20 مليار جنيه لـ450 الف مستشار في عهد مبارك
في مصر الآن من ثلاثة إلي أربعة ملايين عاطل علي أقل تقدير.. لا يجدون فرصة عمل لكسب ما يكفيهم للحد الأدني من حياة كريمة في وطنهم..
وفي مصر أيضا ما يقرب من نصف مليون محظوظ يتقاضي كل منهم شهريا ما يعادل رواتب 500 خريج علي فرض أن هذا الخريج يحصل علي 500 جنيه.
تمييز متعمد صنعه نظام مبارك طوال 30 عاما، وخلف وراءه فئة من أصحاب المعاشات الذين يستولون علي مناصب وأموال طائلة تحت اسم "مستشارين" للحكومة في جميع الوزارات والهيئات، يتقاضون أكثر من 20 مليار جنيه سنوياً، وبلغ عددهم نحو 450 ألف مستشار بحسب موازنة 2009 -2010.
أغلب هؤلاء تخطي سن التقاعد، لكن تم الإبقاء عليهم من باب أن المستشار هو الذراع الأيمن للوزير أو رئيس الهيئة، واعتاد الوزراء اختيارهم من أصدقائهم والمقربين منهم، علي سبيل المكافأة لهم علي سنوات قضوها في خدمة جهات سيادية بالدولة، فأصبحت سبوبة تدر تدخلا كبيرا لجيوب المستشارين.
دراسة حديثة لمؤسسة الإنماء الاقتصادي المهجري أكدت أن راتب المستشار الواحد يتراوح بين 12 و25 ألف جنيه شهرياً حسب خبرته السابقة، مشيرة الي ان ارتفاع اعدادهم يرجع إلي تدني مستوي الأداء الحكومي للمسئولين بدءاً من الوزراء والسفراء ووصولاً إلي صغار المديرين الذين يحتاجون دوما إلي الدعم الثقافي والفني والبحثي، وأوضحت الدراسة أن هذا التدني خصوصا في العامين الأخيرين أدي إلي زيادة عدد المستشارين بالدولة بمعدل من 24 ألفا عام 2007 الي اكثر من 70 الفا عام 2009 ما بين إداري وقانوني وتنظيمي.
الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء نفي أن يكون هناك ما يسمي بمستشار في النشرة الدورية للعاملين بالجهاز الاداري بالدولة أما بيانات وزارة التنمية الادارية فتشير الي ان المستشارين المعينين بالجهاز الاداري للدولة لا يتجاوزون 300 خبير وطني وأجنبي.
وكان تقرير حديث صادر عن الجهاز المركزي للمحاسبات كشف أن وزارة المالية تحتل المرتبة الأولي بين الوزارات الحكومية، والتي يحصل العاملون والموظفون بها علي رواتب ضخمة تليها وزارات العدل والخارجية والداخلية والثقافة والنقل، وأكد التقرير أن هناك أكثر من خمسة آلاف و500 من كبار موظفي الدولة يحصلون علي مرتبات وأجور تتجاوز الحد الأقصي المسموح به سنويا وهو 54 ألف جنيه بمعدل 4500 جنيه شهريًا، ويتركز معظم هؤلاء في المستويات القيادية بالمحافظات والإدارات المحلية والهيئات العامة ودواوين الوزارات.
ففي وزارة المالية وعلي الرغم من وجود عجز سنوي في الموازنة العامة للدولة، هناك رواتب فلكية يتقاضاها 50 مستشارا للوزير السابق يوسف بطرس غالي منهم: اشرف العربي الذي عمل محاسبا في عدة مكاتب محاسبة خاصة، وكانت شركات والد بطرس غالي تراجع بمعرفته، وتم تعيينه مستشارا لوزير المالية في 2005 واعتبارا من عام 2006 تم تعينه رئيسا لمصلحة الضرائب، وهاني قدري الذراع اليمني لغالي، والذي عمل من قبل في صندوق النقد الدولي، وكان مستشارا لشئون التجارة الخارجية عندما شغل غالي منصب وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية.. وعندما تم تعيين بطرس غالي وزيرا للمالية أتي به ليصبح اهم مستشاري وزير المالية وهو يعد المشرف علي التقارير الشهرية والربع سنوية والسنوية الخاصة بالاداء المالي للوزارة كلها.
المستشارة منال حسين واحدة من كبار أصحاب الحظ.. فهي صاحبة التوقيع الاول في وزارة المالية في حالة عدم وجود الوزير وكانت المفوض الاول لوزير المالية بطرس غالي، ولها صلاحيات وزير المالية, وامينة غانم المستشارة الخاصة بترتيب أمور السفر والمؤتمرات الخارجية في المؤتمرات الخاصة بصندوق النقد الدولي، ورانيا زايد مستشارة مشروع الشراكة بين القطاع العام والخاص بوزارة المالية.
وفي وزارة السياحة اختار زهير جرانة 30 مستشاراً له ومنحهم رواتب فلكية وصلت إلي مليون جنيه شهرياً، بواقع 30 ألف جنيه لكل مستشار.
وفي وزارة التضامن منح الوزير السابق علي المصيلحي 22 مستشارًا نحو 186 ألف جنيه من الأموال المخصصة لمشروع مكافحة الفقر بخلاف القطاعات الأخري وأغلبهم من قطاع البريد الذي كان يشغله مصيلحي قبل أن يتولي الوزارة، بمتوسط 8 آلاف جنيه شهريًّا أي ما يعادل موظفي وحدة إدارية بأكملها وكذلك 80 مستشارا داخل كل بنك، يتقاضي كل منهم 250 الف جنيه شهريا.
