رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كارثة تهدد الأمن القومى


لصالح من هدم مؤسسة وطنية مملوكة للدولة
الثقافة والفن والإعلام مكون أساسى فى منظومة الأمن القومى

لا أحب المبالغة والتهويل، غير أننى لم أجد تعبيراً يناسب الحدث الذى أنوى الحديث عنه أكثر دقة من عنوان هذا المقال. ويضاعف من الكارثة أن قيادات عليا فى وزارة المهندس إبراهيم محلب تشارك فى تهيئة المناخ لحدوث هذه الكارثة بحسن نية.
وآمل أن تقرأ هذه القيادات هذا المقال لعلها تعدل موقفها إن اقتنعت أو تراجع الخبراء والمتخصصين وتحاورهم لعلها تقتنع فتتوقف عن الدفع في الاتجاه الذي تتحقق فيه الكارثة.

ثالوث الأمن القومى
الموضوع يتعلق بالثقافة والفن والإعلام، هذا الثالوث الذي يمثل عنصراً بالغ الأهمية في منظومة الأمن القومى، ولعل استعراضاً سريعاً لموقع هذا الثالوث في منظومة الأمن القومى يكشف مدى أهميته.
تحمل «الثقافة» فى كل بلاد العالم مسئولية بناء قيم المواطنة لدى شعوب هذه الدول. وتترسخ قيم المواطنة لدى كل شعب أو تضعف بمدى حرص الثقافة التى تسود فى مجتمع من المجتمعات بإعلاء قيمة المكون الثقافى الوطنى لهذا المجتمع أو ذاك. فإذا سادت في أي مجتمع الثقافة التي تبرز القيم الإيجابية المستقرة في هذا المجتمع وتعمل على تثقيفها من شوائب لحقت بها، إذا سادت في المجتمع هذه النوعية من الثقافة (وأعنى هنا الثقافة بمفهومها الشامل) فإنها -أى هذه الثقافة- تساهم بقوة فى بناء قيم المواطنة لدي غالبية الشعب، ورسوخ قيم المواطنة لدي شعب من الشعوب يمثل «المخزون الاستراتيجى» الذي يعتمد الوطن -أى وطن- على استنفاره إذا لاحت في الأفق بوادر أخطار تهدد أمنه.
وفي حالة حاجة الوطن لاستنفار قوة مواطنيه لمواجهة خطر أو للدعوة للمشاركة في نهضة يبرز دور «الفنون» بكل تنويعاتها في إلهاب «المشاعر» وتحريك «العواطف الوطنية» المركزة علي قيم المواطنة التى بنتها ورسختها «الثقافة».
وتؤدى الفنون دوراً بالغ الأهمية في استنفار روح المقاومة في حالة تعرض الوطن لعدوان، وفي استنهاض الهمم إذا احتاج الوطن لجهد جموع المواطنين للمشاركة في البناء والتنمية والانطلاق في نهضة شاملة.
أما «الإعلام» فيتحمل أمانة ثقيلة في كل الظروف ويحمل مسئولية إبقاء المواطنين مدركين للحقيقة وقادرين علي تحديد المسار الصحيح لخطواتهم نحو تحقيق الأهداف الوطنية وسط كم كثيف من الأخبار والمعلومات المغلوطة والملتبسة، وذلك بتقديم المعلومة الصحيحة والدقيقة، والحرص على التدفق الحر للخبر الصادق والمعلومة الموثوقة.
بهذا المفهوم يمثل ثالوث «الثقافة والفن والإعلام» مكانة بالغة الأهمية في منظومة الأمن القومى. ومن هنا حرصت الحكومات في الدول جميعها علي ألا تسمح لأية قوة لا تنتمى إلي الوطن انتماءً عضوياً بالهيمنة على الإنتاج الثقافى والفنى والإعلامى.
ولأن لمصر دوراً مهماً لا ينكره منصف في محيطها العربى والإسلامى، ولأنها -على مر العصور- كانت الملجأ الآمن لكل صاحب فكر قومى عربى، ولكل مفكر إسلامى من جميع البلاد الإسلامية يدافع عن المقاصد العليا للإسلام، فقد تحملت مصر نتيجة هذا الموقف مسئولية احتضان كل فكر قومى عربى لا تخالطه شوائب عنصرية أو أيديولوچية وكل فكر إسلامى يرفض التعصب المذهبى والطائفى، هذا الوضع الخاص لمصر جعلها المنصة التي تنطلق منها الثقافة والفنون العربية منصهرة في الوعاء المصرى الرحب الذي احتوى كل هذه الثقافات والفنون.
وأطلقت مصر -دائماً- من منصتها هذه الإبداعات الثقافية والفنية التي

يبدعها مصريون وعرب. وقد اكتسبت هذه الإبداعات -طوعاً- ملامح مصرية لا تطمس هوية كل قطر عربى، بل تجعل هذه الإبداعات كلها تلتئم في منظومة متجانسة ومتوازنة.

