رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ملف الصحة.. خطوة للأمام على طريق طويل

بوابة الوفد الإلكترونية

وسط نجاحات كبيرة فى ملف الصحة، لا تزال هناك بقع سوداء تشوّه الثوب الأبيض للقطاع الطبى.

مبادرة «100 مليون صحة» قدمت خدمة طبية غير مسبوقة لملايين المصريين، وبمبادرة «القضاء على قوائم الانتظار» نجحت فى تقديم العلاج لـ88 ألف مصرى.

ورغم هذه النجاحات، لا تزال هناك أزمات كبيرة تعترض العناية المركزة، التى تعانى عجزًا فى عدد الأسرّة بمعدل يصل إلى 29٪ والمستلزمات الطبية التى تعانى نقصًا 55٪، والتمريض الذى يتراوح العجز فيه من 20 إلى 55٪، أما أقسام الطوارئ فى المستشفيات، فهى فى حالة متدهورة.

هذا الملف يرصد بالكلمة والصورة أزمات القطاع الطبى فى مصر

 

«100 مليون صحة» و«إنهاء قوائم الانتظار»

نقاط مضيئة فى المنظومة الصحية

 

لا يستطيع منصف إنكار الإنجازات التى تحققت فى المنظومة الصحية بمصر وآخر هذه الجهود كانت مبادرة 100 مليون صحة التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أكتوبر الماضى للقضاء على فيروس «سى» والكشف عن الأمراض غير السارية، والتى شهدت إقبالاً كبيراً من المواطنين، إضافة إلى مبادرة القضاء على قوائم الانتظار.

حملة 100 مليون صحة تكونت من ثلاث مراحل، تشمل كل مرحلة عدة محافظات، حيث انتهت المرحلة الأولى فعلياً، تنتهى المرحلة الثانية فى نهاية فبراير، وستنطلق الثالثة أول مارس.

وتضمنت المرحلة الثانية من المبادرة محافظات «القاهرة، المنوفية، شمال سيناء، البحر الأحمر، الإسماعيلية، السويس، كفر الشيخ، بنى سويف، سوهاج، الأقصر، وأسوان».

فيما بلغ إجمالى عدد المواطنين الذين تم فحصهم خلال المرحلة الأولى 11.5 مليون مواطن، منهم 452869 حالات إيجابية، و10969560 حالة سلبية. وتضمنت المرحلة الأولى 9 محافظات، هى «جنوب سيناء، مطروح، بورسعيد، الإسكندرية، البحيرة، دمياط، القليوبية، الفيوم، وأسيوط».

وكانت معدلات الإصابة بفيروس «سى» خلال المرحلة الأولى نحو 5%، حيث يتم البدء فى إجراءات العلاج بالتوازى مع الكشف.

ووفقا لإحصائيات وزارة الصحة، فإن محافظة الفيوم تضم أعلى نسب إصابة بفيروس «سى» بمعدل 6%، بينما جاءت محافظة الإسكندرية كأقل محافظة من حيث معدل الإصابة بنسبة 2%، وأن الفئات العمرية من 26 إلى 35 سنة هى الأعلى مشاركة فى الفحوصات بنسبة 27%، فيما جاءت الفئات العمرية التى بلغت 65 عامًا وما فوق كأقل الفئات مشاركة بنسبة 6%، كما أن الفئات العمرية من 56 إلى 65 عامًا استحوذت على أعلى معدلات الإصابة خلال فترة المسح بنسبة 28%، فيما جاءت الفئات العمرية من 18 إلى 25 عامًا كأقل الفئات إصابة بالفيروس.

ومن المقرر إطلاق المرحلة الثالثة من المبادرة أول مارس، فى 7 محافظات هى «الوادى الجديد، الجيزة، الغربية، الدقهلية، الشرقية، والمنيا، وقنا».

أما مبادرة القضاء على قوائم الانتظار، فانطلقت 6 يوليو 2018 لإجراء العمليات الجراحية دون تحمل المواطن أى أعباء أو تكاليف.

