رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"الصف" شوارع تنضح "فقراً".. وجبال "مفخخة"

بوابة الوفد الإلكترونية

بدأ العد التنازلي لاقتحام «مدينة الصف»، التمشيط الجوي يتواصل في ظهير صحراوي مفخخ جراء تشابه تضاريسه إلى حد كبير مع جبال «سيناء»، وتقاليد القبائل تنزع خصوصية «التشابه الجغرافي» بين «العربان» في جنوب الجيزة وشمال سيناء.

خارج دائرة المعاينة لـ «المركز» الذي يضم أربع مناطق «عرب الحصار، وأبوساعد، وغمازة الصغرى»، هي الأقرب للاستهداف الأمني، تشير كافة الأجواء إلى حرب طاحنة متوقعة بين قوات الأمن ومجموعات المسلحين، و«ميدانياً» تسقط نظرية التعميم على أعتاب القرى ذات الأغلبية المرحبة بحملة «عسكرية» لتطهير البلاد، وزد على سياق الترحيب مطالب كامنة للبسطاء أبرزها «كوب ماء نظيف» و«تيار كهربائي» على الأقل ينتظم ليلاً.
تتشابه القرى الثلاث في ظهير صحراوي يمتد على الطريق الدولي «الكريمات» دون منفذ للطريق سوى الكائن عند مدخل «قرية الودي» الذي يبعد عنها بما يقرب من 20 كيلو، وتتقاسم الأماكن الثلاثة «تواجد قبلي» لقبائل «مطير» التي تتمركز في عرب الحصار، و«السواعدة» ذات السيطرة الكاملة في عرب أبوساعد، و«المعازة» وهي القبيلة التي لا تتعامل مطلقاً مع الأهالي وتستأثر بعزلتها خارج نطاق «المدينة»، على خطى سكان جبل الحلال.
في القرى الثلاث يقبع «المطاريد» على بعد ما يقرب من 5 كيلو مترات عن «الطريق الدولي» خلف «هضاب» متوسطة الارتفاع إذا كنت قادماً من وسط «القرية» أي قرية من الثلاث، والملاحقة الأمنية في تلك المناطق لا تعرف «عشوائية» التصرف، نظراً لإمكانية الهروب من عدة مخارج يعلمها فقط «الخارجون علي القانون».
جبال الصف لا تعرف تواجداً للجماعات الإسلامية المسلحة – بالطريقة التي تثير القلق الشعبي – وإنما يلجأ إليها بعض قادة الإخوان المطاردين – هؤلاء الذين يظهرون نهارا في مسيرات ما أسموه «دعم الشرعية» -، ويلوذون ليلاً بتلك المنطقة التي تقع خارج سيطرة الأمن منذ «جمعة الغضب 28 يناير 2011».
والمناطق المستهدفة استناداً إلى إيواء مسلحين ومطاردين من «الجماعة» لا يعرف أهلها عن السياسة شيئاً إلا بقدر ما تسمح به لقاءات «الأصدقاء» بين شباب أغلبيتهم يبحث عن «لقمة عيشه» في جنبات القاهرة، تاركاً للقرى «نقص خدماتها» وندرة فرص العمل.
بضع دقائق تنقلك من الصف إلى «عرب الحصار»، خلال السير تبدو «لافتات» لشهداء سيناء من أفراد الشرطة على يمين الطريق، إحداها تعتلي مدخل «مسجد» بالقرب من قرية «الفهميين»، تلخص «اللافتات» التي تندد بالإرهاب الدموي حال المدينة التي لا تعرف شوارعها العنف إلا في حالات استثنائية تتلاشى أمام لقاءات «كبار العائلات».
هنا «عرب الحصار» لافتة زرقاء تحمل اسم «القرية»، ويجاورها أسطول من سيارات «ربع نقل» – بعضها غير مرخص - تنقل المواطنين إلى داخل القرية، وعلى جانبي الطريق تلحظ عيناك زحفاً عمرانياً على الأراضي الزراعية حتى تصل إلى وسط المنطقة «بدوية الطابع» مدنية البنايات.
في شوارع «القرية» تشير المحلات التجارية إلى واقع اقتصادي «متدهور»، «قلة البضائع» قاسم مشترك في أغلب الأماكن ذات التوجه التجاري المختلف، وباستثناء «ورشة الميكانيكا» لم ألحظ تواجداً شعبياً حتى من الأطفال على محلات البقالة خلال فترة ليست بالقليلة.
