رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

النفاق يقود قوافل المتحولين

 

بعد نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير ترددت بكثرة في الخطاب السياسي في مصر كلمة »المتحولين«. والكلمة ابتكرها علي ما يبدو فريق من أنصار وحواريي نظام الرئيس السابق مبارك لتكون البديل المهذب الذي لا يجرح للكلمة التي تصف تحول هؤلاء من النقيض إلي النقيض وهي كلمة »النفاق« أو »الوصولية« المعبرتان بدقة عن مثل هذه الحالات من »التحول« الذي لا يستند إلي قناعات فكرية لكنه تحول تفرضه »المصلحة« وتحركه الرغبة في الهروب من مواقع الفريق الخاسر والالتحاق بالفريق المنتصر.

قافلة »المتحولين« تضم عدداً كبيراً من الشخصيات التي هيأ لها نظام مبارك السابق كل الفرص لتتصدر المشهد السياسي ولتكون النجوم الساطعة في سماء الفن والإعلام والثقافة والحياة العامة. وكان نظام مبارك يغدق علي هؤلاء من الأموال والامتيازات والمناصب ما يجعلهم يلهجون بالثناء عليه والتسابق في إظهار الولاء الذليل لشخص الرئيس السابق ونجله وحاشيته وكأن بعضهم يذهب إلي حد استخدام أكثر الوسائل انحطاطاً في مهاجمة من يجرؤ علي توجيه كلمة نقد للرئيس السابق ونظامه.

وكان البعض - الأكثر ذكاء - يغلفون ولاءهم الذليل بعبارات تحتمل التأويل ويمكن تفسيرها علي وجوه كثيرة. وكان نظام حكم مبارك يتقبل هذا الأسلوب المتحفظ نسبياً في الولاء ليستبقي لمستخدمي هذا الأسلوب موطئ قدم قريب من جبهات المعارضة.

وعندما انطلقت شرارة ثورة الخامس والعشرين من يناير لم يخطر ببال أكثر المتفائلين أن تحقق الثورة أهدافها القصوي بهذه السرعة، بل إن الحواريين وأنصار نظام مبارك تصوروا أن النظام سوف يسحق الثورة وأن الثوار ينتظرهم مصير رهيب. ولهذا أسرع الحواريون والأنصار كل في موقعه يهاجم الثوار بشراسة مستخدماً أبشع وأحط التهم. وانطلق »الإعلام« في عمليات تحريض لسحق الثوار مستخدماً كل ما يملك من قدرة علي التضليل، وسارعت قوافل الأنصار والحواريين من نجوم الفن ورجال السياسة والمثقفين وعلماء الدين جميعاً في استخدام كل أسلحتهم للتحريض علي الانقضاض علي الثورة وسحق الثوار.

وشاء الله وعزيمة الشباب ومؤازرة الشعب وحماية القوات المسلحة - شاءت إرادة الله - أن تتجمع هذه العناصر في ثورة هادرة اكتسحت في أيام معدودة نظام حكم مبارك الفاسد.

في لحظات انتصار الثورة أصاب الزلزال قوافل أنصار وحواريي نظام مبارك. آثر البعض أن يتواري عن الأنظار، وقرر البعض أن يحني رأسه للعاصفة مؤقتاً حتي يسترد وعيه ويعيد ترتيب أوراقه.

ومع التأكد من أن نظام مبارك انتهي إلي غير رجعة، بدأ بعض أنصار نظام مبارك في إعلان ولائهم للثورة؟! وأخذ كل منهم يبحث في أوراقه ومواقفه عن كلمة أو موقف يمكن أن يفسرها علي أنه كان »يعارض« نظام مبارك »من الداخل«؟! وأنه لم يكن راضياً عن الفساد المستشري في هذا النظام؟!

وهنا بدأت عبارة »المتحولين« تقتحم الخطاب السياسي في إشارة لأنصار النظام السابق الذين يحاولون الانتقال من معسكر نظام مبارك »المهزوم« إلي معسكر الثورة »المنتصر«؟! وتصور هؤلاء أنهم يملكون القدرة علي خداع الجماهير، وبعضهم تجاوز الرغبة في الإفلات من غضب وعقاب الجماهير ليطمح إلي ما هو أبعد من ذلك.

البعض تصور أن بمقدوره أن يحتل في زمن الثورة نفس المنزلة المتميزة التي كان يمثلها

في عهد الرئيس المخلوع مبارك؟!

هذه الخواطر حركتها أحاديث وتحركات نشطة لبعض الشخصيات التي كان لها دور بارز في تأييد نظام مبارك والدفاع عن سياساته وبعضهم جند كل قدراته لمهاجمة الثورة والثوار.

استوقفني مثلاً ما يقوله الشيخ خالد الجندي من أنه يعترف بأنه »متحول« وأنه يطلب من الثوار أن يغفروا له مواقفه العدائية من الثورة بمنطق أنه تاب وأن الله سبحانه وتعالي يغفر لعباده التوابين.. ويدهشني أن الشيخ الجندي وهو العالم المتمكن لا يذكر أن للتوبة شروطاً، وأن الله سبحانه وتعالي يقبل توبة من يعمل السوء بجهالة«، ولا يقبل التوبة ممن يعلن توبته عندما يجد نفسه في مواجهة لحظة الحساب، والآية القرآنية صريحة »وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتي إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن« فالشيخ الجندي لم يؤيد نظام مبارك الفاسد ويهاجم الثورة »بجهالة« وإن كان قد فعل ذلك وهو جاهل لا يقدر علي التفريق بين الفساد والاستقامة فخير له أن يترك موقع العالم الذي يحتله؟!

وأمثال الشيخ الجندي كثير مثل الممثل الفكاهي عادل إمام الذي كان من أشد المدافعين عن مبارك والمهاجمين لمعارضيه ومعه عدد من الفنانات والفنانين.

أما الدكتور مصطفي الفقي فإنني مع إعجابي بذكائه وقدرته علي الجدل بمنطق له بريق فإنني لا أستطيع أن أقتنع بأنه لم يكن من سدنة نظام مبارك، بل إنني أتصور أنه - بذكائه - كان يتخذ المواقف الأكثر دعماً لمبارك ونظامه ممن يدعمون هذا النظام بحماس غبي، والذكاء في هذه الحالة يعتبر خداعاً يحسب علي صاحبه ولا يحسب له.

لم أكتب هذا مطالباً بمعاقبة أحد، لكنني أتصور أن علي الثوار أن يتنبهوا وأن يتعاملوا بحذر بالغ مع هؤلاء »المتحولين« وآمل أن يرفض الثوار بحسم اقتراب هؤلاء المتحولين من صفوفهم وأن يواصلوا كشف مواقفهم للجماهير، فلا أقل من أن يدفع هؤلاء المتحولون ثمناً بسيطاً في عصر الثورة التي ناصبوها العداء. والثمن لا أريده أكثر من انصراف الجماهير عنهم ومعرفة حقيقة مواقفهم والتعامل معهم بالصفة الحقيقية التي حاولوا أن يجملوها باستخدام عبارة »المتحولين«.