رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«الطب البيطرى» فى الإنعاش

بوابة الوفد الإلكترونية

تحقيق: حمدى أحمد - اشراف: نادية صبحى

 

كثير منا لا يهتم بالطب البيطرى ولا يلقى له بالاً مثل الطب البشرى، رغم أهمية الأول الكبيرة للإنسان.

هل سألت نفسك لماذا زادت حالات التسمم الغذائى فى الآونة الأخيرة؟ ولماذا تنتشر الأمراض من الحيوان إلى الإنسان؟ الإجابة ببساطة هى غياب دور الطب البيطرى فى حياة المصريين سواء عن عمد أو دون قصد.

مهنة الطب البيطرى تواجه حالياً صعوبات كبيرة وأزمة شديدة، فهى مهنة تحتضر أو بمعنى أصح يغتالها الروتين الحكومى والقرارات الخاطئة من المسئولين، فنحن على مشارف مواجهة كارثة أكيدة خلال السنوات القليلة المقبلة، لأن 7 آلاف طبيب بيطرى من أصل 11 ألفاً سوف يحالون إلى التقاعد دون تعيين غيرهم، بسبب وقف تكليف وتعيين الأطباء البيطريين منذ عام 1995.. فهل لدى الحكومة علم بخطورة ذلك على المجتمع؟.

سبب وقف التعيينات منذ 23 عاما، كان مفاجئاً وغير معلوم، وهناك مفاوضات تجرى مع الحكومة حالياً لتعديل قانون تكليف المهن الطبية لإدراج الطب البيطرى فيه كما كان منذ عام 1965، ولكن دون جدوى، لأن الحكومة تكتفى بإجراء مسابقات التعيين التى ينجح بها مئات الخريجين من أصل آلاف يعتبرون فى عداد العاطلين.

هذا الأمر أدى إلى إجبار خريجى الطب البيطرى على الدخول فى مجالات أخرى ليست وثيقة الصلة بالمهنة وما درسوه فى الكلية، حيث يتجه الخريجون إلى مجالات الدعاية للأدوية البيطرية ومندوبى المبيعات، أو العمل فى عيادة وصيدلية بيطرية، وغالباً ما يكون ذلك فى القطاع الخاص وليس الحكومة، ما يؤثر فى النهاية على أدائهم، ويجعلهم مجرد خريجين وليسوا مهنيين.

وبالعودة للتاريخ، سنعرف أن أول مدرسة للطب البيطرى فى مصر أنشئت فى عهد محمد على باشا عام 1827، عندما ركز جهوده فى إعداد جيشه الضخم بأسلحته المختلفة ومنها سلاح الفرسان الذى توفرت له الخيول اللازمة والأطباء البيطريون الذين أنيط لهم رعاية تلك الخيول وعلاجها من ضباط الجيش الذين كانوا يرسلون فى بعثات إلى فرنسا للتخصص فى الطب البيطرى.

 

طلاب وخريجون: الشركات الخاصة تبدل العمالة كل فترة للتحايل على زيادة المرتبات

 

التقت «الوفد» مجموعة من طلاب كلية الطب البيطرى بجامعة القاهرة للحديث حول دراستهم وأحوالهم عقب التخرج، وعبر الطلاب عن حزنهم الشديد ومعاناتهم، لأنهم لن يجدوا فرص عمل تليق بهم مثل خريجى الطب البشرى والصيدلة.

قلة التعيينات وفرص العمل أجبرت الخريجين على الاتجاه لمجالات عمل بعيدة عن مجال دراستهم الأصلى والأساسى، ما يؤدى فى النهاية إلى نسيان ما درسوه فى الكلية وهذا هو الخطر الأكبر على المجتمع.

وبنبرة يملأها الحزن، قال طلاب لـ«الوفد»: «الفرق بيننا وبين طلاب صيدلة درجتين لكن هما بيتعينوا بعد التخرج وإحنا لأ.. للأسف.. ومفيش تعيين حكومى غير بالمسابقات اللى بيعلن عنها حسب المحافظات والعدد بيكون قليل كمان.. والفرق بينا وبين الحظ سنين وبلاد».

وأضاف الطلاب: «الدراسة فى كليات المدن مثل القاهرة أغلبها نظرى ومفيش عملى لكن كليات الريف فيها عملى بسبب طبيعة المجتمع ودى مشكلة لطلاب المدن.. واللى بيتخرج من الكلية بيكون متفق مع أماكن وشركات خاصة للعمل فيها ولو مش متفق مع حد بيدخل فى مجال الدعاية للأدوية البيطرية أو يعمل بعيادة وصيدلية بيطرية».

