رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الدراما التليفزيونية المصرية في مهب الريح


الترويج للسلوكيات المتخلفة والمنحطة
البذاءة والعبارات الساقطة باسم الواقعية
مؤامرة علي الدراما التليفزيونية المصرية


احتلت الدراما التليفزيونية مكانة متميزة بين أكثر المواد جاذبية علي شاشات القنوات التليفزيونية وبالتالي تؤهلها هذه الجاذبية لتكون من العناصر المؤثرة بقوة في تشكيل الاتجاهات الفكرية والسلوكية لجماهير المشاهدين.
من هذه الزاوية يري المهتمون بعلم النفس الاجتماعي أن الحالة المزرية التي تردت فيها الدراما التليفزيونية هذه الأيام تدق ناقوس الخطر لتنبه المهتمين بتطوير وتنوير المجتمعات العربية بأن هذه المجتمعات تتعرض لهجمة شرسة تدفعها الي هاوية من التخلف والتشوش الفكري والسلوكيات شديدة الانحطاط، ومع تراكم هذا التأثير تتبلد المشاعر وتتقبل هذه المجتمعات السلوكيات المنحطة بكل صورها باعتبارها أمورا «عادية» لا تثير السخط والاستهجان.

العنف الجسدي واللفظي
أما المفردات التي دفعت بهذه الدراما التليفزيونية الي هذه الهاوية السحيقة من الانحطاط فكثيرة ولا نستطيع حصرها، لكننا نستطيع أن نحدد بعضا من هذه المفردات.
1 - الترويج لكل أساليب العنف والذي يصل الي حد التركيز علي تفاصيل القتل البشع والعنف الجسدي بكل صوره المقززة والمروعة، والترويج هنا لا يعني أن يدعو العمل الدرامي الي تجميل عمليات العنف هذه، بل يكفي أن يعرض العمل الدرامي تفاصيل هذا العنف وأن يكررها في مواطن كثيرة، فهذا التكرار لمشاهد العنف البشع يكفي وحده لأن يدفع بعض المراهقين لتقليد هذا السلوك، خاصة إذا مارس بطل العمل الدرامي الذي غالبا ما يري فيه المراهقون نموذجا «للبطل» الذي يراه كل مراهق أنه مثله الأعلي الذي يتمني لو أنه تمكن من تقليده.
وبتكرار هذه المشاهد يتعود المشاهد العادي - غير المراهق - علي متابعة هذه المشاهد وتتراجع عند هذا المشاهد مشاعر الاستنكار والرفض لمثل هذه السلوكيات العنيفة، وبتراكم مؤثرات هذه المشاهد يستقر في ضمير المشاهد إحساس بأن هذا العنف البشع أمر «عادي» وسلوك لا يستوجب الاستنكار والنفور.
وفي مناخ يسود فيه هذا الشعور المستسلم وغير الرافض للعنف بكل صوره تنمو كل مظاهر البلطجة والإرهاب، بعد أن انهارت كل أسوار وحصون «الرفض الاجتماعي» لمثل هذا السلوك.
2 - بنفس المنطق يتم الترويج لتناول المخدرات، فقد أصبح مشهد الشباب المجتمع في حلقات تناول المخدرات بكل صنوفها أصبح هذا المشهد من المكونات الأساسية لأحداث الدراما التليفزيونية ويتفنن بعض المخرجين في تصوير تفاصيل تعاطي هذه المخدرات من زوايا تصوير وأساليب تحرض المشاهد علي محاولة خوض هذه التجربة المثيرة أو علي الأقل اعتبار هذا السلوك أمرا طبيعيا لا يثير مشاعر الاستهجان والرفض وفي مثل هذا المناخ تتسع دائرة مدمني المخدرات.
3 - وبنفس المنطق أيضا استخدام العبارات والألفاظ البذيئة والمنحطة بحجة أن العمل بهذا يكتسب صفة الواقعية، وتعتاد آذان المشاهدين الاستماع الي هذه الألفاظ والعبارات الساقطة بل ويصبح تداولها واستخدامها في الحياة اليومية - خاصة في محيط الشباب - استخداما مقبولا بل يراه البعض تعبيرا عن مجاراة «لغة العصر»، ومع انحطاط لغة الخطاب يصبح كل انحطاط في السلوك أمرا طبيعيا.
4 - تصور البعض أن العلاقات الشاذة أو العلاقات غير السوية تمثل عنصر «تشويق» وإثارة جعل بعض الأعمال تمعن في عرض هذه العلاقات بل وتجعلها محور الأحداث والصراع الدرامي ويتصور أصحاب هذه الرؤية أن مجرد إدانة مثل هذه العلاقات في نهاية الحلقات يبرر تقديم هذه العلاقات بكل تفاصيلها الفجة طوال حلقات المسلسل، والحقيقة أن هذه التفاصيل هي التي تترسخ في نفوس المشاهدين خاصة أنها تقدم طوال فترة العرض في إطار كثيرا ما يبعث علي الإعجاب أو علي الأقل عدم الاستنكار.

