رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الحصار المر لسياسات مرتبكة وعشوائية

< المعالجات="" الرخوة="" والمترددة="" فى="" مواجهة="" الخروج="" على="" القانون="" تعيد="" مناخ="" الانفلات="" الأمنى="">

< المحاكمات="" البطيئة="" والامتيازات="" الشاذة="" لقيادات="" النظام="" السابق="" أمام="" المحاكم="" تغذى="" غضب="" وسخط="" الثوار="" وأهالى="" الشهداء="">

< الخطر="" لا="" يهدد="" بضياع="" أنبل="" ثورة="" وحسب="" بل="" يهدد="" وجود="">

الحصاد المر لسياسات مرتبكة وعشوائية

المشهد السياسي في مصر بدا مرتبكاً أشد الارتباك منذ تفجرت أحداث العنف التي بدأت عند مسرح البالون وامتدت إلي ميدان التحرير لتتصاعد المواجهات بين مواطنين ورجال الشرطة.

 

تصاعد الموقف بسرعة مذهلة تكشف عن سخط وغضب شعبي ما إن تتاح له فرصة التعبير عن هذا السخط والغضب حتي يطلق العنان لمشاعر الكراهية والعداء للشرطة، وبالمقابل تنتهز بعض قيادات الشرطة هذا التعبير العنيف عن الغضب لتواجه العنف بعنف أشد.

لحظات الغضب والعنف المتبادل نسفت محاولات مخلصة ودؤوبة بذلتها القوي المهمومة بأمن الوطن ومستقبله حاولت أن تبني جسور الثقة المفقودة لعهود طويلة بين الشرطة والمواطنين. وانتشر بسرعة البرق الشعور بفقدان الأمن وأصبح تربص كلّ طرف بالطرف الآخر هو الشعور الذي يحكم العلاقة بين الشرطة والشعب.

ولا يمكن لمراقب منصف أن يلقي باللوم فيما حدث على أحد الطرفين، فكل منهما ضحية سياسات حكم عشوائية ومرتبكة أهدرت كل المحاولات المخلصة لتفادي الوصول إلي لحظة المواجهة العنيفة هذه. وإن كان الإنصاف أيضاً يحتم علينا أن نؤكد مسئولية بعض قيادات الشرطة التي أغرتها القوة التي تملكها لتمعن في استخدام هذه القوة بشراسة غير مبررة تحقيقاً لرغبة مكبوتة في العودة إلى ممارسات عهد الرئيس المخلوع.

والآن نحتاج إلى وقفة عاقلة لمحاولة التعرف علي الأسباب التي شحنت النفوس بالسخط والغضب والتي جعلت من كل حدث صغير أو صدام عابر أو صرخة احتجاج شرارة تفجر موجات عنف غاضبة وساخطة.

 

التفاصيل تشعل الخلافات

كانت الجماهير قد حققت أروع انتصار في صراعها العنيد والجسور بخلع الرئيس مبارك ثم بالإطاحة بالسيد عمر سليمان والفريق أحمد شفيق باعتبارهما امتداداً لنظام قامت الثورة وقدمت آلاف الشهداء والمصابين لإنهائه تماماً. وعندما كلف المجلس الأعلي للقوات المسلحة الدكتور عصام شرف وهو الرجل الذي تعرف الجماهير نزاهته واستقامته، هدأت النفوس، وتوقعت الجماهير أن عهداً جديداً قد بدأ، وأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى أولته الجماهير ثقة بغير حدود قد اختار لرئاسة الوزراء من يستحق ثقة مماثلة.

وتطلعت الجماهير إلي فجر جديد، وتوقعت أن تبدأ سلطة الحكم ممثلة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة ووزارة الدكتور شرف مسيرة جادة وسريعة لإزالة ما تبقي من مؤسسات وقيادات النظام السابق حتي يبدأ النظام الجديد علي أسس لا تعوقها بقايا نظام مبارك. وكانت الجماهير التي منحت المجلس العسكري والوزارة ثقة كاملة، كانت علي أتم الاستعداد لبذل كل ما تستطيع لتمكين سلطة الحكم هذه من بدء مسيرة البناء.