ووفقا لوزارة الصحة، فإن 157 مستشفى شارك فى المرحلة الأولى من التدخلات الجراحية المطلوب القضاء على قوائم الانتظار بها وذلك فى 9 تخصصات تتضمن «جراحات القلب المفتوح، قسطرة القلب، زراعة قوقعة الأذن، جراحات العيون، جراحات العظام، جراحات الأورام، زراعة الكلى، جراحات المخ والأعصاب، وزراعة الكبد».

واستغرقت المرحلة الأولى من المبادرة 6 أشهر، والمؤشرات الفنية لها تشير إلى أن إجمالى ما تم من إجراءات وعمليات جراحية للمرضى وصل إلى حوالى 88 ألف عملية جراحية حتى منتصف فبراير الجارى من خلال مستشفيات وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية، وجهات أخرى.

كما تشير المؤشرات المالية للمرحلة الأولى، إلى أن إجمالى تكلفة الحالات وصل إلى ما يزيد عن 903 ملايين جنيه.

وفى نهاية يناير، أعلنت الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة تدشين المرحلة الثانية من المبادرة وستستغرق 3 سنوات.

 

29٫5٪ عجزاً فى أعداده

الموت أقرب من الوصول لسرير عناية مركزة

 

ما بين النقص فى عدد الأسرة وضرورة الاستعانة بـ«واسطة» حتى يقبلك المستشفى العام لتلقى العلاج لأن البديل هو دخول مستشفى خاص سيتكلف آلاف الجنيهات يومياً.

هذه المعاناة يعيشها عدد كبير من المواطنين يومياً فى المستشفيات الحكومية والجامعية على حد سواء، وإيجاد سرير رعاية مركزة فى أحد المستشفيات حالياً فى مصر أصبح أمراً فى غاية الصعوبة ويعانى منه المواطن أشد المعاناة، ويموت البعض على أبواب المستشفيات بسببه، فعدد أسرة الرعاية المركزة بمصر أقل من ثلث الحد الأدنى عالمياً، حيث يوجد 1.2 سرير لكل 1000 مواطن، بينما فى دول نامية أخرى مثل الهند تصل النسبة إلى 5 أسرة لكل 1000 مواطن، وتصل فى الدول المتقدمة مثل السويد إلى 12 سريراً لكل 1000 مواطن.

5500 سرير فقط هو إجمالى عدد أسرة الرعاية المركزة فى مستشفيات وزارة الصحة، بجانب 4500 أخرى تابعة للمستشفيات الجامعية، أى 10 آلاف سرير ونحن فى حاجة إلى 14 ألف سرير تقريباً لتغطية احتياجات المرضى بنسبة عجز حوالى 28٫5٪، وفقاً لتصريحات مستشار وزير الصحة للرعاية الحرجة والطوارئ، الدكتور شريف وديع.

صحيح أن عدد أسرّة العناية المركزة شهد ثغرة كبيرة مؤخراً، وقبل ثلاث سنوات كان عدد الأسرة المفعلة 1826 سريراً فقط.

انتقلت «الوفد» إلى مستشفيات معهد ناصر وسيد جلال الجامعى والحسين الجامعى لمعرفة أوضاع أسرة الرعاية المركزة فيها.

الحاج محمد أبوخالد، قال إن زوجته أصيبت بمرض مفاجئ جعلها تفقد الحركة، وذهبوا بها إلى أكثر من مستشفى للبحث عن سرير رعاية ولكن لم يستطيعوا إيجاده إلا فى محافظة الجيزة بمنطقة البدرشين.

وأضاف «أبوخالد»: لأننا نسكن القاهرة توجهنا بها إلى مستشفى الحسين وقالوا محتاجة رعاية وإحنا معندناش دلوقتى، فذهبنا لمستشفى سيد جلال ولم نجد سريراً فتوجهنا إلى مستشفى الشيخ زايد وللأسف ملقناش مكان، وبعد كده اتصلنا بأحد المستشفيات الخاصة ولاقينا سرير بـ4 آلاف جنيه فى اليوم، ووافقنا لكن بعد كده المستشفى قالت إن السرير اتحجز».

وتابع «فى الآخر اتصلنا برقم الطوارئ 137 وملقناش مكان فاضى غير فى مستشفى بمحافظة تانية وهى الجيزة بمستشفى البدرشين، ولحقنا السرير رغم بعد المسافة والطريق بعد عذاب طوال اليوم، وكان اليوم بـ400 جنيه».

