رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

سلامة: محكمة القرن تجاهلت ضحايا الثورة

د. أيمن سلامة
د. أيمن سلامة

توقع الدكتور ايمن سلامة أستاذ القانون الدولى العام منذ أمس الجمعة الحكم بإدانة مبارك والعادلى فى قضية قتل المتظاهرين، وحذر المحكمة من الاعتماد على أدلة الجناة من مساعدى وزير الداخلية والذين كانوا يسيطرون على أجهزة الوزارة لإثبات براءتهم وطالب القاضى بضرورة مراعاة الوضع العام بضرورة القصاص من متهمين ارتكبوا جرائم واضحة لا تحتاج لأدلة ثبوت تقليدية.

وقال سلامة فى مقال نشرته جريدة الأهرام أمس الجمعة هذا المضمون وكان نصه كالتالى :
أخيرا‏,‏ تقطع اليوم جهيزة قول كل خطيب‏,‏ وجهيزة هنا‏,‏ هيئة محكمة جنايات شمال القاهرة برئاسة القاضي المستشار أحمد رفعت‏,‏ والتي تنطق بحكمها القضائي التاريخي غير المسبوق في مصر‏,‏ وسائر البلاد العربية‏,‏ تلبية لمطالب الشعب وإنفاذا لسيادة القانون وإعمالا لمبادئ الديمقراطية‏.‏
أما وقد اختارت مصر الحضارة طريق العدالة وسيادة القانون, ونأت بنفسها الشامخة الأبية عن التوسل بوسائل العدالة الانتقامية الثأرية المزعومة, ولجأت إلي القانون عوضا عن المقاصل والمشانق, وتاقت إلي العدالة بدلا من الغدر والغبن, أجد أن الواجب القانوني يقتضي توضيح بعض الأمور القانونية المتعلقة بمحاكمة القرن:
أولا: إن القناعة القضائية لهيئة المحكمة الموقرة, هي التي تهديهم لاتخاذ القرار القضائي السديد, وهذه القناعة تتأسس علي اليقين التام, وهو يقين علمي منطقي البناء يتسم بالدقة والإحاطة في الدليل محل تقدير القاضي, وهنا لا يمكن أن يكون الدليل عاطفيا أو انطباعيا عابرا.
ثانيا: إن الظروف الاستثنائية التي تعيشها مصر منذ إقصاء النظام البائد, الذي كان يترأسه المدعي عليه المتهم حسني مبارك, ولدت ما يسمي بالشرعية الاستثنائية, والتي تستوجب علي كل المؤسسات الدستورية في البلاد, ومنها مؤسسة القضاء, أن تولي الاهتمام الكافي لحاجات وطموحات الجماعة في مصر, وهذا يفرض التزاما إنسانيا وقانونيا علي عدالة المحكمة يجعلها لا تهمل هذه التطورات والاعتبارات الناشئة, مؤثرة البحث في أدلة يقينية دامغة تفضي إلي الحكم بالإدانة أو البراءة, صعب التوصل إليها وفقا للتحقيقات الجنائية, ووفقا أيضا للسياق السياسي الذي ارتكبت خلاله الجرائم المدعاة.
ثالثا: نحسب أن عدالة المحكمة قد استأنست بتقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر, للتحقق من كل الملابسات التي اعترت ارتكاب جرائم القتل المدعاة في ميدان التحرير وسائر أنحاء مصر, خلال الأيام الأولي من ثورة 25 يناير المجيدة, والذي خلص إلي أن المتهم حسني مبارك, مسئول عن الأمر, والاتفاق, والتآمر, والتحريض علي ارتكاب الجرائم المشار إليها, وأن المتهم مسئول عن عدم التدخل بما لديه من سلطة قيادية قانونية وفعلية لوقف الجرائم المرتكبة من مرءوسيه سواء من قوات الشرطة أو الأمن.
رابعا: أن القانون الدولي, وفي حال صعوبة التوصل إلي أدلة يقينية يؤسس عليها القاضي الدولي أحكامه, يرخص له إعمال مبادئ العدالة والإنصاف, التي تتأسس علي قواعد قانون الطبيعة والمنطق والحال, وهي مبادئ تتميز عن أي نظام قضائي خاص, ولا ترتبط بالتشريعات والقوانين الوطنية لأي دولة, حيث ينصرف معني العدالة هنا إلي الإحساس بالعدل بوجه عام, باعتباره شعورا مستقلا عن مبادئ

القانون وعن السابقات القضائية.
وتهدف هذه القواعد إلي التخفيف من صلابة القواعد القانونية المستقرة, لاسيما في تحديد المسئولية الدولية, ومن ثم فإنه يمكن وبدرجة نسبية انطباق هذه المبادئ علي ما يماثلها في السياق المصري المتعلق بمحاكمة القرن, كما تسد هذه المبادئ النقص أو السكوت الذي يعتري أحكام القانون الوضعي, وهنا يبتدع القاضي الدولي قاعدة دولية جديدة تتسق وتتلاءم مع الظروف والمتغيرات الجديدة وإن كانت مخالفة للتشريعات والقوانين السارية.
وبالنظر إلي الحالة المصرية, فيفترض أن تكون القواعد القانونية السارية عادلة, وأن يتم تفسيرها بشكل عادل, فالعدالة صفة ملازمة للقانون, وتطبيق القاعدة القانونية المجردة علي وضع ملموس يتضمن في ذاته تطبيق العدالة. والعدالة التي تطبقها المحكمة وأن اعتبرت مستحدثة بيد أنها جزء من القانون وتطبقها المحكمة بهذه الصفة.
لقد أرست المحكمة الجنائية في ألمانيا الشرقية السابقة, وفي بداية التسعينيات- من القرن المنصرم- وبمناسبة محاكمة دكتاتور ألمانيا الشرقية السابق: أريك هونيكر, مبادئ قانونية جامعة, في حالات ارتكاب جرائم القتل الجماعية من قبل أجهزة الجيش أو الشرطة أو الأمن أو غيرها من عناصر إنفاذ القانون, تنفيذا لأوامر عليا مخالفة للقانون الطبيعي أو الإنساني أو الأخلاقي. فحين زعم محامي المتهم أن التشريعات والقوانين السارية كانت ترخص لقوات حرس الحدود باستخدام القوة المسلحة لمنع المتسللين من الهروب إلي ألمانيا الغربية, رد القاضي في عبارات حاسمة بأنه لم تكن في عهد الدكتاتور أي تشريعات قانونية, حيث إن النظم غير الديمقراطية لا تستند لأي شرعية, وأن القواعد الإنسانية والأخلاقية أسمي وأمضي من التشريعات والقوانين الوطنية غير الشرعية, وختم القاضي تأسيس حيثيات حكمه بإدانة الدكتاتور هونيكر بأن: التشريعات الوطنية وإن رخصت لقوات حرس الحدود في ألمانيا الشرقية باستخدام القوة المسلحة, لمنع المتسللين من الهروب إلي ألمانيا الاتحادية, فإن هذه التشريعات لم ترخص لهم القتل.
وختاما, نأمل أن تتيح هذه المحاكمات الفرصة التاريخية لمصر في إرساء مبادئ الديمقراطية, والحكم الرشيد التي يأتي علي رأسها قيم المحاسبة والمساءلة والمكاشفة.