و«عرب الحصار» التي تعرفها – ويكبيديا - على أنها قرية تقع في مركز الصف، جنوب الجيزة فقط، تعود تسميتها إلى حصار تعرضت له المنطقة من الاحتلال الإنجليزي، بغض النظر عن أسباب الحصار، حسبما يروي شهود العيان.
أطراف القرية القريبة من الجبل «الظهير الصحراوي» تأخذ طابعاً مشابهاً من ناحية «الطابق الواحد» للمبنى، والطرق لا تعبرها آمنة إلا سيارات الدفع الرباعي أوالـ «ربع نقل» التي يسمونها «الدبابة».
على جدران بعض المنازل لا تزال لافتات «نعم للاستقرار»، هذا الشعار الذي كانت تدفع به الجماعة ونظامها، كلما اقترب موعد مواجهة على الصناديق، كان آخرها «الاستفتاء على الدستور»، قلة اللافتات تشير إلى ندرة الوجود «الإخواني» في القرية التي تصل فيها حياة «القبيلة» حد التقديس.
«سمعة تجارة السلاح وسرقة السيارات» شائعات تحاصر «القرية»، الرهان على التجول في شوارعها لقراءة واقعها السميك في وجوه أبنائها وقياداتها، هنا طفرة تعليمية «بشرية» في العقول، تتناسب عكسياً مع «المدارس» والخدمات التعليمية الموجودة على الأرض.
في تلك المناطق يصبح السير بلا دليل باعث على «الترقب»، الأعين هنالك تقرأ ملامح الغرباء، قبيل 5 كيلو مترات فاصلة بين أطراف المدينة والظهير الصحراوي كان الشاب عزت المحرق - أحد مواطني عرب الحصار - سائراً باتجاه منزله، سألناه عن منتهى الظهير الصحراوي دون الدخول في تفاصيل المهمة، قال: إننا الآن متواجدون في منطقة الظهير الصحراوي، طلبنا منه ذهاباً بالقرب من أوكار المطاريد، وقطعنا حبائل «توجسه» بشرح تفصيلي عن المهمة التي نسعى لها.
ساقنا «المحرق» ناحية امتداد صحراوي ممهور ببعض المساحات الخضراء، تروى بماء «الصرف الصحي» – على حد قوله - وشرح خريطة المنطقة التي تربط القرى الثلاث المستهدفة عبر ظهير صحراوي يصل إلى منطقة حلوان.
الظهير الصحراوي للقرية - وفقاً لروايته - يبلغ 150 فداناً، موزع على 4 مستثمرين على الأكثر بطريقة «وضع اليد»، وخلف الأرض التي يقطع استواءها «تباب عالية» يقبع المسلحون في مساكن مكونة من «غرف واحدة» يمكن من خلالها مطاردة المارة بأية سيارات والاستيلاء على ممتلكاتهم.
يقول «المحرق»: إن «المطاريد» أو «المسلحين» مجموعة من المساجين الهاربين، وهم «مافيا» أو شبكة متصلة على امتداد الطريق الدولي من حلوان حتى أطفيح، لافتاً إلى أن السيارات تسرق خارج القرية، في حين يتم تسليمها في المنطقة الصحراوية

بـ «عرب الحصار»، وإعادتها مسعرة بـ «20 ألف جنيه للسيارة الواحدة»، الأمر الذي يمنح القرية سمعة سيئة ويضعها بالجملة تحت «ميكروسكوب الملاحقة الأمنية».
وعن التواجد الأمني يشير الشاب الثلاثيني الذي لا تعنيه السياسة بقدر ما تعنيه فرصة عمل كريمة «ننتظر التواجد الأمني المكثف للحد من السرقات التي تحدث يوميا دون رادع».
وسط قطعة أرض تبلغ مساحتها فداناً، كان «عم سليم عبدالعزيز سليم» - 55عاماً - مشغولا بحالة الأرض، وجود «المحرق» أزاح ملامح القلق التي كانت آخذة في السيطرة على وجهه، قال «سليم» بعد حوار جانبي مع ابن عائلته: «مشاكلنا الخبز والكهرباء، وغياب الأمن».