 

خريطة الطريق التي حددها الثوار

وتبلورت أمام الجميع خارطة طريق لإزالة ركام النظام السابق وبدء البناء الجديد علي نحو شديد الوضوح في نقاطه العامة.

أولاً: ضرورة تقديم أركان النظام السابق لمحاكمات عاجلة وعادلة لينالوا الجزاء الرادع علي ما اقترفوه من جرائم ترويع وقتل للمواطنين، أو ما نهبوه من أموال الشعب.

ثانياً: حل جهاز القمع الوحشي الذي كان رمزاً لأبشع ألوان القهر وإهدار كرامة المواطنين ومحاكمة من اقترف جرائم التعذيب وقهر المواطنين من قياداته وأفراده.

ثالثاً: إعادة هيكلة وتنظيم وزارة الداخلية والتي كانت رمزاً لقهر المواطنين ومحاسبة كل من ساهم في عمليات تعذيب أو تجاوز للقوانين دون إبطاء. وإعادة تشكيل هيئة الشرطة علي أساس من الشعار الذي وصفته بعد الثورة وهو «الشرطة في خدمة الشعب».

رابعاً: إصدار القرارات والمراسيم بقوانين التي تكفل استقلالاً حقيقياً للقضاء.

خامساً: إعادة هيكلة الإعلام الرسمي بكل وسائله المطبوع والمسموع والمرئى ليصبح بحق إعلاماً معبراً عن الجماهير العريضة وعن طموحاتها في بناء مصر الحرة الديمقراطية التي يتمتع فيها المواطنون بعدالة اجتماعية حقيقية.

 

من الثقة التامة.. إلي الشك والريبة

في مناخ الثقة بمن اطمأن الشعب إليهم في مواقع القيادة العليا للوطن تراخت حالة السخط التي كانت الرباط الوثيق الذي وحّد صفوف الجماهير خلال أيام الصراع النبيل مع النظام السابق. وبدأت الجماعات والفئات المختلفة تتحاور حول «التفاصيل» والأساليب التي تحقق أهداف الثورة. وكان طبيعياً أن تختلف الرؤى والاجتهادات.

ورغم ذلك فإن حشود الجماهير في أيام الجمع ظلت محتفظة ببعض الروابط الوثيقة التي تتجمع حولها والمتمثلة في نقاط الإجماع التي اتفقت عليها جميع قوي الثورة.

وبدأت الجماهير تلاحظ أن سلطة الحكم تتحرك في مجال إنهاء نظام مبارك ببطء مريب، لاحظت:

1- أن بعض العمد الأساسية في النظام لم تزل تمارس سلطات وظيفتها في مواقع بالغة الحساسية (زكريا عزمي في موقع أمين عام رئاسة الجمهورية)، ودكتور فتحي سرور وصفوت الشريف (أمين عام الحزب الوطني بؤرة الفساد والإفساد).

2- بدأت الأسابيع تمر ورموز وقيادات النظام خاصة ابني الرئيس المخلوع لم يتم استدعاؤهم للتحقيق.

3- البطء الشديد في تقديم وزير الداخلية الأسبق إلي المحاكمة هو وقيادات الشرطة الذين تسببوا في استشهاد وإصابة الآلاف من الثوار.

4- وحتى بعد بدء المحاكمات، كان البطء الشديد هو السمة الغالبة علي المحاكمات، وتمتع هؤلاء المتهمون بمعاملة خاصة جداً بمنع تصويرهم، بل ويمنع أهالي الشهداء من حضور المحاكمات.. ومن

حضر المحاكمات لاحظ تعمد إخفاء المتهمين بعيداً عن عيون هيئة المحكمة والمحامين وأسر الشهداء والمصابين.. وكانت مظلة الحماية الصارمة للمتهمين مثار دهشة وغضب الجميع.

5- رغم حديث سلطة الحكم الواضح عن الثورة المضادة والتحذير منها وتحميلها مسئولية الاضطرابات المتكاثرة، إلا أن هذه السلطة غضت النظر عن تجمعات صاخبة ومستفزة تتجمع أمام التليفزيون أو أمام مسجد مصطفي محمود رافعة لافتات تهدد الثوار وتدعو صراحة وعلانية بعودة مبارك ونظامه.

