عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فى ذكرى ميلاد "النحـــاس" سيد الناس

فى مثل هذا اليوم الخامس عشر من يونيو 1879 ولد سيد الناس صاحب المقام الرفيع الرئيس الجليل مصطفى النحاس باشا  الذى تؤكد كل الأبحاث و الوثائق التاريخية أنه أفنى حياته فى الكفاح من أجل إستقلال مصر و خروج الانجليز منها و كان هدفه الثانى الذى لم يتحقق حتى الأن لمصرنا الحبيبة هو الحكم الديمقراطى الرشيد و رغم أن " النحاس " رأس الوزارة 7 مرات و شارك فى إئتلاف وزارى 17 مرة فى العصر الليبرالى من 1923 إلى 1952 إلا أن مجيئ العسكر إلى السلطة بعد إنقلابهم فى 23 يوليو قد عطل تحقيق هدفه الثانى حتى هذه اللحظة فى مصر .

و ما أحوجنا بعد ثورة 25 يناير الثورة الشعبية الوحيدة منذ ثورة الشعب في 1919 و موجتها الثورية فى 30 يونيو من العام الماضى  أن نتذكر مثل هذا الرجل و نتعلم من الوقائع التاريخية و نستلهم الدروس و العبر التى يجب أن تكون نبراساً لنا فى تلك المرحلة الفاصلة فى تاريخ بلادنا التى مازالت المحاولات لهزيمة ثورتها الجديدة - التى بهرت العالم أجمع -  مستمرة و تجرى على قدم و ساق و فى هذه السطور  نحاول  أن نتوقف عند بعض المحطات فى حياة " النحاس " أو سيد الناس كما أطلق عليه " سعد زغلول " باشا.
و لو عدنا إلى نشأة " النحاس" لوجدنا أنه ولد فى سمنود بمحافظة الغربية و كان والده الشيخ محمد النحاس أكبر تجار الأخشاب فيها و كانت سمعته الحسنة سبباً فى ثقة الجميع به حتى أن كبار تجار الأخشاب بالإسكندرية كانوا يرسلون له البضائع التى يحتاجها  دون مستندات أو عقود من فرط ثقتهم فيه .. و لما بلغ نجله " مصطفي"  السابعة أدخله أحد الكتاتيب البلدة فحفظ القرآن و عمره عشر سنوات و نبغ فى الدراسة فى الكُتاب و عندما بلغ الثانية عشرة من عمره أخذه والده إلى مكتب التلغراف  بسمنود و طلب من صديقه عبد الحميد حافظ تدريبه حتى يصبح تلغرافجى و قام عبدالحميد أفندى بإعطاء " مصطفى "  قائمة الرموز التلغرافية و الاشارات ليحفظها و كانت المفاجأة حين عاد الفتى بعد ثلاثة أيام و قد حفظها جميعاً  و بُهر عبد الحميد أفندى من هذا الذكاء الملحوظ لهذا الفتى حتى أنه كان يحكى قصته لكل من حضر إلى المكتب و منهم المستشار صالح باشا ثابت الذى نصحه بأن يقترح على والد " النحاس " الشيخ " محمد " أن يرسله إلى مدارس القاهرة لإستكمال تعليمه حيث أن هذا الذكاء النادر يُنبئ بمستقبل عظيم لذلك الفتى النابه .. و بالفعل أخذه والده و ألحقه بمدرسة الناصرية الابتدائية بالقاهرة و تفوق الفتى على جميع زملاؤه و حصل على المركز الأول فى كل المواد الدراسية و أيضاً حصل على المرتبة الأولى فى الأخلاق و أنتقل إلى المدرسة  الثانوية الخديوية بدرب الجماميز بالقاهرة و نظراً لتفوقه الملحوظ و رغم سداد والده لمصروفات القسم الداخلى بالمدرسة إلا أن ناظر المدرسة أصدر قراراً بتمتع هذا الطالب المتفوق علمياً و خلقياً بالمجانية الكاملة .. ثم حدث أن زار المدرسة " كتشنر " القائد الإنجليزى للجيش المصرى لإنتقاء عدد من طلابها للإلتحاق بالمدرسة الحربية و إختار "النحاس" من بينهم و لكن الفتى "مصطفى" رفض هذا الاختيار و حاول " كتشنر " الضغط عليه و أخبره أنه يجب عليه طالما تمتع بالمجانية أن يلتحق بالمدرسة الحربية و هنا كان الرد الحاسم من  "النحاس" : أنه لم يطلب المجانية ولم يقبل بها عن فقر  أو عوز ولكن هكذا شاء ناظر المدرسة أن يكافأه علي نجاحه وتفوقه   .. فإنصرف عنه " كتشنر " و لم يستطع الرد .
وواصل " النحاس " تفوقه و تخرج من مدرسة الحقوق فى المركز الأول فى يونيو 1900 و عمل محامياً بمدينة المنصورة ثم إختاره "عبد الخالق باشا ثروت" لتعيينه قاضياً بالمحاكم الأهلية فى أسوان و قنا و القاهرة وطنطا و قدم إستقالته حين إنضم للوفد عام 1919 . و تفرغ النحاس للقضية الوطنية مع "سعد" و رفاقه و تم نفيهم إلى جزيرة سيشل فى المحيط الهندي..  وعندما عادوا من المنفى وألف" سعد باشا زغلول "  وزارة الشعب عام  1924 تولى " النحاس " وزارة المواصلات ثم انتخب النحاس وكيلاً ثم رئيساً لمجلس النواب و عندما رحل " سعد " فى أغسطس 1927 تم إختيار " النحاس " خليفة له و بدأت مرحلة جديدة من كفاح " النحاس " .
و لم يكن طريق " النحاس " فى زعامته للوفد بالسهولة المتوقعة بل إنه حورب من كلفة الاتجاهات .. حاربوه من داخل الوفد و أيضاً من خارجه من جانب القصر و الانجليز وواجه "النحاس" تلك الحرب بمزيد من الجهاد و الكفاح و لم يلتفت إلى من حاولوا دائماً عرقلة مسيرته و العهد الذى إتخذه على نفسه فى استكمال مسيرة الوفد المجيدة و رغم أن خصومه قالوا : أنه إنتهى و هو على قيد الحياة " إلا أن وطنية " النحاس " و صدقه و عمله الدؤوب أثبتت قدرته السياسية العالية التى سخرها من أجل وطنه .