أما إبراهيم محمد، فقال إن شقيقه كان يعانى من جلطة فى المخ وعقب إصابته توجهوا به إلى أكثر من مستشفى، آخرها كان رابعة العدوية ولكن للأسف توفى قبل إيجاد سرير.

وتابع «روحنا بيه أكتر من مستشفى علشان يستقبلوه ويدخل رعاية مركزة لكن كله كان بيقول مفيش أماكن لغاية ما لفظ أنفاسه الأخيرة فى طريق العودة من مستشفى رابعة اللى فى مدينة نصر بعدما خدنا وقت كبير فى اللف على المستشفيات وتدهورت الحالة أكتر وأكتر».

فيما قال إسلام مصطفى، إن شقيقه أصيب فى حادثة على طريق الأوتوستراد، وعندما ذهبوا به إلى أقرب مستشفى وهى الشيخ زايد بمنطقة منشية ناصر، لم يجدوا سرير رعاية متاحاً.

وتابع «دكاترة المستشفى حولونا بعد كده على مستشفى الحسين والحمدلله كان حظنا كويس ولقينا سرير فى آخر لحظة».

بينما قال آخرون إن فرصة وجود سرير رعاية فى المستشفيات أصبح صعباً جداً، إلا فى حالة وجود واسطة أو طبيب صديق لك يساعدك فى حجز السرير.

 

محرر «الوفد» يخوض تجربة الكشف داخل قسم عظام «قصر العينى»

نقص فادح فى الأدوية وغياب الأطباء

 

بين الحياة والموت.. هكذا حال أقسام الطوارئ فى المستشفيات العامة، فأغلب المترددين على أقسام الطوارئ يعانون إصابات بالغة تحتاج إلى تدخل سريع، إلا أن الوضع داخل بعض المستشفيات يجعل تلك الحالات إما تسجل على قائمة الوفيات بسبب قلة خبرة الأطباء المتواجدين خاصة أثناء الخدمة الليلية، أو الخروج بعاهة مستديمة نتيجة نقص بعض المواد الطبية التى يضطر الطبيب على أثرها الاستعانة ببدائل لا تسمح بإسعاف المريض أبرزها الشرائح والمسامير والرقع الاصطناعية التى تستخدم فى سد الفجوات والثقوب إلى جانب الخيوط الجراحية.

«الوفد» خاضت تجربة الكشف داخل مستشفى قصر العينى الجامعى لنرصد عن قرب رحلة البحث عن علاج داخل أروقة مستشفيات الحكومة.

البداية كانت مع مبنى الطوارئ الجديد بقصر العينى الذى لم يأت بجديد وعلى عكس توقعات المرضى لم يختلف فى شىء، فالمشكلات لم تعالج فلا توجد خدمة طبية حقيقية للمرضى ولم يحصل أحد على خدمات من التطوير سوى لافتة «طوارئ قصر العينى الجديد» بدأت أعمال التطوير فى يونيو عام 2015، ومنذ ذلك الوقت تم تشكيل لجنة لتطوير قصر العينى القديم، تلك اللجنة التى اهتمت بالشكل وليس المضمون، حيث اقتصرت أعمال التطوير على افتتاح مبنى جديد أطلقوا عليه «طوارئ قصر العينى الجديد».

الساعة الحادية عشرة والنصف كانت شبابيك التذاكر شبه خاوية فالمرضى جاءوا مبكرا ليحجزوا أماكن داخل العيادات واتجهنا إلى شباك تذاكر العظام وطلبنا من موظف الشباك تذكرة للكشف وبادرنا بالسؤال «نوع الكشف إيه».. فأخبرته أننى أرغب بالكشف على الكتف اليسرى وكان الرد غريبا: لا يوجد كشف عظام اليوم حيث قررت الإدارة تحديد أيام للكشف على كل جزء فى جسم المريض، فالكتف والرقبة يوم السبت ولأننا اليوم الأحد فيجب الانتظار أسبوعاً كاملاً.