مصر ركيزة الأمن القومى العربى
هذا الوضع حمل مصر أمانة لا تستطيع أن تتخلى عن حملها أو تترك لأحد فرصة العبث بهذه الأمانة. وإذا انتقلنا من هذا «الحديث النظرى» إلي مجال التطبيق العملى، فالمعطيات كلها على مر التاريخ الحديث تؤكد ما ذكر نظرياً.
أولاً: كانت مصر الدولة -مع تغيير أنظمة الحكم- تدرك دورها هذا، ففتحت أبوابها لكل المفكرين والمبدعين في مختلف الفنون من جميع البلاد العربية والإسلامية. وأتاحت لهم المناخ الذى يساعدهم علي الإبداع وأطلقت مصر هذا الإبداع من منصتها إلي جموع الشعب المصرى والشعوب العربية والإسلامية.
ثانياً: كان الكتاب المصرى والمجلة الثقافية المصرية والمسرح المصرى والفيلم السينمائى المصرى والغناء المصرى. كانت هذه الإبداعات الثقافية والفنية التي

تثبت وتزهر فى مصر -وبرعاية الدولة المصرية- كانت هذه هي النبع الذي ترتوى منه الشعوب العربية والإسلامية.
ثالثاً: كان الإعلام منذ بداياته (الصحافة) ينطلق من مصر، حتى وإن كان مؤسسوه من غير مصر مثل الأهرام والهلال.. ثم بدأ الإعلام المسموع ليكون لمصر السبق والسيطرة على الأثير العربى ومن بعده الإعلام المرئى.
ومن المؤكد أن احتضان مصر لكل هذا الإنتاج الثقافى والفنى والإعلامى لم ينشأ من فراغ ولم يكفل له الاستمرار ضغط أو إغراء مصرى، بل تكفل بهذا إدراك واع بأن مصر -فى كل ظروفها- مؤهلة لأنت تكون الحاضنة الطبيعية للإنتاج الثقافى والفني والإعلامى المتميز وأن مصر عندما تحتضن هذا الإنتاج المصري والعربى والإسلامى فإنها تحرص أشد الحرص على أن يساهم هذا الإنتاج بشكل إيجابى في تقوية الأمن القومى المصرى بامتداده الطبيعى، هذا التطور كان الدافع الذي جعل مسئولين مصريين ينشئون «مدينة الإنتاج الإعلامى» لتكون أكبر مؤسسة لإنتاج المواد الثقافية (خاصة السينما، والفنية «البرامج الموسيقية والترفيهية والاستعراضية» والدراما التليفزيونية والمواد الإعلامية).
وكان الهدف الواضح هو تولى الدولة المصرية لمسئوليتها الوطنية والعربية بتوفير المناخ والإمكانات لإنتاج هذه المواد التي تشكل عنصراً بالغ الأهمية في منظومة الأمن القومى المصرى بامتداده العربى.
ورغم ملاحظات جوهرية علي أداء مدينة الإنتاج الإعلامى فإن فكرة إنشاء هذه المدينة تظل فكرة مهمة لأنها تحقق هدفاً وطنياً وقومياً بالغ الأهمية. والحديث عن هذا الهدف تفصيلاً يحتاج لصفحات كثيرة.
اليوم تتسرب أخبار تتحدث عن تفكير بعض الوزراء في إنشاء (مدينة للسينما) يتم طرحها لاستثمارات عربية وأجنبية في محيط مدينة السادس من أكتوبر.
ويبدو أن من طرح هذه الفكرة قد غلبت عليه الحماسة الزائدة التي سادت خلال المؤتمر الاقتصادى، فلم يتنبه إلي أن هناك ألواناً من النشاط لا يمكن بأي حال السماح فيه لأى استثمار غير مصرى وهي الأنشطة التى تمس بأى درجة بمنظمة الأمن القومى، فما بالنا بنشاط يمثل عنصراً بالغ الأهمية في منظومة الأمن القومى.
ويضاعف من الكارثة أن «مدينة الإنتاج الإعلامى» وهي مؤسسة يمثل رأس المال العام فيها 80٪ والباقى لمساهمين مصريين. والمدينة متخصصة في إنتاج الأعمال الدرامية سواء المسلسلات التليفزيونية أو الأفلام السينمائية. فهل يريد من يتبنى هذه الفكرة (فكرة إنشاء مدينة السينما) القضاء على مؤسسة تقوم بنفس النشاط مملوكة للدولة؟! ولمواطنين مصريين؟!
وهل يتصور من يتبنى هذا الاتجاه أن تهيمن علي إنتاج هذه المواد التي تمثل عنصراً مهماً في منظومة الأمن القومي جهات غير الدولة المصرية؟!
إذا غابت هذه الحقيقة عن صاحب هذه الفكرة فأرجو أن يراجع نفسه فوراً.. أما إذا كان صاحب الفكرة يدرك هذه الحقائق فهذه جريمة بالغة الخطورة.
أناشد السيد رئيس الدولة والسيد رئيس الوزراء تدارك الأمر فوراً حرصاً على الأمن القومى.
اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.