المسئولية الكاملة لوكالات الإعلان
هذه الاتجاهات الغالبة علي الأعمال الدرامية تغذيها وتشجعها وكالات الإعلان التي تسيطر سيطرة كاملة علي سوق الدراما لأن القنوات لا تشتري الأعمال الدرامية إلا إذا اطمأنت الي أن وكالات الإعلان توافق علي عرض إعلاناتها حول هذه الأعمال، وبالتالي فقد أصبحت هذه النوعية من الأعمال الدرامية هي الأعمال التي يقبل المنتجون علي إنتاجها.
كل هذا لا يغيب عن منتجي الأعمال الدرامية بل نراهم يتنافسون في الإنتاج الأكثر هبوطا وإثارة لتحقيق الربح وتتعقد المشكلة بغياب اتحاد الإذاعة والتليفزيون التام عن إنتاج الأعمال الدرامية منذ سنوات نتيجة للأزمة المالية الخانقة التي تحاصره.
والحل في وجود منتج يغامر بإنتاج أعمال درامية محترمة وأعتقد أن وجود المنتج المغامر هذا ليس أمرا سهلا وإن كان هناك بالفعل بعض هؤلاء المنتجين الذين راهنوا علي إمكانية المنافسة بالأعمال المحترمة، غيرأن هذه الفئة من المنتجين قليلة

للغاية بل يمكن اعتبارها استثناء لا يمكن أن يحدث تغييرا في التوجه العام للأغلبية الساحقة من المنتجين.

مسئولية الدولة لإنقاذ الدراما
المسئولية معلقة في رقبة الدولة ولابد أن تجد الدولة وسيلة ما لتمكين تليفزيون الدولة من إنتاج أعمال درامية محترمة، لا تخضع لقواعد السوق التي فرضتها وكالات الإعلان.
وأؤكد أن تليفزيون الدولة يستطيع إذا توفرت له الامكانات المادية المناسبة يستطيع أن يقود قاطرة التغيير في مجال الإنتاج الدرامي التليفزيوني، ويكفي أن نسترجع من الذاكرة بعضا مما أنتجه تليفزيون الدولة أيام كانت له الغلبة في مجال الإنتاج الدرامي لنكتشف أن هذا التليفزيون قدم بالفعل أعمالا درامية رائعة ومحترمة ولا تزال هذه الأعمال حتي اليوم تفرض نفسها باعتبارها النموذج للأعمال الدرامية المحترمة.
العقبة أمام هذا الحل عقبة مادية فقط فاتحاد الإذاعة والتليفزيون مثقل بديون باهظة أخرجته تماما من ساحة المنافسة في الإنتاج الدرامي التليفزيوني بل وأصبح اتحاد الإذاعة والتليفزيون مضطرا لشراء الأعمال الهابطة مما زاد من حجم الكارثة.

مخطط لحرمان مصر من بعض قوتها الناعمة
يبقي أن أسجل مخاوف مشروعه من مستقبل يحمل المزيد من التدهور للإنتاج الدرامي التليفزيوني المصري، بل وأخشي أن عددا لا بأس به من شركات الإنتاج المصرية وبالتحديد الشركات المحترمة «القليلة» هذه الشركات لن تستطيع أن تصمد طويلا في ساحة المنافسة التي تتحكم فيها بشكل شبه مطلق وكالات إعلان أغلبها شركات غير مصرية أو شركات لها «واجهات» مصرية وهذه الشركات علي استعداد لضخ المليارات في هذا السوق ولديها مخطط واضح للارتفاع بتكلفة الإنتاج الي الحد الذي يجعل الشركات المصرية غير قادرة علي الاستمرار في المنافسة وفي هذا المجال تبالغ هذه الشركات في رفع أجور النجوم والفنانين والفنيين عامة لتصل التكلفة الي الحد الذي يحقق خسائر فادحة لكل منتج.
ويؤكد بعض الخبراء في هذا المجال أن هذه الجهات غير المصرية علي استعداد لتحمل خسائر بمئات الملايين لعدة أعوام حتي تتمكن آخر الأمر من القضاء التام علي من ينافس من المنتجين المصريين، وعندما تطمئن هذه الجهات انها قد تمكنت بالفعل من القضاء علي شركات الإنتاج المصرية وأنها أصبحت وحدها المحتكر للإنتاج الدرامي التليفزيوني تبدأ في إحلال فنانين وفنيين غير مصريين محل أطقم العمل المصرية وتبدأ في تلميع بعض النجوم غير المصريين ومع احتلال شاشات القنوات العربية بهذا الإنتاج تستطيع هذه الجهات أن تعرض شروطها علي شاشات القنوات المصرية وأن تهيمن تماما علي العروض الدرامية علي جميع الشاشات العربية مع ما يصاحب هذا من فرض التوجهات الفكرية بل والسياسية التي تزيد هذه الجهات بثها. مشكلة الدراما المصرية من هذا المنظور ليست فقط مشكلة إنتاج درامي يمثل أحد أهم عنصر القوة الناعمة المصرية، بل هي مشكلة مركبة لأنها لن تحرم مصر من هذه القوة الناعمة وحسب بل ستتمكن من أن تفرض علي الجماهير العربية «قوة ناعمة» أخري يراد لها أن تحل محل القوة الناعمة المصرية.