سألنا الموظف مرة أخرى «والحل إيه هكشف إزاى؟ أسبوع كتير والألم لا يتوقف» فكانت إجابته تدعو للسخرية «ادخل كده كلم الدكتور بالحب».. حينها توجهنا إلى قسم العظام بالعيادات الخارجية فوجدنا بالفعل لافتة معلقة وتحدد أيام الكشف حسب كل جزء على حدة وأخبرتنا الممرضة بما قاله موظف الشباك «دا مش يوم كشف الكتف والرقبة»، وأخبرتنا «ممكن تروح تعمل أشعة ويشوفها أى دكتور أو ممكن تروح الطوارئ بس هناك مفيش أشعات».

اتجهنا إلى قسم الطوارئ تخصص العظام حيث كان أعداد المرضى فى تزايد وانتظرنا حتى يأتى دورنا بالكشف وبعد فترة دخلنا إلى غرفة الكشف التى كانت مفتوحة على مصراعيها والمرضى ينظرون على من يقوم بإجراء الكشف.. الغرفة بها مكتب بسيط وجهاز معلق على الحائط لتوضيح الأشعات وطبيب يبدو عليه أنه فى مرحلة التدريب فأخبرته عن وجود ألم بالكتف اليسرى فأخبرنى أن الأشعة هى التى ستحدد التشخيص وقال نصا «خد الورقة دى وروح لقسم الأشعات».

المثير للسخرية أننا وجدنا نقصاً فى أفلام الأشعات وأن المريض يحصل على الأشعة على جهاز الموبايل الخاص به، وفى حالة عدم وجود هاتف محمول مع المريض يكون أمام مشكلة كبيرة لأنه لن يستطيع الحصول على الأشعة وسيضطر إلى أن يسأل أى شخص أن يساعده فى سحب الأشعة على تليفونه الشخصى.

حاولنا البحث داخل المستشفى عن معمل يتوافر به الأشعات وبالفعل وجدنا داخل بنك الدم حجرة الأشعات، اتجهنا إلى الخزينة لدفع مبلغ 35 جنيهاً رسوم الأشعة وبعد أن انتهينا ذهبنا مرة أخرى إلى قسم الطوارئ.. المضحك أن الطبيب فى بداية الأمر كان ينظر إلى الأشعة بصورة مقلوبة وهو ما يؤكد أن الطبيب إما حديث التخرج أو فى مرحلة التدريب، حينها تدخل أحد الأطباء وقام بتصحيح وضعها وقام بالكشف وكتابة الدواء اللازم ولحسن حظى أننى لم تكن إصابتى بالغة فكانت مجرد التهاب بأوتار الكتف.

علمنا من أحد مصادرنا بالداخل أن أفلام الأشعات غير متوفرة منذ أكثر من خمسة شهور وأن أشعات الرنين المغناطيسى والتحاليل تتم برسوم أخرى مرتفعة تصل إلى 500 جنيه أو حسب السعر الذى يحدده السماسرة داخل المستشفى ومعظمهم من رجال الأمن بالداخل.

استمررنا بالجولة داخل مستشفى قصر العينى، حيث كانت الممرات مزدحمة وبعض المرضى نائمون على السرائر المتحركة فى الممرات تحدثنا إلى بعض المرضى عن الوضع داخل المستشفى.

ألفت حمزة جاءت مسرعة بابنها بعد أن أصيب بقطع فى باطن القدم نتيجة تحطم زجاج بالمنزل «أنا جيت قصر العينى بصوّت علشان حد يلحقنى، كمية الدم كانت غزيرة ولكنى تفاجأت بأن التمريض يتعامل مع الحالة بلامبالاة، حيث أخبرتنى الممرضة أن أنتظر دورى فى الكشف، وبسبب النزيف المستمر تبرع الموجودون بأن يدخل ابنى بدلاً منهم من أجل أن يسعفه الأطباء».

وتكمل: جئت اليوم لمتابعة حالة ابنى حيث أخبرنا الطبيب أن يتم متابعة الحالة بعد 10 أيام، وجئنا فى الموعد المحدد ولكن الإهمال الذى نراه داخل المستشفى غير مفهوم، أطباء غير متواجدين حتى إننى انتظرت لأكثر من ساعة حتى أتمكن من مقابلة الطبيب.

