين للجماعة الإرهابية بالإبلاغ عنا بالاستيلاء علي الكتب، رغم أننا خاطرنا بحياتنا لإنقاذها، لنجد قوة من الأمن يدخلون علينا في الفجر، وبالمناقشة وفور علمهم بأننا من ساهمنا في إنقاذها، اعتذروا لنا، وطالبهم والدي بعمل محضر إثبات حالة وبصورة رسمية، لتوثيق عدد الكتب مطالبا بلجنة من وزارة الثقافة لاستلامها، وهذا الأمر حفاظا على هذه الكتب التي يزيد ثمنها على عشرات الملايين، ومن منطلق الإحساس بقيمة هذه الكتب تاريخيا قام والدي بنقل هذه الكتب إلي

حجرة خاصة للحفاظ عليها ومن شدة اهتمامه أحضر عاملًا لتنظيف هذه الحجرة شهريا، انتظارا لتسليمها للمسئولين .

وتضيف المهندسة« نهال » 26 سنة الشقيقة الكبرى لأسرة المهندس حسن البدويهي، قائلة إننا فخورون بما قمنا به فقد كنا فريق عمل نؤدي واجبًا وطنيًا سنظل نفخر به وكانت مهمتي أنا وأختي يمني باستلام الكتب ورصها داخل الشقة بالدور الأول وبحذر شديد، كما كنا نقوم أيضا بملء جراكن المياه التي يقومون بنقلها الي مبني المكتبة لمحاولة إخماد النيران، ولا استطيع وصف قيمة هذه الكتب والمعاجم والوثائق التاريخية، وكتب بلغات مختلفة ، ومبين بها خطابات من عصر محمد علي، وأشعر بان هذه الكتب ليس لها نظير فهي كتب نادرة، واعتقد انه ليست هناك نسخ أخرى تناظرها، حيث دفعنا الفضول لقراءة بعض هذه الكتب لنجد خطابات من أسرة محمد علي مكتوبة باللغة التركية القديمة، حيث لفت انتباهي أنها ليست باللغة التركية المستحدثة حاليا والتي قام بها مصطفى كمال أتاتورك عام 1922 والتي نعرفها الآن فهي مكتوبة بحروف عربية، علاوة على وجود خطابات بشكل فخم جدا واثري مر عليه آلاف السنين، وأنا واثقة من ان كل محبي القراءة والذين يقدرون الثقافة، سيصيبهم الحزن مثلنا لإهمالنا لهذا التراث الثقافي.

واختتم المهندس «حسن البدويهي» وأسرته كلماتهم بتوجيه رسالة إلي رئيس الوزراء، ووزير الثقافة بضرورة الاهتمام بمنابر الثقافة، وإعادتها لتنير طريق شبابنا بالمعرفة وإعادة هذه الكتب إلى مكانها الطبيعي ليطلع عليها محبو القراءة، مؤكدا أن هناك محاولات كثيرة تمت خلال تلك الفترة من البعض للاستيلاء عليها فهي لا تقدر بثمن، ولا نعرف نواياهم، ولهذا أطالب بلجنة من وزارة الثقافة تشكل لاستلام تلك الكتب بشكل رسمي حفاظا على هذا التراث النادر، ونحن من منطلق هذا نطالب بتكريم هذه العائلة المحترمة والتي ساهمت في إنقاذ أكثر من ألفي كتاب وحافظت عليه أكثر من 8 سنوات والمسئولون في سبات عميق... استفيقوا يرحمكم الله فهذا تراث الأجداد فلا تضيعوه.. وكفانا إهمالًا.

نحن أمام قضية غاية فى الخطورة حين تتعلق بواحدة من أهم وأخطر دور التراث والعلم من خلال ما تحويه أو بالأحرى ما كانت تحويه بين جنباتها.

يذكر أن استراحة الوالدة باشا «والدة الملك فاروق» كانت قديما سرايا ملحقة بقصر الخديوي إسماعيل باشا لغرض استقبال الشخصيات الحكومية، والتي تأتى لزيارة مدينة المنصورة، وبلغت مساحتها 1500 متر، وتضم قاعتين و15 حجرة وصالة كبيرة، وكانت مخصصة كاستراحة للملكة نازلي والملك فاروق في عهد الملكية.

وظلت هذه السرايا تقوم بوظيفتها حتى عام 1870، ثم صدر الأمر بتحويلها إلى مقر لمحكمة الإسماعيلية نسبة إلى الخديو إسماعيل، وبعد قيام ثورة يوليو 1952 تحول إلى مكتبة عامة لأبناء الدقهلية تحت مسمى المكتبة الفاروقية، ثم استولى عليه حزب مصر العربي الاشتراكي الذي أنشأه الرئيس الراحل أنور السادات، ليتحول بعدها إلى مقر للمجلس الشعبي المحلى لمركز ومدينة المنصورة، ثم مقر للحزب الوطني المنحل، وخصص جزء صغير منها كمكتبة عامة للمنصورة.  

إلى أن تم إحراقه إبان ثورة 25 يناير وتحديدا في الموقعة الشهيرة باسم جمعة الغضب  28 يناير 2011.