رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

التحرك المصرى الناجح على المسرح العالمى


الضربة الجوية المصرية للإرهاب فى ليبيا رسالة ردع قوية
براعة القيادة المصرية فى التعامل مع الأعداء والأصدقاء

التحرك المصرى الناجح على المسرح العالمى
أتابع بكل الاهتمام إدارة القيادة المصرية لملف العلاقات المصرية مع مختلف الدول والقوى الدولية، ولا أخفى إعجاباً بأسلوب إدارة هذا الملف الذي يكشف عن إدراك واع لحركة الأحداث وتشابك المصالح والأهداف الاستراتيجية لمختلف القوى الدولية، ويتعامل مع هذه الظروف المعقدة والمرتبكة في بعض الأحيان بحرفية عالية تعرف طريقها بكل وضوح للهدف الاستراتيجى للتحرك على الساحة الدولية وهو «حماية الأمن الوطنى المصرى المرتبط عضوياً بالأمن القوى العربى، وبأمن منطقة الشرق الأوسط والأمن الافريقى».

كيف نخاطب العدو والصديق؟
يبعث على الاطمئنان تفاصيل كثيرة، اكتفى برصد بعضها دون الغوص في تفاصيل كثيرة. يلفتنى غياب «نبرة» التشنج والتهديد، ونغمة «الاستجداء» بقصائد المديح المبالغ فيها، فكلاهما، الوعيد المتشنج للأعداء أو لمن يظهر الخصومة، والتغريد المنبطح للأصدقاء أو لموقف صديق يدعم ويؤازر، الموقعان -فى نظرى- وجهان لعملة واحدة، والنتيجة في الحالتين في غير مصلحة الوطن.
في التعامل مع صيحات التحريض الصارخ ضد نظام الحكم فى مصر الذي تقوده تركيا وإمارة قطر ومن والاهما من دويلات أو قوى تتربص بمصر، لم تبادل القيادة السياسية هذه الدول والقوى بخطاب متشنج يماثل خطاب هذه القوى، ولم تقدم على ردود فعل انفعالية بسحب السفراء وإغلاق السفارات ومنع السفر من وإلى هذه الدول، بل اكتفت في بعض الحالات الصارخة ببيان يرد بطريقة موضوعية لا تنزلق إلى هاوية الخطاب المتدنى.
ومع الشعور العميق بالامتنان للأصدقاء الذين سارعوا لدعم مصر مادياً ومعنوياً، وقدموا عوناً مشكوراً بسخاء يستحق كل الشكر، كان رد فعل القيادة المصرية بمستوى قيمة وقامة وشموخ مصر، تقدمت القيادة بالشكر الواجب للأصدقاء وأعربت عن امتنانها وشكرها بالأساليب والعبارات التي توفى الأصدقاء حقهم في شكر مواقفهم، وفي نفس الوقت لا تنزلق إلي ممارسات وعبارات تأباها كرامة مصر.
هذا الأسلوب العاقل والمحترم تقبله الأصدقاء الحقيقيون بالرضا لأنهم يقدرون دور مصر ومكانتها، وأثار نخوتهم ليقدموا المزيد من الدعم لصديق لم يتردد يوماً في أزمات كثيرة عن بذل كل غال وثمين لنصرة أشقائه العرب وأصدقائه من شعوب العالم التي كانت تصارع قوى القهر والاستعمار.
أما من ناصبو مصر العداء وأمعنوا في التحريض عليها، فقد أدرك العقلاء في بلادهم أن التحريض علي مصر تصرف يسيء إلي بلادهم بأكثر مما يسيء إلى مصر. وسمح هذا الأسلوب الراقي في التعامل مع العداء المستفز، سمح للقوي العاقلة في هذه البلاد بالتحرك المؤثر للبحث عن صيغة تكبح جماح شهوة العداء التي تحرك بعض القيادات السياسية بهذه البلاد. وبهذا أبقت مصر علي «شعرة معاوية» في التعامل مع هذه الدول والقوي ولم تنزلق إلى قطيعة تغلق نهائياً كل طريق لتفاهم محتمل على أساس من احترام متبادل ومراعاة لحقوق كل طرف.