وبسبب وقف التعيينات الحكومية، أجبر الطلاب على الاتجاه نحو القطاع الخاص والعمل فى مجالات أخرى بعيدة عن مجالهم الأصلى، مضيفين «كل اللى بيتخرج بيشتغل فى القطاع الخاص ومعظم الناس مابقتش تشتغل فى مهنة الطب البيطرى نفسها لأن إنشاء عيادة مكلف جدا، وبالتالى نلجأ إلى العمل فى المجالات الطبية وليس أصل المهنة، كما أن العمل فى الطب البيطرى يحتاج خبرة على الأقل 3 سنين، وبسبب عدم توافر الوظائف يتم اللجوء للمجالات الأخرى، وده بيخلى الطبيب البيطرى ينسى ما درسه فى الكلية للأسف ودى أكبر مشكلة تواجهنا».

لم تكن هذه المشكلة الوحيدة بالنسبة لهم، بل هناك مشكلة أخرى وهى فقدانهم العمل بالشركات الخاصة بعد فترة من الزمن لأهداف معينة تتعلق بالشركات، قائلين «الشركات الخاصة فى المجالات دى بتغير كل كام سنة الأطباء البيطريين اللى عندها وتجيب خريجين جدد علشان ما تدفعش مرتبات كبيرة للقدامى، وبالتالى يتم تسريحهم وبعد كده يرجعوا يذاكروا تانى من أول وجديد فى مجال آخر علشان يشتغلوا فيه زى الدواجن مثلاً لأنه مجال سهل».

وعن المرتبات التى يتقاضاها الطبيب البيطرى عقب التعيين فى الحكومة أو القطاع الخاص، أوضح الطلاب أن المرتبات فى الحكومة ضعيفة جداً تتراوح بين 1200 و1500 جنيه مثل الموظف العادى، وفى القطاع الخاص تتراوح بين 2000 و2500 جنيه، متابعين: «نفسنا يكون عندنا وظيفة حكومية زى الأطباء البشريين والصيادلة».

وحول أهمية الطب البيطرى فى الحياة، أكد الطلاب أن أهمية الطب البيطرى كبيرة جداً ولا تقل أهمية عن الطب البشرى، لأن الأكل الذى يتناوله الشعب المصرى وخصوصا ذا الأصل الحيوانى «لحوم أو دواجن» يعتبر الطب البيطرى هو المسئول عنه من الألف إلى الياء، منذ بداية تربية الحيوان ووصوله للوزن المناسب حتى المحافظة عليه وعدم انتقال الأمراض إليه يؤثر على اللحوم ثم ينتقل للإنسان، مروراً بتصنيع اللحمة نفسها، مشيرين إلى أن دائرة تصنيع هذا الغذاء المسئول الأول عنها الطبيب البيطرى.

ومن أهم الأمراض التى يمكن أن تنتقل للإنسان من الحيوان «الإيكولاى» و«السالمونيلا» و«السل» و«الديدان الشريطية» وغيرها، ولو أن الطبيب البيطرى لم يقم بدوره فى الكشف عن الأغذية ويحدد هل هى صالحة للاستهلاك الآدمى أم لا سوف تؤذى الإنسان وساعتها يبدأ دور الطبيب البشرى فى معالجته، ولذلك فإن الطب البيطرى هو الأساس.

وأشار الطلاب إلى أن حل الأزمة الحالية يتمثل فى وضع أطباء بيطريين فى كل منشأة تصنع أغذية، لأن أغلب حالات التسمم تكون بسبب عدم وجود رقابة من الطبيب البيطرى على الأغذية، وأبرز مثال على ذلك لحوم الحمير التى يخلطها البعض فى المطاعم والوجبات الآدمية.

وحول عدد خريجى كلية الطب البيطرى جامعة القاهرة كل عام، لفت الطلاب إلى أن العدد يبلغ 450 طالباً تقريبا، و4000 طالب على مستوى الجمهورية.

وفى النهاية، أكد الطلاب أن أفضل مجال لخريج الطب البيطرى حالياً، هو السفر للخارج والعمل فى الدول الخليجية، قائلين: «لأنه هيشتغل باللى درسه فعلا ومش هيشتغل فى مجال الأدوية، وهياخد مرتب أحسن من مصر بكتير ويعيش حياة كريمة».

