رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أبشع جرائم نظام المخلوع

رغم بشاعة الفساد الذى تم الكشف عن حجمه ونوعه، فقد شعرت بصدمة عنيفة عندما قرأت تفاصيل عمليات السخرة والعبودية التى مورست على المجندين فى وزارة الداخلية والتى شملت المئات من المجندين.

كانت أخبار استخدام المجندين كخدم وعمال بدون أجر فى منازل قيادات الداخلية ومشاريعهم يتم تداولها همساً، وكان المسئولون يكذبون هذه الأخبار ولا يملك أحد أن يقدم دليلاً مادياً يؤكد هذه الهمسات، فالسجلات الرسمية لا يدون فيها مثل هذه التصرفات غير القانونية ويتم تسجيل بيانات كاذبة وغير حقيقية فى السجلات الرسمية تحسبًا لإثارة الموضوع أمام أية جهة رسمية.
وعندما تم الكشف عن حجم وأسلوب هذه الجريمة البشعة فى الأسبوع الماضى فى سياق الكشف عن حجم الفساد الذى عشش فى كل ركن بوزارة الداخلية خاصة خلال فترة تولى وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى لهذه الوزارة، عندما تم الكشف عن حجم ونوعية هذه السخرة وما تعرض له المجندون الذين تم استخدامهم لبناء القصور للوزير وأعوانه والخدمة فى المزارع فى ظروف إنسانية  بشعة تذكرنا بالظروف التى كان يعيشها «العبيد» فى العصور الوسطى، عندما انكشف الأمر على هذا النحو المرعب أفزعنى أن الأمر لم ينل ما يستحق من ردود فعل خاصة على مستوى مؤسسات حقوق الإنسان.
هذه جريمة العصر بغير منازع، فإذا كان نهب المليارات قد شغلنا، وإذا كنا قد فزعنا لحجم الفساد المالى الذى انتشر فى كل ركن خلال حكم الرئيس المخلوع مبارك، فإن هذه «الجريمة الإنسانية» هى الجريمة الأولى بأن نوليها ما تستحق من اهتمام وأن تتحرك كل المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان لتتابعها وتلاحق كل مسئول ساهم فى هذه الجريمة الإنسانية.
وفى مثل هذه الجرائم يجب أن يوجه الاتهام لكل مسئول كانت له علاقة بهذه الجريمة، ولا يمكن أن نستثنى من هذا الاتهام أى مسئول شغل منصباً قيادياً له علاقة بهؤلاء المجندين، فكل مسئول شارك ولو بالصمت فى هذه الجريمة البشعة.
والاعتماد هنا على السجلات الرسمية لإثبات الجريمة مرفوض تماماً لأننا جميعاً نعلم علم اليقين أن هذه السجلات مزورة وأنها لا تتضمن المعلومات الحقيقية، وهنا فعلينا أن نعتمد على شهادة من تعرضوا لهذه الجريمة من المجندين، ولحسن الحظ فعدد كبير منهم مازالوا أحياء يرزقون وأكثرهم على استعداد للإدلاء بشهادات تفصيلية عن أساليب السخرة والعبودية التى عوملوا بها، وأكثرهم يستطيع أن يدلى بأسماء الضباط الذين كانوا يقودون عملية السخرة ميدانياً، وهؤلاء الضباط عليهم أيضاً أن يدلوا بشهاداتهم حول القيادات التى أصدرت أوامرها لممارسة هذه الجرائم الإنسانية البشعة.
وإذا كانت الثورة قد وضعت على رأس أهدافها «الكرامة الإنسانية» فهذه هى القضية الأهم التى تتعلق بشكل مباشر بأبشع عمليات الانتهاك «لكرامة الإنسان» وأدعو المنظمات المعنية بحقوق الإنسان للبدء فوراً فى العمل الجاد لتقديم مرتكبى

هذه الجريمة لمحاكمات عاجلة وحاسمة تطالب حبيب العادلى وقيادات الداخلية المتورطين فى هذه الجريمة بدفع التعويضات المادية المناسبة لكل مجند تعرض للسخرة على أن تكون هذه التعويضات أضعاف أضعاف الأجور التى كان يمكن للعمال أن يتقاضوه عن مثل هذه الأعمال، مضافاً إلى هذه الأجور تعويضات تتناسب مع بشاعة الجريمة الإنسانية التى تعرض لها هؤلاء المجندون وتصرف هذه التعويضات للمجندين أو لأسرهم.
ويبقى بعد ذلك حق الدولة وهو إنزال العقوبة المناسبة على هذه القيادات وفى مقدمتهم حبيب العادلي، وإذا كان القانون المصرى لا يحتوى من العقوبات ما له علاقة بجريمة «السخرة والعبودية» فالقوانين الدولية التى تلتزم مصر بتطبيقها فى مجالات «تحريم الرق» والعدوان على حقوق الإنسان توفر فرصاً كثيرة للقصاص من كل من ارتكب هذه الجريمة.
لقد تنبه العالم مبكراً منذ إنشاء عصبة الأمم إلى بشاعة جرائم «السخرة» و«الرق» فصدرت المواثيق الدولية الملزمة لكل الدول الأعضاء بتطبيقها واعتبارها - أى هذه المواثيق - قوانين ملزمة لكل الأعضاء. وجاءت الأمم المتحدة بعد ذلك لتضيف إلى هذه المواثيق العديد من البنود التى تسد ثغرات فى المواثيق السابقة وتمد مظلة حماية الإنسان من مختلف أنواع السخرة والرق لتشمل الكثير من الأعمال والتصرفات التى لا تبدو فى مظاهرها أعمال سخرة أو رق.
نحن الآن أمام حالة سخرة وعبودية صارخة ومرتكبوها مازالوا بعيدين عن ساحة العدالة، وشهودها أحياء يرزقون وهم على استعداد للإدلاء بشهاداتهم، ومن تعرضوا لهذه «العبودية» والسخرة لم تزل جراحهم الجسدية والنفسية تنزف.
هذه الجرائم وأشباهها هى الجرائم التى تستحق أن تفزع لها ضمائر كل المصريين وأن تتحرك المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان لتبنيها ومتابعتها بكل جدية حتى يلقى المجرمون ما يستحقون من جزاء رادع، وحتى يكون هذا الجزء مؤشراً لعهد جديد لا يستخدم فيه أى مسئول سطوة الدولة وسلطتها لاستعباد المواطنين.