رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"المواطنة" باب الخروج من الأزمة

كمال زاخر
كمال زاخر

61 عاما مرت على ثورة يوليو، قرعت خلالها أياد مضرجة بالدماء أبواب الوطن الذي تأكله ثوراته منزوعة الاكتمال «نصف ثورة تعني مقبرة للشعب»، والتاريخ يكرر نفسه مرتين الأولى مأساة، والثانية مهزلة.

23 يوليو 1952 رقم مهم في ذاكرة الحركة الوطنية المصرية، وذكرى ثورة أطاحت بـ«ديمقراطية» يرنو إليها الشعب تحت مسمى «العدالة الاجتماعية».
تختلف الذكرى الــ61 لـ«ثورة يوليو» هذا العام عن نظيراتها في الأعوام السابقة، قواعد اللعبة السياسية انقلبت رأسا على عقب، الإسلاميون الذين فارقتهم «تورتة يوليو»، وحصدوا منفردين «كعكة يناير»، عادوا مرة أخرى إلى هامش الرقعة السياسية، والجماعة التي كانت بالأمس القريب حاكمة صارت ذكرى.
والأقباط متغير ثالث بين الإسلاميين «حاصدي ثورة يناير» والعسكريين «محتكري ثورة يوليو» حسبما ترسم خريطة المرحلة، في الأولى «يناير» كان شباب الأقباط جزءا من الثورة جنبا إلى جنب مع كافة التيارات في ميدان التحرير يرددون هتاف «الشعب يريد إسقاط النظام»، والنظام الذي أرادوا إسقاطه هو امتداد طبيعي لـ«ثورة يوليو» انحرف قليلا وأضاع ما تخللها من امتيازات للشعب، بينما في 1952 لم يكن للأقباط تمثيلا واضحا بين مجلس قيادة الثورة المعروف بـ«الضباط الأحرار» باستثناء ملازم يذكر على هامش المرحلة يدعى»شكري فهمي»عضو الصف الثاني للضباط الأحرار..
تصاعدت مخاوف الأقباط في مرحلة ما بعد 1952، عقب استيقاظهم ذات يوم على اختفاء حزب الوفد ذلك المنبر الذي كان يرفع شعار الوحدة الوطنية، ويمارس الأقباط في ظل حكومته دورا فاعلا رئيسا في الحياة السياسية المصرية، تلك المخاوف التي جاءت في غياب ممثلين أقباط عن مجلس قيادة الثورة، إلى جانب حل الأحزاب، وتراجع التمثيل البرلماني دفعت عبد الناصر –إلى إغلاق 10 دوائر برلمانية إرضاء للأقباط، غير أن إغلاق الدوائر لم يسعف «الزعيم» آنذاك في ترقيع حق الأقباط السياسي، فاستحدث بتعديل دستوري مؤقت مبدأ تعيين الأقباط في البرلمان والذي وصفه المفكر الكبير ميلاد حنا بأنه «إقصاء سياسي» نتيجته إسقاط السلطة في حجر «بطريرك الكنيسة»، وحسبما رصد باحثون فإن 21 نائبا قبطيا نجحوا بالانتخاب على مدار 30 عاما في حين تم تعيين 65 نائبا.
لم يتوقف المد الناصري إزاء الأقباط على حدود تراجع الدور السياسي، وإنما امتد إلى الصعيد الكنسي ليحدث تحولا جذريا في تاريخ الكنيسة بـ«إقرار» لائحة انتخاب البطريرك المعروفة بلائحة 1957 أو اللائحة الناصرية – حسبما يحلو لتيار العلمانيين الأقباط، بتلك اللائحة جاء البابا كيرلس السادس بطريرك للأقباط بما يتماشى مع طبيعة مرحلته التي لم تعرف فيها آلية «الانتخاب».
بعض الدوائر القبطية لم تجرد ثورة يوليو من إيجابيتها، رغم أن جزاء وفاقا لـ«إبعاد النخب القبطية» وحصار الحياة السياسية الذي فرضته المرحلة يدفع إلى مهاجمتها دفعا،ومن زاوية المواطنة التي اعتبرها المفكر السياسي جمال أسعد أبرز مكتسبات - يوليو - تقيم مرحلة ما بعد 1952، مشيرا إلى أن مهاجمة تلك الفترة باعتبارها انتقصت من حقوق الأقباط ليس صحيحا، لافتا إلى أن إقامة المواطنة، ورفض التعامل مع الأقباط على أرضية دينية، جاء على عكس هوى القيادة الكنسية وقتئذ، وخاصم مشروع تقسيم مصر المدرج على أجندة أمريكية يحملها المتاجرون بالقضية القبطية.
أسعد المعروف بـ«عروبته وقوميته»، قال إن أوضاع الأقباط بعد ثورة يناير لم تختلف كثيرا عنها قبل الثورة، باستثناء متغير خروج شباب الأقباط من عباءة الكنيسة إلى المجتمع السياسي.
وضمانة التغيير الوحيدة للخروج من نفق»الطائفية´وضمانة التغيير الوحيدة للخروج من نفق «الطائفية» إلى براح «المواطنة» هو التشريعات القوانين التي بقوة الدولة تلزم الجميع لقطع الطريق على «الاحتقان» الدافع دائما إلى الانفجار.
من جانبه قال جورج إسحق - القيادي بحركة كفاية ومنسقها السابق - أن مصر بعد ثورة يوليو حققت العدالة الاجتماعية، والأقباط كانوا على درجة عالية من الترابط، وكان كل المصريين منخرطين في المشروع القومي، ولم نشعر بأي تفرقة، بعكس الشحن الطائفي الغالب على الأداء السياسي الآن.
بعد غروب شمس النظام الإخواني في 30 يونيو، دب التفاؤل في قلوب الأقباط،  بعد تفاؤل

