عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حزب الحرية .. ‬نيولوك‮ ‬للوطني سابقًا‮!‬



المشهد العام من مصر عبثي‮.. ‬ولم يعد بمقدور أحد مهما كانت براعته،‮ ‬أن يحدد تفاصيله،‮ ‬أو التحكم في نزيف الأحداث المحيطة به‮. ‬فهي متشابكة فيما تشبه لوحة سريالية عصية علي الفهم‮.. ‬الأمر الذي يبعث للقلق علي مستقبل هذا البلد‮. ‬ومصير أجياله،‮ ‬وملامح خريطته السياسية‮. ‬فالأدوار تبدلت‮. ‬الحزب الوطني الذي كان يحكم انهار،‮ ‬وأصبح محظورًا شعبيا بانهيار النظام الذي أفسد الحياة السياسية،‮ ‬فهو لم يعد صاحب الأغلبية المزيفة‮. ‬وليس بمقدوره أن يجد مكانًا له علي خريطة المعارضة‮. ‬لكن قياداته رغم أنها منبوذة تسعي للصعود مرة أخري علي المسرح،‮ ‬بالعمل في الخفاء وعلي استحياء لاستعادة السيطرة علي أوراق اللعبة بعد الفشل الذريع الذي لحق بمحاولات‮ ‬غسيل السمعة،‮ ‬سواء من قياداته أو نوابه فجري ابتكار طريقة جديدة تشبه إلي حد كبير أسلوب جماعة الإخوان من اتباع مبدأ التقية‮!‬
أما الطريقة المبتكرة فهي البدء في تجميل بعض القيادات وإزالة القبح الذي‮ »‬علق‮« ‬علي وجوههم‮. ‬بالانتماء للحزب الذي صار محظورًا،‮ ‬ليكون الظهور والعودة بـ»نيولوك‮« ‬وجري اختيار وتحديد مكان عملية التجميل وهي نقطة الانطلاق من محافظات الصعيد والبحر الأحمر‮. ‬عن طريق تأسيس حزب أطلقوا عليه اسم‮ »‬حزب الحرية‮«.‬
المعلومات التي تسربت حول هذا الحزب مليئة بالأسرار فبعد الانهيار الذي حدث لقيادات وكوادر الحزب وعلي خلفية استقالة حسام بدراوي تبلورت لدي صفوت الشريف وعدد من القيادات التي تسيطر علي الحياة السياسية،‮ ‬فكرة‮ ‬غسيل السمعة وتجميل الوجه القبيح‮.
‬وجري ذلك باتفاق مع ضباط مهمين في جهاز أمن الدولة،‮ ‬قبل أن يتغير اسمه إلي قطاع الأمن الوطني‮. ‬فلم يكن أمام الشريف وأعوانه،‮ ‬سوي البحث عن شخص يلقي قبولاً‮ ‬في الأوساط الشعبية،‮ ‬وخاصة في محافظات الصعيد‮. ‬ووقع اختيارهم علي عضو سابق في أمانة سياسات جمال مبارك،‮ ‬وهو معتز محمد محمود علي حسن‮. ‬ولم يكن الاختيار عشوائيا،‮ ‬فقد جري البحث عن رصيد الخدمات التي قدمها والد معتز في تعيين المئات من أبناء الصعيد،‮ ‬في مصانع الأسمنت،‮ ‬وشركات المقاولات والاستثمار العقاري التي يملكها‮. ‬وكان معتز قد تقدم باستقالته من أمانة السياسات منذ‮ ‬5‮ ‬سنوات،‮ ‬احتجاجًا،‮ ‬علي تخلي قيادات الوطني‮ »‬صفوت الشريف‮ - ‬زكريا عزمي‮ - ‬جمال مبارك‮ - ‬أحمد عز‮«. ‬