داخل الممر المواجه لطوارئ قصر العينى جلس محمد فوزى، على مقعد متحرك وساعده على المجىء ابنه فارس الذى يقول: «أبى مريض سكر. ودائما ما يرتفع مستوى السكر فى الدم، كما أنه مريض ضغط وقلب، ونأتى إلى قصر العينى للحصول على الأنسولين الخاص به وفى بعض الأحيان لا نجده».

عم محمد لا تنتهى مشكلته بالحصول على الأنسولين، يقول نجله فارس: «أبويا مع كبر السن أصبح السكر مرضاً قاتلاً له لأنه دمر عظامه وأثر على بصره وطاقته فلم يعد يستطيع السير بمفرده أحياناً، وخاصة مع فقده لبعض أصابع قدمه».

تحدثنا إلى أحد الأطباء الذى كان يقف بممر الطوارئ رفض ذكر اسمه قائلاً: «الأزمة ليست داخل مستشفى قصر العينى وحدها ولكن بالمستشفيات الجامعية والحكومية على مستوى المحافظات، فالممرضات بعضهن لا يتواجد فى المواعيد المحددة لأنهن يذهبن للعمل بالمستشفيات الخاصة، فالرواتب وقيمة النوبتجيات لا تكفى لسد حاجاتهن الأسرية أما فى المستشفيات الخاصة فهناك الأسعار مختلفة وقت العمليات له قيمة

ووقت الشيفتات قيمة أخرى، وأن معظم الممرضات أصحاب الكفاءة هم متخصصات الرعاية المركزة فهن يتعاملن مع مريض فاقد الوعى، لا يقدر على الكلام، ولذلك هن على علم بكمية الأدوية وبتركيزات معينة، لأن المريض من الممكن أن يفارق الحياة لأى خطأ».

ويكمل قائلاً: «المستشفيات الجامعية تعيش على التبرعات بسبب ضعف الإمكانيات وحالة الطبيب محمود ناصر طبيب العظام بجامعة الزقازيق التى حدثت العام الماضى خير تجربة على ذلك بعد أن حرر المريض محضراً ضده بسبب طلبه شراء مستلزمات طبية على نفقته الخاصة وهو دفع المستشفيات إلى وقف إجراء العمليات بسبب نقص المستلزمات الطبية».

على كرسى متحرك ظل يائساً عسى أن يلين قلب أحد الأطباء ليسأله عن شكواه، الحاج عبدالصمد عيد جاء برفقة زوجته صاحبة الخمسين عاماً، تقول: «جئنا مع طلوع الشمس علشان نلحق نكشف ونروح بدرى بس الدكاترة هنا بيشتغلوا على مزاجهم، زوجى رجله متورمة والدكاترة مش عارفين عنده إيه وكل شويه الدكتور يحولنا إلى قسم آخر ومفيش أساتذة بتكشف كلهم لسه طلبة متخرجين، وبعد الزحمة دى كلها ماعملناش حاجة».

صرخت أم محمود بعد أن خرجت من عيادة الأوعية الدموية قائلة: «انتوا مش حاسين بألم الناس بعد كل الوقت ده والدكتور مش قادر يكشف كويس على زوجى بيقول دى مش أوعية دموية ده تخصص عيادة العظام» استمرت أم محمود فى وصلة سباب للأطباء والعاملين بالمستشفى.

بعد أن فقدت الأمل فى الحصول على علاج لزوجها استوقفناها نسألها عن حالة زوجها فقالت «منذ أكثر من 3 أشهر تورمت القدم اليسرى لزوجى وجئت به إلى قصر العينى وقام الطبيب بالكشف عليه ولأنه مريض بالسكر، أخبرنا الطبيب أن السبب زيادة نسبة السكر وقام بصرف علاج، واستمرينا بالعلاج لمدة 3 أسابيع دون تحسن، فجئت به مرة أخرى وقاموا بتحويلنا إلى قسم العظام وبعد الكشف الطبيب قال «علاجه مش عندى دا عاوز تخصص أوعية دموية» وبعد أن جئنا علشان نكشف الدكتور قالنا دا تبع العظام من غير ما حتى يبص على قدمه، دكاترة صغيرين مش فاهمين حاجة ومش عارفين يعالجوا الناس والكبار فى عياداتهم».