 

د. سامى طه نقيب البيطريين السابق: يوسف والى أوقف تكليف الأطباء لأننا نستورد الغذاء

 

قال الدكتور سامى طه، نقيب الأطباء البيطريين السابق، إن الأطباء البيطريين حتى عام 1995 كان يتم تكليفهم بقرار سنوى من مجلس الوزراء بناء على طلب وزير الزراعة، ثم توقف هذا الأمر فى 1995 أثناء تولى يوسف والى وزارة الزراعة، واقتصر على مسابقات تعيين تختار أعداداً قليلة.

وأضاف «طه»، أن سبب وقف التعيينات فى عهد «والى»، كان بسبب اعتماد مصر على استيراد نسبة كبيرة من غذائها، وبالتالى كنا يرى الوزير عدم أهمية وجود الأطباء البيطريين لأننا لا ننتج غذاءنا، ولأنه لم يكن أميناً على الزراعة فى مصر، فقد دمر الثروة الزراعية والحيوانية بسبب سياساته الفاشلة أثناء توليه الوزارة.

وأشار نقيب الأطباء البيطريين السابق إلى أن تكليف البيطريين كان يتم بناء على قانون صدر فى 1961 يشمل الأطباء البشريين والبيطريين والأسنان والصيادلة، وكان هذا الوضع يسير بشكل طبيعى حتى وقف التعيينات فى 1995، واستمر وقف التعيينات حتى ثورة يناير 2011،

حيث تم تشكيل مجلس نقابة جديد عقب الثورة وسعى جاهداً لدفع الحكومة نحو إعادة تعيين الأطباء من جديد وتعديل قانون التكليف ليعود ويشمل البيطريين.

وتابع: «بالفعل نجحنا فى حصر احتياجات الدولة من الأطباء البيطريين فى 2012 وقدر العدد بـ8500 طبيب، وبدأنا الاجتماعات مع مجلس الوزراء فى نهاية 2012 واتفقنا على تعيين هذا العدد، ولأن يوم الحكومة بسنة لم يصدر قرار التعيين إلا فى 2015 ولكن بتعيين 6500 فقط».

وأوضح أن هذا العدد رفضته وزارة المالية بسبب خوفها من زيادة الأعباء المالية على الدولة، وطالبت بالاكتفاء بتعيين 2156 طبيباً بيطرياً فقط، وصدر قرار من مجلس الوزراء بتشكيل لجنة لتكليف الأطباء وتم التعيين ولكن لم يتم تعديل القانون»، بحسب نقيب البيطريين السابق.

ولفت «طه» إلى أنه حينما أعلنت الحكومة تعيين الـ2156 طبيباً، تقدم لهذه المسابقة 19 ألف طبيب بيطرى يبحثون عن عمل، وهو ما يوضح العدد الكبير لأصحاب هذه المهنة العاطلين، موضحاً أن عدد كليات الطب البيطرى فى مصر 18 كلية، تم إنشاء الأولى منها فى عهد محمد على باشا سنة 1827، وإجمالى عدد الخريجين سنوياً يتراوح بين 4 إلى 5 آلاف طبيب سنوياً لا يجدون عملاً مناسباً لدراستهم.

«الخريجون من الكليات الـ18 يلجأون حالياً إلى العمل فى مجالات بعيدة عن المحور الأصيل والعمود الفقرى للمهنة، فبدلاً من العمل بالمجازر والمعامل والوحدات البيطرية، نجدهم يعملون فى مجال الدواء البيطرى ومندوبى مبيعات لشركات الدواء وغيرها من المجالات البعيدة عن أصول المهنة».

وأكد أن ذلك ينعكس سلباً على الخدمات البيطرية المقدمة فى المجازر والمعامل والوحدات، لأن عدد الأطباء لا يكفى للتفتيش على محال الجزارة والأطعمة المنتشرة فى مصر حالياً، ولذلك تعددت حالات التسمم بالطعام الفاسد والمغشوش وغير الصحى.

وكشف «طه» أن المهنة تحتاج إلى صقل وتواصل الخبرات والطبيب يحتاج إلى تطبيق ما درسه فى الكلية عملياً فى المعامل والمجازر والوحدات حتى يكون لدينا مهنيون وليس خريجين، وهذا أخطر ما فى الأمر، لأن وقف التعيينات يجفف منابع المهنة ويغتالها فى صمت، متابعاً: «الدولة تعين الأطباء البشريين والصيادلة خريجى الكليات الخاصة، أليس من الأولى تعيين البيطريين خريجى الكليات الحكومية».

