عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الإعلام رسالة لا تجارة؟!

تعيش مصر في هذه الفترة من تاريخها أياما فارقة، وهي تحاول اكتشاف أفضل الطرق لبناء مستقبل يحقق لشعبها استقرارا حقيقيا يرتكز علي حالة من الرضا والقبول الشعبي في ظل حريات مصانة ومكفولة بقوة القانون في ظله بالاطمئنان علي النفس والعرض والمال داخليا، وبالقدرة علي ردع أي عدوان خارجي.

وتتحاور بعض القوي الفاعلة في المجتمع خاصة المثقفين والمعنيين بالشأن العام والسياسيين وكل فريق يقدم رؤاه لأفضل السبل التي علينا أن نسلكها لنصل إلي هذا المستقبل المأمول. وفي كثير من الأحيان يصل الاختلاف إلي حد «الصراع» بين فرقاء كل منهم يريدان يفرض رأيه أو أن يقنع الأغلبية بصواب رأيه وعيون الجميع علي مجلس النواب الذي بدأت الاستعدادات لانتخابه الذي سيتولي إصدار القوانين المكملة للدستور.
الإعلام.. الساحة الأخطر للصراع
في تصوري فإن أخطر هذه الصراعات تشهدها الساحة الإعلامية، فالإعلام عامة، والمرئي والمسموع منه بشكل خاص سوف تكون له اليد الطولي في تشكيل التوجهات الفكرية للجماهير العريضة، وأثر هذا التأثير الخطير يتجاوز دعم اتجاهات سياسية بعينها في معركة الانتخابات القادمة، ويمتد تأثيره ويستمر حتي بعد انتخابات مجلس النواب، ليؤثر بقوة علي أعضاء هذا المجلس بالضغوط الشعبية التي يحشدها ويعبؤها في اتجاه معين.
أهم وأبرز الصراعات علي الساحة الإعلامية تدور بين فريقين، وحول نقطة جوهرية تحدد بدرجة كبيرة نوعية الرسائل الإعلامية التي يبثها الإعلام خاصة الفضائيات الخاصة. ويشتبك في هذا الصراع فريقان.
الفريق الأول: يري أن تتضمن القوانين المنظمة للإعلام بكل وسائله مواد واضحة تماما وحاسمة تحمي الإعلام الخاص من سيطرة رأس المال، بنفس النذر الذي تحمي به إعلام الدولة من سيطرة السلطة التنفيذية. ويبرر هذا الفريق موقفه بان «الإعلام رسالة» وأنه - أي الإعلام - يتحمل المسئولية الأخطر في إقناع الجماهير بأهمية التنمية الاقتصادية التي تتم في إطار من عدالة توزيع الثروة لتحقيق العدالة الاجتماعية، وفي تقديم المحتوي الإعلامي الذي يحفز الجماهير للعمل علي ان تصبح مصر بحق دولة عصرية ويتحقق هذا بأن يحرص الإعلام علي أن يكون وسيلة «تنوير» حقيقية.
الفريق الثاني: يري ان النشاط الإعلامي شأنه شأن أي نشاط استثماري أو تجاري هدفه تحقيق أرباح مادية تشجع أصحاب رؤوس المال علي الاستثمار في هذا النشاط لينمو ويزدهر. ويحاولون بأن أي قيود علي «رأس المال» سوف تكون قيودا طاردة للاستثمار في هذا الشأن، أي أن النشاط الإعلامي في نظرهم هو نشاط صناعي وتجاري يخضع لمعايير التجارة والتجارة «شطارة» حسب الوصف الشهير للتجارة وقانونها لتحقيق الربح الذي هو هدف المستثمر «اللي تغلب به ألعب به»؟!
الإعلام نشاط ذو طبيعة خاصة
الأمر يحتاج إلي مناقشة موضوعية لبيان فساد هذا التوجه الذي يعتبر النشاط الإعلامي استثمارا وتجارة تهدف للربح وتتعامل بطبيعة الحال - بقوانين السوق؟!
أولا: اعتبار الإعلام نشاطا صناعيا وتجاريا، منطقا ترفضه تماما «نظريات الإعلام» وتقاليده والمهام التي يفترض ان يؤديها هذا النشاط للمجتمع. فالنشاط الإعلامي - حسب كل النظريات والمعايير العلمية - نشاط يتحمل المسئولية الأكبر في مجال «خدمة المجتمع» في مختلف المجالات التي تضمن التنوير والتطوير والدفاع عن القيم الأخلاقية والاجتماعية.
وهو - أي الإعلام - نشاط له «طبيعة خاصة» شأنه شأن أكثر من نشاط له علاقة بالأمن القومي بمفهومه الشامل، وهذه الألوان من الأنشطة ذات الطبيعة الخاصة تحتاج إلي «ضوابط صارمة» تمنع هيمنة وسيطرة «رأس المال» عليها بأي صورة من الصور.
من هنا نري أكثر الدول التزاما بأساليب الحرية التامة للاستثمار في جميع المجالات هذه الدول تضع قيودا علي «ملكية» الأفراد أو الشركات (أي رأس المال بأشكاله المختلفة) في المؤسسات الإعلامية. وفي بلادنا العربية تضع «لبنان» وهي النموذج للحرية المطلقة للاستثمار تضع حدا أقصي لملكية الأسرة في وسائل الإعلام المختلفة. وفي الكثير من الدول الرأسمالية العتيدة تتضمن القوانين المنظمة للنشاط الإعلامي بنودا صارمة لمنع هيمنة رأس المال علي الإعلام.
الفقاعات الإعلامية؟!
ثانيا: الحجة القائلة بان رجال الأعمال الذين استثمروا المليارات في النشاط الإعلامي كانوا سببا في تكوين مجموعات كبيرة من «الإعلاميين» الذين ينتشرون في وسائل الإعلام العربية.
هذه الحجة باطلة بطلانا ساطعا. فالإعلام الرسمي المصري ظل لسنوات طويلة قبل ظهور الإعلام الخاص هو المكتشف والحاضن للمواهب التي تتألق علي صفحات الصحف أو أثير الإذاعة أو شاشات التليفزيون.
فالإعلامي الحق، موهبة تتمتع بدرجة عالية من الثقافة والقدرات الخاصة في مخاطبة الجماهير. وكان الإعلام الرسمي