«وهمي» تعايشوا معه في أعقاب ثورة 25 يناير التي عرفت بالثورة البيضاء، شأنهم شأن كافة المصريين، إرهاصات الثورة البيضاء الداعمة لـ«المواطنة» وتجريم التمييز، شكلت حالة مصرية تنذر بــ«زوال» نظريات الاستقطاب الديني وممارسات العنف الطائفي، وثمة أيام قلائل حتى أفاق الوطن على حادث فريد لم تشهده كتب التاريخ من قبل، يأتي في إحراق كنيسة «صول» وهدمها في مارس 2011، أعقبه على مدار عدة أشهر بضعة أحداث طائفية من العيار الثقيل - لم يظهر لها «جانيا من مجني عليه» حتى الآن.
عين الشارع القبطي ترى «الثورتين» المتصارعتين على ذاكرة التاريخ، بلافروق، حظوظ الأقباط واحدة، اللهم إلا إذا شهدت المرحلة الحالية، دستورا وطنيا يعبر عن ملامح التركيبة المصرية،بعد أن استمر مفعول بدعة تعيين الأقباط في المجالس النيابية، وسيطرة الطائفية على انتخابات ما بعد الثورة «الشعبية» .
الفارق بين مشهدي «يوليو» و«يناير» حسبما يبدو للمفكر القبطي كمال زاخر مؤسس جبهة العلمانيين الأقباط، مرتهن بالثقافة السائدة للمجتمع، لافتا إلى أن وضعية الأقباط لاعلاقة لها بالثورات، وإنما ما طبق على المصريين وقتئذ طبق عليهم.
ويستطرد قائلا: «دولة المواطنة ما بعد 1952 مرت بمراحل ثلاث، أولاها «الناصرية»  تلك التي لم يكن لها عداء مباشر مع المواطنة، إنما شابها بعض المتاعب في مقدمتها «قوانين الإصلاح الزراعي، والتأميم»، والثانية مع «السادات» الذي بدأت الأزمة في عهده بعد إيقاظه للخلايا «الدينية» النائمة لتتعاطى بقوة مع الشارع السياسي، ويدفع الأقباط ثمنا بالغا خلال تلك الفترة.
وثالثتها «مرحلة مبارك» والتي كانت بدايتها غير مبشرة بالمرة إزاء إصراره على استمرار حبس البابا شنودة بالدير، تنفيذا لقرار السادات، وانتهت بـ«إحالة» كافة الإشكاليات الطائفية إلى جلسات الصلح العرفية.
زاخر الذي لا يرى مفاجأة في صعود التيار الإسلامي بعد يناير، وتراجعه على هذا النحو الذي جرى في 30 يونيو، يؤكد ضرورة كتابة دستور وطني يعبر عن الجميع، ويضمد جراح المرحلة الانتقالية.
على الصعيد ذاته حسم د. أندريا زكي «نائب رئيس الطائفة الإنجيلية جدل المفارقة بين أوضاع الأقباط إبان ثورتي «يوليو، يناير» بقوله: «يناير أقرب للقلب وفقا لموجتها الثانية في 30 يونية –على حد قوله - لافتا إلى أنه في ثورة يوليو لم يكن الأقباط جزءا من الثورة، ولا من تنظيم الضباط الأحرار، في حين أن ميدان التحرير شهد مشاركة الأقباط في ثورة يناير وموجتها 30 يونية ضمن صفوف الثوار يهتفون بـ«سقوط النظام».
وأشار «زكي» إلى تعرض الأغنياء من الأقباط والمسلمين إلى التأميم والمصادرة بعد «يوليو»، في حين أن الوضع الحالي يتطلع معه الجميع إلى كتابة دستور جديد يعبر عن مطالب الشعب وينحاز لكافة المصريين.