عن والده في دائرة مركر قوص،‮ ‬أثناء الانتخابات التي جرت عام‮ ‬1995‮ ‬وتركهم لأمن الدولة يعبث في هذه الدائرة تنفيذًا لاتفاق بين أمن الدولة وجماعة الإخوان‮. ‬وهو الاتفاق الذي أفرز‮ ‬88‮ ‬نائبا لهم‮. ‬ووجه الغرابة أن الاختيار لم يقع علي شقيق معتز،‮ ‬وهو نائب عن الحزب الوطني المنهار‮. ‬واسمه ممدوح محمد محمود لكن يبدو أن هناك محاولة تمت لاستثمار استقالة‮ »‬معتز‮«. ‬وجري الاتصالات التي أعقبتها مناقشات ومشاورات علي ضوئها،‮ ‬تم الاتفاق مع رجل الأعمال بتأسيس حزب الحرية علي أن يسعي لاستقطاب عدد كبير من الشباب‮.. ‬وبالفعل توجه العضو السابق لأمانة السياسات بتسجيل الحزب في الشهر العقاري،‮ ‬وأعقب ذلك تدشين موقع علي الشبكة الإلكترونية لاستقطاب الشباب عن طريق الحوارات الموسعة وكانت الخطوة الأولي هي انفجار الاستقالات الجماعية من عضوية الحزب الوطني من محافظتي قنا وأسوان‮. ‬والاستقالة هي إحد شروط الانضمام للحزب الجديد‮.‬
المشاورات حول فكرة الحزب‮ »‬تحت التأسيس‮«. ‬انتهت إلي اختيار‮ ‬56‮ ‬عضوًا من النواب والقيادات ليكونوا نواة لحزب الحرية‮. ‬وأغلب هؤلاء من محافظات الصعيد والبحر الأحمر وقد تقدم هذا العدد باستقالاتهم من الحزب‮.‬
أما المبررات حول الاختيار للصعيد‮. ‬فهي بغرض الابتعاد عن محاولات كشف الانتماءات السياسية للمؤسسين وبعيدًا عن اهتمام وسائل الإعلام‮. ‬بهدف العمل في هدوء والتمكن من حشد أكبر عدد للانضمام للحزب‮.‬
تفاصيل تلك الخطوات،‮ ‬جري رفعها لقيادات مهمة في وزارة الداخلية‮. ‬وذلك في الوقت الذي كانت تسعي فيه لاستعادة توازنها‮. ‬وعلي خلفية ذلك،‮ ‬تم عقد اجتماع بين عدد من النواب أصحاب النفوذ العائلي والقبلي من الأقصر‮. ‬وكان أبرز الحاضرين من المؤسسين،‮ ‬ممدوح محمد محمود‮ - ‬هشام محمد عبدالنبي الشعيني‮. ‬وائل زكريا الأمير،‮ ‬حسين فايز أبوالوفا،‮ ‬وأنضم إلي المؤسسين نائب المنيا أحمد أبوحقة‮. ‬وآخرون‮.‬
إن اختيار محافظات الصعيد له دلالات‮. ‬في مقدمتها الرغبة في ضمان ولاء العصبيات القبلية ورموز العائلات للنواب الذين يمثلون تلك العصبيات في البرلمان‮. ‬أما الأمر الذي لم يعد خافيا علي أحد هو وجود مصالح متبادلة بين هؤلاء النواب وعصبياتهم ومؤسسات الدولة التي كانت‮ »‬هشة‮«‬،‮ ‬عبر وسيط يمثل تلك المؤسسات أو يقوم بأدوراها جميعًا‮. ‬وهو جهاز مباحث أمن الدولة‮. ‬الذي كان يقوم عبر سنوات طويلة بتقديم الدعم المعنوي لرموز القبائل‮. ‬وكان الهدف من ذلك الدعم‮ »‬اللوجستي‮« »‬ليس الحفاظ علي هيبة القبائل وسطوتها تجاه بعضها‮. ‬إنما لتقليص دور تنظيم الإخوان المسلمين،‮ ‬وتهميش أعضاء الجماعات السلفية والجهادية‮. ‬باعتبارها تنظيمات تعمل ضد النظام الحاكم‮.‬
فكلا الطرفين له مصلحة لدي الأخر‮ »‬أمن الدولة‮« ‬يحاصر التيارات الدينية،‮ ‬والعصبيات القبلية تحقق وجاهتها الاجتماعية واثبات تمايزها

العائلي‮. ‬من خلال الحصول علي دعم في تولي المواقع النيابية أو المجالس الشعبية،‮ ‬أو مناصب العمد والمشايخ التي لن تأتي إلا بموافقة أمنية،‮ ‬وليست رغبة شعبية،‮ ‬مرورًا بالحاق أبناء الرموز لكليات الشرطة،‮ ‬والتعيين في النيابة العامة‮.‬
والغوص في أعماق تلك العلاقات الشائكة يشير لوجود طابور خامس للحزب المنهار‮. ‬ربما يجد ضالته في الانضمام للحزب الجديد‮.