حصار الإرهاب فى ليبيا
وعندما نركز البصر على ملف ملتهب كالملف الليبي نرى القيادة السياسية تتعامل بهدوء وبرؤية استراتيجية دقيقة، فنبدأ بتمتين علاقاتها بدول الجوار الليبى في الغرب (الجزائر وتونس) وفي الجنوب (العديد من الدول الافريقية) وفي الشمال (جنوب أوروبا خاصة إيطاليا وفرنسا). وفي هذا السياق عقدت مصر الاتفاقات للتنسيق مع قوي كبرى وفاعلة مثل إيطاليا وفرنسا والجزائر وتونس، وعقدت الاتفاقيات للتدريب والتسليح مع عدد من الدول الافريقية والتي تمثل حدودها مع جنوب ليبيا ثغرة خطيرة يتدفق منها الإرهاب بشرًا وسلاحاً. ومع أحكام هذا الطوق علي الحدود الليبية المستباحة من الجماعات الإرهابية عززت من قوة مصر الذاتية علي طول الحدود الشرقية لليبيا. وعندما اكتمل لمصر هذا الإعداد الجيد لمسرح العمليات كانت المؤسسات المعنية تضع الخطط لمواجهة جميع الاحتمالات. ورغم اطمئنان القيادة السياسية إلي أن مصر أكملت استعداداتها بدرجة كبيرة لصد أى مخاطر تهدد أمن مصر من ناحية الأراضى الليبية التي احتلتها جماعات إرهابية شتى، رغم ذلك لم تبادر مصر، وهي القادرة، باستخدام القوة ضد هذه الجماعات احتراماً للشعب الليبى الصديق الذي يمكن أن يلحق به الأذى عندما تحدث اشتباكات مسلحة علي أراضيه، واحتراماً للمواثيق الدولية، وللنظام العالمى.. وتحملت مصر الكثير من الاستفزازات التي تمارسها مختلف الفصائل الإرهابية في ليبيا، والتي وصلت في كثير من الأحيان إلي تعريض حياة مواطنين مصريين للخطر، بل

وقتل بعضهم، تحملت مصر هذا الاستفزاز أكثر من مرة، وعندما طفح الكيل وتصورت الجماعات الإرهابية أن مصر عاجزة عن حماية مواطنيها، وأنها لا تمتلك القدرة على ردع هذه الجماعات، عندما بلغ الأمر هذا الحد، تحركت مصر وصدرت الأوامر من القيادة السياسية بتوجيه ضربة رادعة بالطيران المصرى تنبه الجماعات الإرهابية إلي قدرة مصر على الردع الحاسم لحماية أمن مواطنيها علي الأراضى الليبية وأمنها على الحدود.
ومن أهم ما تكشف عنه هذه «الضربة الجوية» أنها تؤكد أن مصر لم تعد تتعامل مع الأحداث بمنطق «رد الفعل» لكنها تتحسب لكل التطورات المحتملة والتي يمكن أن تؤثر على أمنها الوطنى وعلي الأمن القوى العربى، وتترجم هذا التحسب بوضع الخطط المحكمة لكل السيناريوهات المحتملة وأساليب التعامل مع الأحداث وهذه الخطط يتم تحديثها وفقاً لأى تطورات ويتم إعداد أدوات تنفيذ هذه الخطط والاطمئنان إلى جاهزية التنفيذ.
وتبقي هذه الخطط في ملفاتها، فإذا حدث ما يستوجب اتخاذ إجراءات لمواجهة موقف ما، وجدت القيادة السياسية أمامها العديد من الخيارات لتقرر استخدام أفضل السيناريوهات المقترحة من وجهة نظرها.
وأعتقد أن تنفيذ الضربة الجوية ضد الإرهابيين في ليبيا يكشف عن هذه الحقيقة، فلا يمكن أن يتصور من يعرف أساليب التحرك العسكرى أن يكون قرار تنفيذ هذه الضربة الجوية قد تم من وحى اللحظة وكرد فعل سريع علي جريمة الإرهابيين البشعة ضد المواطنين المصريين. الضربة الجوية التي تمت بدقة بالغة وحققت أهدافها وعودة الطائرات المصرية سالمة إلي قواعدها، هذا كله يؤكد أن المؤسسات المعنية في مصر لديها التصور الدقيق والتوقعات لما يمكن أن يتعرض له الأمن الوطنى المصرى والأمن القومى العربى وأن لديها الخطط المدروسة بعناية وحرفية عالية للتعامل مع الأحداث الطارئة بكفاءة، لأنها لا تتحرك برد فعل سريع لا يمكن أن تضمن قدرته على تحقيق الهدف من التحرك.

العلاقات المتوازنة
فإذا اتسعت دائرة الرؤية ونظرنا إلي التحرك على المسرح العالمي بكل اتساعه شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، فسوف نطمئن إلى أن مصر استطاعت وفي وقت قصير أن تنسج علاقات صداقة قوية مع العديد من القوي العظمى (الصين وروسيا) وأن تتعامل ببراعة مع الدول الغربية ذات التوجهات المختلفة بدرجة عالية من التعاون والتفاهم. واستطاعت أن تعيد لمصر مكانتها الافريقية التي كانت من أهم العلاقات فى فترة الكفاح الافريقى ضد الاستعمار فى نهاية خمسينات القرن الماضى، بل بلغت براعة التحرك حداً لم يستثن من العلاقات دولاً كالولايات المتحدة الأمريكية لا تدع فرصة لمهاجمة نظام الحكم في مصر إلا اغتنمتها وحاولت دعم القوي التي تناصب مصر العداء.
هذا التحرك بوعى كامل لأهمية تقليل عدد الأعداء بقدر المستطاع وتعظيم عدد الأصدقاء، وتحييد آخرين، هذا التحرك يطمئن كل غيور على مصر ويفتح آفاق مستقبل تجنى فيه مصر إن شاء الله ثمرة هذا التحرك العاقل.