6- بلغ المشهد ذروة العبث ببث مقابلات مع المحامي فريد الديب محامي مبارك كرس حديثه للإشادة بإنجازات الرئيس المخلوع.. وأكد أن ملايين المصريين يحبونه مقابل الملايين الذين لا يريدونه.. ومثل هذا الحديث لا يمكن تفسيره إلا بأنه دعوة صريحة موجهة للملايين عبر الفضائيات لإشعال حرب أهلية بين الجماهير بدعوي أن هناك الملايين من مؤيدي مبارك.

7- في الملف الأمني كانت الجماهير - رغم جهد واضح من الداخلية - تري أن بعض ضباط الشرطة مازالوا يعاملون المواطنين بنفس أسلوب التعالى والإهانة الذي كانوا يعاملون به المواطنين في النظام السابق.. ولم تتخذ الداخلية عند نشر هذه الأخبار المواقف الحاسمة لردع هذه النوعية من الضباط.

8- تمت معالجة ملف الإعلام الرسمي المطبوع (الصحف) بطريقة أثارت ملاحظات عديدة، حيث ظلت بعض الأقلام التي كانت سلاحاً للتشهير بالمعارضين وبوقاً لنفاق الرئيس المخلوع، ظلت تنشر سمومها في بعض الصحف الحكومية.

أما الإذاعة والتليفزيون فتواجه حالة من التخبط والعشوائية تهدد بانهيار تام للإعلام الرسمي المسموع والمرئي نتيجة لإسناد الإشراف علي هذه المؤسسة الحساسة والمهمة لأحد ألوية القوات المسلحة عودة لمنطق تولية «أهل الثقة» وكأن «أهل الخبرة» ليس بينهم من يمكن اعتباره أهل ثقة أيضاً.

9- تعاملت السلطة الحاكمة مع حركات الاحتجاج التي تجاوزت الاحتجاج السلمي إلي قطع الطرق وتعطيل المصالح والمنشآت، تعاملت بارتباك شديد.. فمرة تستعين برجال الدين لإقناع المحتجين بفتح الطرق.. وتارة تسرف في الوعود التي لا تستطيع تنفيذها لتهدئة المحتجين. وكانت المعالجة الأمنية بشكل عام «رخوة» إلى الحد الذي جعل تحدى القانون أمراً عادياً.. وأفلت الزمام وعادت حالة الانفلات الأمني أسوأ مما كانت.

 

مع تراجع الثقة يزحف الاحتقان

في ظل هذا المناخ فإن الثقة التي منحتها الجماهير لسلطة الحكم بشقيها المجلس الأعلي للقوات المسلحة والوزارة بدأت تتآكل.. وزحفت مشاعر القلق والإحباط لتحل محل مشاعر الأمل الذي ولدته الثقة في سلطة الحكم.

ومع تآكل رصيد الثقة هذا أصبحت الجماهير مهيأة للانفجار في أي مناسبة تري فيها أن سلطة الحكم لا تلتزم بتنفيذ خارطة الطريق التي ارتضتها جماهير الثورة. وربما انفجرت الجماهير نتيجة إشاعة تطلق من جهة مجهولة أو قرار عشوائى لا تجد الجماهير مبرراً منطقياً له.

وسوف تستمر حالة الاحتقان هذه ويتزايد التعبير عنها بعنف.. وستدفع مصر ثمناً غالياً، لا يقتصر علي إجهاض أنبل ثورة وحسب، بل سيتجاوز ذلك إلي انهيار الدولة.

الحل لا يتطلب معجزة، ولا يحتاج إلي عبقرية لا تتوفر للشعب المصري.. الحل بسيط للغاية وهو ضرورة التزام سلطة الحكم الحالية بالتنفيذ العاجل والدقيق لخارطة الطريق التي وضعت جماهير الثوار مبادئها الرئيسية وأوكلت إلي سلطة الحكم بثقة تامة فيها تنفيذ هذه الخريطة.. وأولها فرض سلطة القانون وهيبة الدولة علي الجميع، وسرعة وعلنية محاكمة أركان النظام السابق وإنقاذ الإعلام الرسمي من الانهيار، واطلاع الجماهير علي الحقائق مهما كانت قاسية.. فهل تسمع سلطة الحكم هذه الصرخات أم أنها ماضية في طريقها لا تعبأ بشيء؟!