محمود فؤاد، مدير مركز «الحق فى الدواء» أكد أن المستشفيات الجامعية تعيش فى محنة فهى تعالج نحو 40% من الشعب المصرى معظم هذه الخدمات مجانية لعدم وجود دعم من الدولة وعلينا أن نبحث عن دخل مادى لها وحل جذرى لمشكلاتها الناتجة عن سوء الأحوال المالية مما أدى إلى وجود نقص فى المستلزمات الطبية داخل 55%‏ من هذه المستشفيات، مثل الشرائح والمسامير، ودعامات القلب، المفاصل الصناعية، والصمامات التى تستخدم فى جراحات القلب، وأيضاً هناك نقص فى جميع المستشفيات للمؤكسدات الطبية والصمامات والوصلات الشريانية أو الرقع الاصطناعية التى تُستخدم فى سد الفجوات والثقوب، وبشكل عام هناك مجموعة مشكلات أهمها نقص واضح فى أدوية الطوارئ وتعطل فى أجهزة الأشعة والتحاليل خاصة فى النوبتجيات الليلية، حيث يفقد المريض حياته لأن الوقت مهم لإنقاذه إن كان جهاز الأشعة معطلاً، وبالتالى تأجيل العمليات وهو شىء شائع فى مركز القلب بجامعة عين شمس، ونقص واضح فى الأطباء المتخصصين فى المخ والأعصاب فى جامعات بنها ودمياط والغربية، مما يشكل خطراً كبيراً بسبب عدم وجود برامج للصيانة مما ينتج عنه تشققات فى المبانى أو تعطل أو سقوط المصاعد.

 

90٪ من الممرضين غير معترف بهم دولياً

20٪ معدل عجز التمريض فى القطاع الحكومى

 

يعانى القطاع الصحى فى مصر من عدة مشاكل، على رأسها نقص المستلزمات الطبية والعجز فى الأطباء والتمريض، ويقدر البعض عجز التمريض فى القطاع الحكومى بنسبة 20%، ويقول آخرون إن النسبة تصل 55%، فى الوقت الذى يشكل فيه عناصر التمريض 65% من النظام الطبى بمصر.

ومؤخراً، وضعت وزارة الصحة خطة للقضاء على هذا العجز تمثلت فى زيادة عدد مدارس التمريض من 370 إلى 500 مدرسة جديدة والنزول بدرجات ونسب القبول بمدارس التمريض وزيادة الرواتب وتوفير السبل التكنولوجية لهم، فضلاً عن إطلاق حملة إعلامية لتحسين الصورة الذهنية للممرضات فى مصر وتشجيع الأسر على إلحاق بناتهم فى تلك المدارس، وفقاً لوزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد.

ويشير البعض إلى أن هذه الخطة سوف تقضى على نسبة العجز العام القادم 2020، فى حين يرى آخرون أنه مهما زاد عدد الخريجين دون تحسين الأوضاع المالية والمعيشية للمرضين فإن الوضع لن يتغير وستزداد الهجرة للخارج والتسرب للقطاع الخاص.

فى هذا السياق، قالت كوثر محمود، نقيب عام التمريض، إن مهنة التمريض لا تحصل على وضعها الحقيقى فى مصر، مشيرة إلى أن أقل نوبتجية للممرضة 12 ساعة تحصل فيها على 15 جنيهاً فقط، رغم أن القطاع الخاص يعطى 20 ضعفاً لهذا الرقم، كما أن بدل العدوى 16 جنيهاً وهذا لا يليق أبداً.

وأوضحت نقيب عام التمريض أن النقابة طالبت وزراء المالية على مدى الأعوام السابقة بتعديل الأوضاع المالية للمرضين، ودائماً ما يكون الرد بأنهم متفهمون الوضع المالى الصعب ولكنهم لا يستطيعون تعديله فى الوقت الحالى بسبب الأحوال الاقتصادية للبلاد، وقالت: «بالورقة والقلم معندناش عجز فى التمريض بمصر ولكن عندنا تسرب وهجرة وهروب للقطاع الخاص والعمل فى الخارج.. كان عندنا عجز منذ 6 سنوات يقدر بنحو 60 ألف ممرضة وتم تخريج عدد من الدفعات لتغطية هذا العجز ولكن المشكلة الأساسية أنه مهما خرجنا أعداداً كبيرة من الممرضات فإنهن يتسربن للعمل بالقطاع الخاص والدول العربية نتيجة تدنى الأجور، وعدم وجود عوامل جذب للاستمرار فى القطاع الحكومى بل هناك ضغط كبير على الممرضات وتعدٍ بالضرب عليهن داخل المستشفيات وأصبحت مهنة طاردة وليست جاذبة».