هناك 67 مستشارًا يعملون في الهيئات الاقتصادية تزيد مرتباتهم علي المليون جنيه شهريًّا، كما أن هناك العديد من المستشارين في وزارة الصحة يحصل الواحد منهم علي 100 ألف جنيه شهريا، وطبقًا لتقارير الجهاز المركزي للمحاسبات فإنه يوجد أكثر من 200 ألف شخص يبلغ مجموع أجورهم ومكافآتهم أكثر من 2 مليار شهريًّا في الوقت الذي حدد فيه القانون بألا يزيد مرتب ومكافأة ما يتقاضاه الشخص علي 54 ألف جنيه في العام.
والمثير للدهشة ـ كما يقول الدكتور صلاح الدسوقي رئيس المركز العربي للدراسات التنموية والادارية ـ أن الهيكل الإداري والتنظيمي لا يوجد به مسمي وظيفي اسمه "المستشار"، لكن الازمة تأتي من جمع عدد من المحظوظين لأكثر من وظيفة، فالمستشار يكون موظفا في
واشار "الدسوقي " الي ان أعداد المستشارين في تزايد مستمر، بمكافآت شهرية تصل 8 آلاف جنيه لعدد منهم، في حين يصل البعض الاخر إلي 30 ألف جنيه شهرياً.
ويري "الدسوقي" أن حل ازمة البطالة التي عانت منها مصر طويلا تتلخص في منع أي موظف من الجمع بين وظيفتين مهما كانت الظروف، بالاضافة الي انه لا يجوز بقاء الموظف في أي منصب حكومي بعد بلوغه السن القانونية، مشددا علي ان اتخاذ هذا القرار سيوفر خلال ساعة واحدة ما بين 2.5 الي 3 ملايين فرصة عمل.
صلاح جودة مدير مركز الدراسات الاقتصادية يري أن نظام المستشارين ظهر في مصر بعد يوليو 1952 في الوزارات والمصالح الحكومية والهيئات، وأصبح كل من يرضي رؤساءه يتم التجديد له بعد بلوغه سن المعاش وتم اختراع عدد من الوظائف مثل: مستشار مندوب أو خبير أو متدرب من الخارج أو غيرها من المسميات المستحدثة.
الأغرب من ذلك هو قيام شخص بالحصول علي إجازة بدون راتب لمدة معينة للتعاقد مع نفس المؤسسة أو الشركة أو الادارة التي يعمل بها بعقد خارجي بصفته خبيراً أومستشاراً مقابل مرتب يعادل علي الأقل 50 ضعف ماكان يحصل عليه علي الرغم من قيامه بنفس عمله.
يؤكد "جودة" وجود نحو 1000 مستشار من الطبقة الممتازة بالجهاز الحكومي والشركات يتقاضي كل واحد منهم راتبا شهريا يبلغ مليون جنيه بإجمالي 12 مليار جنيه سنويا ناهيك عن النفقات الأخري غير المباشرة بالاضافة الي وصول أعدادهم الآن الي 450 ألف مستشار في الجهاز الاداري للدولة.
أحمد درويش وزير التنمية الإدارية في أخر حكومات مبارك قال إن عددا من الوزارء يلجاوا للاستعانة بالمستشارين لتقديم الاستشارة والدعم في بعض الامور الفنية ,وأن عدد المستشارين الموجودين بالحكومة لا يتجاوز 250 مستشارا تحت مسمي خبراء وطنيين، في حين ان الخبراء الاجانب الذين تستعين بهم الحكومة لا يتجاوز عددهم 50 خبيرا.. إضافة إلي عدد اخر من المستشارين يتم الاستعانة بهم بحسب الجهات المانحة، مشيرا الي ان هولاء لايندرجون ضمن الهيكل الوظيفي للجهاز الاداري للدولة، وأن الحكومة لم تكن مطالبة بإدراجهم ولا حصرهم.
دخلي من الوزارة خلال الثلاث سنوات الاولي لم يتعد 1000 جنيه شهريا تم رفعه الي 2000 جنيه خلال السنة الاخيرة.. هذا ما يؤكده ابراهيم علي المستشار الاعلامي لعائشة عبدالهادي آخر وزيرة للقوي العاملة في عهد مبارك.. واضاف: الي جانب ذلك كنت اتقاضي اجري من مجلة العمل التي اعمل بها , بالاضافة الي مكافآت متقطعة من الوزارة.
"علي" يشير إلي ان حجم وعدد المستشارين يختلف من وزارة لأخري باختلاف امكانيات كل وزارة وحجم الاعتمادات المالية المخصصة لها من الموازنة العامة للدولة، موضحا ان الحد الاقصي لرواتب المستشارين بالوزارة لم يتجاوز 5 الاف جنيه وان عددهم لم يتجاوز 5 مستشارين.. وألمح "علي" الي ان هناك عددا من المستشارين يتقاضون رواتب تزيد علي 50 الف جنيه شهريا، مشيرا الي ان الوصول للمنصب قد يأتي من خلال وساطة مسئول او مجاملة لكن بتولي المنصب تصبح هناك مسئوليات وواجبات يجب القيام بها.