و كان" النحاس "  يحترم مهنة المحاماة و يفهم رسالة القضاء الواقف بحق و انظر إلى هذه الواقعة فقد طلب أحد موكليه المتهمين بالقتل الدفاع عنه و دفع مقدم الأتعاب  ثم ذهب المتهم فى اليوم التالى   لمقابلة " النحاس"  فى مكتبه لمناقشته فى القضية و إستنبط " النحاس

" من المناقشة  أن المتهم قد إرتكب جريمة القتل و هنا  استدعى وكيل مكتبه وأمره أن يرد مقدم الأتعاب إلى المتهم و رفض الدفاع عنه  و صاح  مخاطباً وكيل مكتبه : ان المحاماة مهنة شريفة يجب ألا تدنس ويجب على المحامى ألا يدافع عن القتلة المجرمين ، بل يتركهم لتقتص منهم العدالة " و حاول المتهم  فضاعف الأتعاب فلم يتغير" النحاس "  باشا عن موقفه ، وقال للمتهم : ليست المحاماة تجارة ، ولكنها دفاع عن الحق والعدل " و من هنا فقد كان " النحاس " محامياً عن مجموع المصريين فى الحق و العدل الذى آمن به دفاعاً عن حرية و استقلال و كرامة الأمة المصرية كلها .
و من أقوال " النحاس " باشا التى مازالت نبراساً لنا و نتذكرها على الدوام :
• أن الأمة هى الأول والآخر وهى الأصل الذى يجب أن ترجع إليه كل الأمور.
• إنما الموت فى سبيل الأوطان حياة .
• ليس مثل الصراحة سياسة ناجحة فى وقت الخطر .
• من كذب بالأمة أو داخله الشك فيها فليس منا .
• ماكان لقوة فى الوجود أن تمحق آمال الشعب ولا أن تبدد وحدة الأمة .
• ليس مصير الأمة لعبة فى أيدى اللاعبين ولا هو تجربة فى أيدى المجربين.
• أن للحق قوة معنوية ، هى من روح الله يقذفها على الباطل فتدفعه فإذا هو زاهق .
• مصر أمه جديرة حقاً بأن تكون مصدر السلطات.
• أن الأمر فى قضية الأمة أمر الأمة وحدها ، لا كلمة لسواها ولا معول على غير رضاها .
• الأمم الحية لا تُغلب وقد تعودت  مصر أن تقهر قاهريها .
• اضطهاد الأحرار يزيدهم تمسكاً بالحرية أضعافاً مضاعفة .
• إن الحرية تتولى تنظيم نفسها بنفسها .
• نحن لاننظر إلا إلى اللب ، وما اللب إلا التمسك بحقنا حتى ننتصر .
• إذا كان إعتناق المبدأ القويم فضيلة ، فإن الثبات على هذا المبدأ هو فضيلة الفضائل .

ورفض" النحاس " باشا دائماً تدخل الجيش في السياسة ويحكي "محمد نجيب"  عن قصة أول لقاء له مع "النحاس"  حيث يقول نجيب : في عام 1929 تنكرت في جلباب   سوداني  لبسته فوق بدلتي العسكرية ورحت سراً لبيت مصطفى النحاس وكان البيت محاصرا بالبوليس السري والمخبرين فرحت البيت المجاور له وكان هو بيت حمد الباسل وقفزت على بيت النحاس فاذا بكلب وولف شرس يهم على وكاد ان يمزقني لولا ان انقذني البواب الذي اوصلني إلى النحاس وصعدت على سلم خشبي الى الدور العلوي فوجدت النحاس ومعه مكرم عبيد ومحمود فهمي النقراشي فقلت له: أنا أحمل لكم رسالة من الجيش ... الجيش مستعد لاي أمر توجهونه سنكون اسرع من عود الكبريت في الاشتعال"
فقال النحاس : كيف ؟ ويقول نجيب قلت له:  نريد ان تقتحموا البرلمان وتدخلوه بالقوة"
فرد النحاس : أنا افضل ان يكون الجيش بعيداً عن السياسة وان تكون الأمة هي المصدر الوحيد للسلطات"
ويستمر محمد نجيب في مذكراته :
اذكر ان النحاس قال لي عبارة مرة أخرى في الخمسينيات عندما رفعت له تحذيراً من 80 صفحة فلوسكاب يتضمن انحرافات الجيش وفضائح هزيمة حرب فلسطين ويدعو الوفد إلى التحرك لتغيير نظام الحكم.. ولكن النحاس مرة أخرى يرفض ان يقحم الجيش نفسه في السياسة وبعد حريق القاهرة رفض النحاس اقتراح من محمد نجيب بتحرك الجيش لاسقاط الملك بعد حريق القاهرة .
ذلك هو النحاس وتلك هي تربيته السياسية .. الايمان بسلطة الأمة وبالفكرة الديمقراطية وبُعد الجيش عن السياسة التى لا يفهم فيها وان يكون للسياسة رجالها وللجيش وظيفته ومهامه الوطنية التى لا ينشغل عنها بشئ آخر .

** مراسل "الوفد" بالأمم المتحدة و نيويورك
[email protected]