وعن سبب كفاءة الممرضات فى المستشفيات الخاصة والخارج مقارنة بالحكومية، كشفت كوثر أن بيئة العمل والنظام الجيد هما السبب الرئيسى فى ذلك، لافتة إلى أن متوسط أجر الممرضة فى الخارج يتراوح ما بين 3 إلى 5 آلاف دولار.

وأشارت إلى أن حل مشاكل التمريض يتمثل فى ضرورة وضع خطة جيدة للحفاظ على القوة البشرية الجيدة من الممرضات، لأن من يذهب للعمل فى القطاع الخاص والخارج هم الأكفاء، وهذه الخطة لابد أن ترتكز على الدعم المادى الجيد بجانب الدعم الأدبى والمعنوى، فضلاً عن اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى الشخصى بمهنة التمريض.

فيما قال هشام مبروك، المتحدث السابق باسم نقابة التمريض إن نسبة العجز حالياً فى التمريض تصل إلى 20% بسبب الهجرة والعمل فى القطاع الخاص، ولكن العام القادم سوف ينتهى هذا العجز بسبب زيادة خريجى المعاهد والكليات طبقاً للخطة الموضوعة فى هذا الشأن.

وأضاف مبروك أن راتب الممرض حديث التخرج 2000 جنيه وبدل العدوى 15 جنيهاً، وهى رواتب غير مجزية فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى يعيشها المواطنون فى الوقت الحالى، فى حين يحصل الممرض فى القطاع الخاص على 250 جنيهاً للشيفت الواحد فقط، بجانب المرتب الأساسى، ولذلك لابد من زيادة رواتب الممرضين فى القطاع الحكومى أسوة بالقطاع الخاص أو بنسبة تقترب منهم.

وأوضح مبروك، أنه دون وجود ممرض أو ممرضة فى المستشفيات، سوف يحدث شلل تام للمنظومة الصحية، لأن نسبة التمريض تمثل 65% من حجم المنظومة الصحية، كما أن التمريض يكون مقيداً بالوجود داخل المستشفيات، وساهراً على راحة المرضى، ولذلك يجب تحسين أوضاعهم المالية والمعيشية حتى لا تنهار المنظومة الصحية.

أما الدكتور محمد حسن خليل، منسق لجنة الدفاع عن الصحة، فقال إن مصر تعانى نقصاً فى مهنة التمريض يصل إلى 55%، ويؤدى ذلك إلى الكثير من المشاكل فى تقديم الخدمة الصحية بالمستشفيات.

وأضاف خليل، متوسط المعدل العالمى 5 ممرضات لكل 1000 مواطن، وفى بعض الدول الأووربية المتقدمة وصل إلى 9 ممرضات لكل 1000 مواطن، ولكننا فى مصر لدينا 2.5 ممرضة لكل 1000 مواطن، ويشير ذلك إلى النقص الشديد الذى نعانى منه.

وأوضح منسق لجنة الدفاع عن الصحة، أنه بالإضافة إلى هذا النقص، فإن 90% من الممرضات لدينا غير معترف بهن عالمياً، لأنهن غير حاصلات على شهادة أعلى من التعليم المتوسط، ومعظمهن حاصلات على دبلومة 3 سنوات بعد الإعدادية فقط، والاعتراف الدولى يتطلب الحصول على شهادة فوق متوسطة، أى التخرج فى مدارس التمريض ذى الخمس سنوات أو بكالوريوس تمريض.

ولذلك لابد على الحكومة الارتقاء بمستوى تعليم التمريض وتحويل المدارس إلى نظام الخمس سنوات وإلغاء نظام الثلاث سنوات، مشيراً إلى أنه صدر قرار بهذا الشأن قبل سنوات ولكن تم التراجع عنه، فضلاً عن زيادة الأجور حتى لا تهاجر الممرضات للخارج أو تعمل فى المستشفيات الخاصة بالداخل.