ويضيف: «نزول الجيش والشرطة هيفرحنا جداً، بس ربنا يحمي السيسي من الإخوان»، قاطعته: «هل يمكن للإخوان اغتيال وزير الدفاع؟».. رد الرجل قائلاً: «الإخوان أخطأوا أكبر خطأ، وكفاية الناس اللي بتموت كل يوم من الجيش والشرطة».
وبعث «سليم» ذو الـ 55عاماً برسالة إلى وزيري الدفاع والداخلية قال فيها: «ياريت يركزوا على البلطجية والنشالين، ويطهروا مركز الصف من البؤر الإجرامية اللي فيه».
ويستطرد قائلاً: «كل خط العربان ده «السويس أو سيناء» أو الصف كله واحد، يحتاج إلى تطهير».
وفي سياق مشاكل الجبل «الظهير الصحراوي» يقول: الجبل ده مكنش بيتزرع، والأراضي كلها وضع يد ـولما حصل رشح الأرض الزراعية في البلد، بدأت الناس تزرع «أرض الجبل»، ولكن للأسف نزرعها كـ «مستأجرين» بسبب سيطرة مستثمرين أغراب عليها.
إلى جوار الأرض التي ترتوي بماء الصرف الصحي، تبدو بناية بارزة يطلقون عليها اسم «المطار».. يقول دليل بدوي: إن هذا المبنى ليس به سوى خفير واحد فقط، في حين أن المبنى ترسل منه رسائل للطائرات العابرة، ويصلح أن يكون مهبطا في أي وقت.
أمام المبنى غرفتان متفرقتان وعلى إحداهما اسم صاحب الأرض «رضا محمود المحرق»، وأمامهما يجلس شابان للحراسة، أحدهما يدعى «مصطفى محمد 16 عاماً»، شاهد عيان على سير المطاردين أمنياً و«مسجلي الخطر» ذهاباً وإياباً لإتمام عمليات السلب والنهب والتخريب، لكنه في الوقت ذاته ينفي تعرضهم لأحد من أصحاب المزارع أو الأراضي المستصلحة.
يقول «مصطفى»: لا يستطيع أحد ممارسة أعمال البلطجة والعنف داخل القرية، لافتاً إلى أنه حتى وإن كان ملثماً يمكن التعرف عليه بسهولة من أهالي القرية.
«لا علاقة لنا بالسياسة إطلاقاً»، بهذه العبارة يغلق الشاب أبواب الحوار حول مسيرات الإخوان أو تواجدهم في المدينة، لكنه يترك المجال مفتوحاً أمام البحث في غيابات الجبل عن «المطاريد»، وعناصر الإخوان الهاربة في المنطقة ذاتها من الملاحقات الأمنية.
يعاود عزت المحرق، حديثه مرة أخرى: المطاريد أو «المسجلين خطر» يحتمون بهذا المكان لأنه صعب الاقتحام، و«شهرة المنطقة» بأنها ذات رواج  للمسلحين يضعف آمال التنمية في قرية ليس بها مدرستان ومعهد ديني، إضافة إلى تدني الأحوال المعيشية للمواطنين.
قبيل المغادرة كان رضا محمود «صاحب مساحة 20 فدان» بالظهير الصحراوي في طريقه للمنطقة، أراد أن يشرح معاناته التي تبعد تماماً عن «جغرافيا الاقتحام» وخريطة المطاردين في المنطقة.. قال محمود: إن الصف تعاني أعلى نسبة في الفشل الكلوي جراء الري بمياه الصرف، لافتاً إلى أن الخضراوات تنضح «قذارة» إذا مر عليها يوم واحد في منزل أحد.
وأردف قائلاً: «المزارعون لا يأكلون ثمارهم، والأراضي التي من المفترض أن يتملكونها عبر الجمعيات لاستصلاحها يتم تقسيمها وبيعها «مباني» عبر «مافيا مسيطرة»، في حين أن هؤلاء الملاك يحصلون على السماد ويبيعونه بالسوق السوداء».
معاناة «عرب الحصار» ليست في ظهير صحراوي يأوي العناصر «المسلحة» فقط، وإنما تجاهل حكومي يمنح فرصا أوفر لـ «الجهل والمرض» لتغذية روافد الإرهاب.