‬وخاصة أن الحصار الذي فرضته أجهزة الأمن عبر سنوات طويلة،‮ ‬للأحزاب السياسية الشرعية‮ »‬المعارضة‮«. ‬ترك في الموروث الثقافي للصعايدة تصورات مرعبة،‮ ‬ساهم في انتشارها أجهزة إعلامية ركيكة‮.. ‬وهي أن تلك الأحزاب ليست سوي بضع صحف،‮ ‬وأصوات ضد النظام‮.. ‬وهذه التصورات تكمن وراء اختيار الصعيد،‮ ‬باعتبار أن نوابهم وعصبياتهم دائمًا ترتمي في أحضان السلطة عبر مختلف العصور السياسية‮. ‬وهذا الأمر تدركه جيدًا الجهات الأمنية‮.. ‬لمعرفة ما يجري في الصعيد،‮ ‬وتداعيات ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير‮. ‬يجب التوقف أمام أمور عدة،‮ ‬أبرزها أن تأسيس هذا الحزب ليس لاستيعاب المنبوذين شعبيا،‮ ‬أو لالتقاط الأنفاس‮. ‬إنما هو إجراء تكتيكي،‮ ‬للعودة مرة أخري بـ»نيولوك‮« ‬والاصرار علي البقاء من خلال وجوه جديدة،‮ ‬تضمن علي الأقل،‮ ‬توفير قدر من الحماية ومواجهة الإصرار علي محاكمتهم سياسيا وشعبيا،‮ ‬بالتوازي مع المحاكمات التي تجري بشأن سرقة ونهب أموال الشعب‮.‬
المثير للدهشة،‮ ‬أن أعضاء الحزب المنهار وقياداته والمنتمين للشكل الجديد،‮ ‬اتفقوا ضمنًا مع خصوم الماضي،‮ ‬أو الفزاعة التي كان النظام يرهب به المجتمع،‮ ‬وهم الإخوان والجماعات الإسلامية،‮ ‬باختلاف أشكالها وتبايناتها المذهبية،‮ ‬الاتفاق حول مصلحة تبدو مشتركة فيما بينهم‮. ‬وهي الموافقة علي التعديلات الدستورية المرفوضة من القيادات الليبرالية،‮ ‬ومؤسسات المجتمع المدني،‮ ‬والأحزاب ذات التأثير في الشارع السياسي،‮ ‬فكل طرف يهرول لاسدال الستار علي المشاهد الضئيلة لتحقيق المغانم الخاصة،‮ ‬بعيدًا عن المصلحة الوطنية‮.‬
علي‮ ‬غرار مساعي قيادات‮ »‬الوطني‮«. ‬للاستحواذ علي دعم القبائل والعائلات التي تتحكم في مصير اللعبة السياسية بدأت الجماعات الدينية بالعزف علي الوتر ذاته‮. ‬لتحقيق مآربها‮. ‬وساهم في ذلك،‮ ‬أنها خرجت تمارس نشاطها بصورة علنية،‮ ‬متصدرة المشهد‮ »‬علي خشبة المسرح الإعلامي،‮ ‬والوعظي في المساجد بصورة تثير الفزع،‮ ‬وخاصة أن ما يصدر منهم بتعال،‮ ‬يضعهم في صورة الأوصياء علي المجتمع‮. ‬فالثقة تملأ كل طرف من هذه الجماعات،‮ ‬وذلك في ظل انشغال القوي السياسية في طرح حلول وآليات للاستقرار والانتقال من حالة الثورة إلي طبيعة الدولة‮.‬
الوطني يلعب في الخفاء علي طريقة الإخوان والجماعات الإسلامية‮.. ‬والطرف الآخر يصعد علي المسرح ويملي تصوراته وهو ما جعل التكهنات تذهب إلي أبعد مدي‮. ‬وتشي باتفاقات مع كيانات تبدو مجهولة علي الأقل حتي صدور نتائج الاستفتاءات التي كانت كاشفة عن تأثير التيارات الدينية،‮ ‬لكن ربما تتلاشي الاتفاقات،‮ ‬الضمنية مستقبلاً‮ ‬إذاما علمنا أن الأرقام المالية المرصودة باستعادة توازي الحزب الوطني في شكله الجديد،‮ ‬هي مليار جنيه،‮ ‬وهذا يدفع لفتح باب الرشاوي علي مصراعيه،‮ ‬وفي المقابل أيضا قدرة الإخوان والجماعات علي الانفاق لا تقل بأي حال من الأحوال عن مليارديرات‮ »‬الوطني سابقًا‮«. ‬لكن تبقي الرهانات الحقيقية من اختراق الصعيد علي القبائل والعائلات التي تؤثر علي الحياة السياسية،‮ ‬والاختيارات للممثليهم في المجالس النيابية‮. ‬وهو ما يشير إلي أن الأيام والشهور المقبلة حبلي بمفاجآت عديدة‮.. ‬ونحن في الانتظار‮!!‬