يختار هذه المواهب بدقة بالغة، ولهذا كان تألق هذه المواهب تألقا مستمراً حتي بعد أن يترك هؤلاء الموهوبون مواقعهم في المؤسسات الإعلامية، لانهم يستطيعون الاستمرار في التألق بمواهبهم، وليس بمواقعهم الوظيفية.. أما «نجوم» الفضائيات الخاصة فكثير منهم بريقه زائف، ولا يلبث إذا  ترك موقعه ان ينطفئ لان هذا البريق ليس أكثر من «فقاعة إعلامية»؟!
تفريخ وتنمية كوادر إعلامية إذا ليس له علاقة بأموال أصحاب الفضائيات، لكنه، رهن بوجود مواهب تفرض نفسها في جميع الأحوال والظروف.
أصحاب الأجندات الخاصة
ثالثا: يلوح أنصار «الإعلام التجاري» بأن فرض قيود علي الملكية في وسائل الإعلام ستدفع رجال الإعلام للابتعاد عن الاستثمار في مجال الإعلام.
وهذا التهديد يحمل في طياته اتهاما صريحا لرجال الأعمال الذين يرفضون الاستثمار في الإعلام إلا إذا سيطروا عليه؟! وأنا لا أشك في أن عددا لا بأس به من رجال الأعمال سيرحبون بالمساهمة في هذا النشاط برأس المال الذي تحدده القوانين لأنهم ينظرون إلي هذه المشاركة باعتبارها مساهمة وطنية في نشاط يؤدي «خدمة جليلة للمجتمع».
رابعا: ما يذكره أنصار «الإعلام التجاري» من أن الجماهير تملك حرية اختيار الصحيفة التي تقرؤها والإذاعة التي تستمع لها والقناة التليفزيونية التي نشاهدها، وترك الحرية المطلقة للجماهير تختار ما نشاء، هذا المنطق ينطوي علي مغالطات كثيرة، فرؤوس الأموال الضخمة تستطيع ان تقدم أعمالا شديدة الإبهار تجذب ملايين المشاهدين وتسرب ما شاءت من توجهات وأفكار من خلال هذه الأعمال المبهرة أو حولها.. ولا أشك في ان بعض أصحاب «الأجندات الخاصة» علي استعداد لانفاق مئات الملايين لتقديم مثل هذه الأعمال لجذب المشاهدين وهم يعلمون أن هذا التأثير سوف يمكنهم من تشكيل الاتجاهات والسلوكيات للجماهير في الاتجاه الذي تحدده «الأجندات الخاصة» لرأس المال والتي لا يمكن لعاقل ان يتصور ان هذه الأجندات تصب في صالح الأغلبية الساحقة من الجماهير.
إعلام عصري مسئول
هذه بعض ملامح الصراع الذي يخوضه عدد كبير من الإعلاميين المصريين هذه الأيام (صحافة/ إذاعة / تليفزيون) وهم يصفون مشروعات القوانين المكملة للدستور والمتعلقة بتنظيم الإعلام المصري بكل وسائله.
ويؤمن هؤلاء الإعلاميون بأنهم يحملون أمانة ثقيلة في أعناقهم، وأن حرصهم علي ان تصدر هذه القوانين ضامنة لحرية التغيير إلي أقصي درجة.. وأن تصون النشاط الإعلامي من سطوة السلطة التنفيذية ومن سطوة وهيمنة رأس المال (وهو الأخطر)، وأن تكفل هذه القوانين ما يتمناه المجتمع من إعلام حر مستقل يرفع رايات التنوير ويساهم بقوة في التنمية الشاملة، الاقتصادية والاجتماعية، وان يحرر عقولا تولي الإعلام المرئي الخاص أغراقها في مستشفيات الدجل والخرافة والتعصب.
هذه المجموعة من الإعلاميين تدرك إنها تحمل أمانة ثقيلة نيابة عن الجماهير العريضة التي عانت من الفوضي والعبث التي تقودها بعض وسائل الإعلام، والتي تتطلع إلي بناء مصر المستقبل التي تمثل مكانتها الطبيعية إقليميا وعاليا والتي يعبر عنها بصدق «إعلام مصري مسئول» يكون بحق «صوت مصر» الجديدة.