وأضاف: «الحل الوحيد ولا يوجد غيره لهذه الأزمة، تعديل قانون تكليف المهن الطبية وإضافة البيطريين إليه، بجانب مسابقات التعيين الحكومية المقامة حالياً، ووقف تجفيف المهنة واغتيالها».

 

أصل كلمة بيطرىّ

 

كلمة بَيْطرىّ هى اسم منسوب إلى بَيْطَرة، والطب البيطرى هو ما له علاقة بطب الحيوان، وهو فرع من فروع الطب يبحث فى أسباب أمراض وإصابات الحيوانات، وطرق تشخيصها وعلاجها، خاصة الأليفة منها، ولذلك فالطبيب البيطرى هو طبيب خاص بمعالجة الحيوانات، ويقال بيطرَ الدابة أى عالجها، «شق حافرها ليعالجها».

وجاء فى لسان العرب:

البَطْرُ: الشَّقُّ؛ وبه سمى البَيْطارُ بَيْطاراً والمُبَيْطِرُ: مُعالج الدواب، ومن ذلك؛ قال أحد الشعراء: شَكَّ الفَرِيصَةَ بالمِدْرَى فأَنْفَذَها.. طَعْنَ المُبَيْطِرِ إِذْ يَشْفِى مِنَ العَضَد، والمدرى هنا قرن الثور؛ يريد أَنه ضرب بقرنه فريصة الكلب وهى اللحمة التى تحت الكتف التى تُرْعَدُ منه ومن غيره فأَنفذها، والعضد هو داء يأْخذ فى العضد، وهو يُبَيْطِرُ الدواب أَى يعالجها.

 

تاريخ الطب البيطرىّ فى مصر

 

أنشئت مصلحة الطب البيطرى فى عهد محمد على باشا سنة 1827، عندما أنشئت أول مدرسة لتعليمه بمدينة رشيد.

وكان محمد على الذى ركز جهوده فى إعداد جيشه الضخم بأسلحته المختلفة ومنها سلاح الفرسان الذى توفرت له الخيول اللازمة والأطباء البيطريون الذين أنيط لهم رعاية تلك الخيول وعلاجها من ضباط الجيش الذين كانوا يرسلون فى بعثات إلى فرنسا للتخصص فى الطب البيطرى.

وقد ظهر بمدينة رشيد وباء خطير أصاب الأبقار نتج عنه نفوق ما يقرب من 1200 رأس من الأبقار المصابة، فاستدعى محمد على باشا، اثنين من الأطباء البيطريين من مدينة ليون بفرنسا من خريجى مدرسة الفرير هما «المسيو هامون» و«المسيو برينو»، واكتشفا أن الإصابة ناتجة عن طاعون قذارة الحظائر ورطوبتها وعدم تهويتها.

ورأى محمد على ضرورة إنشاء مدرسة عصرية لتعليم الطب البيطرى دعماً لسياسة مقاومة أمراض الحيوان وتجنباً لحدوث مزيد من الخسائر بعد حدوث الوباء، وقد أنشئت هذه المدرسة فى رشيد عام 1827، وأشرف عليها المسيو هامون والمسيو برينو واستقدم إليها طلبة من مدرسة الطب البشرى فى أبى زعبل وعوملوا نفس المعاملة فى مدرسة الطب البيطرى وأعطيت لهم الكساوى والمرتبات ذاتها التى كانت تعطى للأطباء البشريين.

وفى عام 1831، انتقلت المدرسة إلى أبى زعبل بجوار مدرسة الطب البشرى وأنشئ بها مستشفى تدريبى وعلاجى، ومشرحة وصيدلية واستراحة لهيئة التدريس وألحق بها خمسون طالباً وكانت الدراسة باللغة الفرنسية وانتدب لها أساتذة من الخارج.

وفى عام 1923 قررت الحكومة ضم جميع المدارس العليا إلى وزارة المعارف ومنها مدرسة الطب البيطرى فانسلخ من المدرسة المعمل الباثولوجى والمستشفى.

وعندما أعيد تنظيم الجامعة المصرية اعتبرت مدرسة الطب البيطرى العليا كلية وأصبح اسمها كلية الطب البيطرى.