رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الإعلام المصري ابتلع الطعم الاسرائيلي في قضية انهاء عقد الغاز

من أهم القواعد المستقرة في علوم وفنون الإعلام التعرف بدقة علي الخطاب الاعلامي للعدو لمعرفة الأهداف التي يسعي هذا الاعلام لتحقيقها خاصة في فترات «الأزمات» التي تحتاج من كل طرف أن يستخدم كافة الأسلحة المتاحة له في الصراع بأقصي  درجة من الكفاءة والاعلام في هذه الحالات من أهم أسلحة الصراع.

عندما تم الاعلان عن إلغاء إحدي المؤسسات المصرية عقد توريد الغاز الطبيعي لشركة «غاز البحر المتوسط» التي تقوم بتصدير هذا الغاز لاسرائيل، اثارت اسرائيل عاصفة سياسية وإعلامية «هدفها» اثبات ان هذا الالغاء هو في حقيقته «قرار سياسي» وليس قراراً تجارياً بحتا اتخذته «شركة مصرية» تجاه شركة تجارية اخري دون النظر إلي الجهة التي تتعامل معها شركة غاز الشرق الأوسط.
وبدا واضحاً أن الحملة الاعلامية الاسرائيلية وتصريحات المسئولين الاسرائيليين تحاولان بكل الوسائل اثبات هذا الادعاء الاسرائيلي بأن الغاء هذا العقد هو «قرار سياسي» تم اتخاذه في الدوائر السياسية العليا  بالدولة المصرية لحرمان اسرائيل من مصدر طاقة حيوي يؤثر تأثيرا خطيراً  علي مجمل الأوضاع الاقتصادية في اسرائيل ومن يتابع هذه الحملة السياسية والاعلامية  يدرك بكل وضوح أن اسرائيل تحاول بهذه الحملات  السياسية والاعلامية تحقيق هدفين رئيسيين.
الهدف الأول: تعبئة الرأي العام الاسرائيلي وتهيئته لمؤازرة أية قرارات سياسية أو تهديدات عسكرية تتخذها حكومة اسرائيل اليمينية المتطرفة في محاولة لابتزاز مصر أو تخويفها بحجة الإضرار العمد بمصالح اسرائيل الاقتصادية بقرارات سياسية اتخذتها السلطات المصرية. وسواء وصل الأمر الي حد الاقدام علي أي عمل عسكري طائش أو اقتصر علي مجرد التلويح والتهديد. فان الحكومة الاسرائيلية بحاجة الي مبررات قوية لإقناع الرأي العام الاسرائيلي بضرورة «مواجهة» مصر بموقف حاد لإجبار السلطات المصرية التي اتخذت هذا «القرار السياسي» ـ بحسب التفسير الاسرائيلي ـ لتتراجع عن هذا القرار.
الهدف الثاني: استعداء الدول الغربية المنحازة لاسرائيل، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية علي القيادة السياسية المصرية للضغط علي هذه القيادة للتدخل والغاء هذا القرار واعادة تدفق الغاز المصري الي اسرائيل بحجة أن هذا القرار ألحق اضرارا كبيرة بمصالح اسرائيل وهو الأمر الذي تعتبره اسرائيل «خرقاً» لمعاهدة الصلح الاسرائيلية المصرية بحسب التفسير الاسرائيلي الذي يركز علي أن الغاء العقد بين شركتين تجاريتين هو في حقيقة الأمر «قرار سياسي» تتحمل تبعاته الدولة المصرية. لتحقيق هذين الهدفين من الاعلام الاسرائيلي حملة شرسة ضد مصر لاثبات أن ماتم هو قرار سياسي تتحمل الدولة المصرية تبعاته ويعطي لاسرائيل الحق في اتخاذ أية قرارات عدوانية ضد مصر. ونطالب هذه الدول الصديقة لاسرائيل بالتدخل بكل ما تملك من وسائل الضغط لاجبار القيادة السياسية المصري علي اتخاذ قرار بإعادة تفعيل هذا العقد الذي يسمح لشركة غاز الشرق الأوسط باستئناف ضخ الغاز المصري لاسرائيل.
الكارثة الكبري في تصوري أن «الإعلام المصري» بكل وسائله المطبوعة «الصحف» والمرئية «التليفزيون» والمسموعة «الاذاعة»، ابتلع الطعم الاسرائيلي وسارع كثيرون لتبني نفس خطاب اعلام العدو الاسرائيلي بتصوير هذا «القرار التجاري» البحت علي أنه قرار سياسي. وأدرك أن السخط الشعبي علي عملية تصدير الغاز لاسرائيل ساهم بقوة في وقوع الاعلام المصري في هذا الشرك، لأن الكثيرين سارعوا بدوافع وطنية صادقة للترحيب بهذا القرار، وبدلا من وضع الأمور في نصابها الصحيح أي بالترحيب بـ « القرار التجاري» الذي تصادف انه قرار يصب في مصلحة الشعب المصري ويحقق للجماهير رغبة طالما تمنت أن تتحقق، بدلا من التنبه لهذا الشرك فقد كان اغراء الإثارة أقوي.
وفي هذا السياق، تابعت بقلق بالغ الخطاب الاعلامي الذي تبنته لميس الحديدي علي شاشات قنوات CBC بدت لميس الحديدي كعادتها تتحدث بحماس بالغ، وتحاول بكل الطرق أن تثبت أن هذا القرار هو «قرار سياسي» تم اتخاذه من قبل القيادة الأعلي المسئولة الآن عن اتخاذ القرارات «السيادية».
وفي سبيل اثبات صحة تفسيرها استضافت علي الهاتف أحد المسئولين بالهيئة العامة للبترول المصرية والتي اتخذت القرار علي أسس تجارية بحتة، وأخذت لميس الحديدي تمطر المسئول بسيل من الأسئلة التي تحاول بها أن تستدرج هذا

المسئول للاعتراف بأن هذا القرار هو «قرار سياسي» وليس مجرد «قرار تجاري».
وكان الرجل يرد بعبارات شديدة الانضباط لأنه يدرك خطورة السقوط في شرك الاثارة الذي جعل لميس الحديدي تضيق الخناق علي الرجل  وبإصرار عنيد لتدفع هذا المسئول الي الاعتراف بأن هذا القرار هو في  حقيقته «قرار سياسي» مستشهدة بمعلومات تقول إنها واثقة منها وهي معلومات تتحدث ـ حسب لميس ـ عن مشاركة المخابرات المصرية في الشركة المصرية التي عقدت الاتفاق التجاري مع شركة غاز شرق المتوسط.
وأكد الرجل عدم صحة هذه المعلومة لتعود لميس وتصر علي أن معلوماتها صحيحة.
تواصل لميس الحديدي هجمتها علي المسئول المصري، فتسأله هل معني هذا أن «مصر» لن تعود لتصدير الغاز لإسرائيل.. وبكل وضوح يؤكد الرجل أن هذا السؤال لا محل له في هذا السياق فالموضوع بكامله يتعلق «بعلاقة تجارية» بين شركتين وهذه العلاقة تحكمها بنود العقود المبرمة بين الطرفين وقد تصرفت الشركة أو المؤسسة المصرية علي هذا الأساس التجاري البحت بتفعيل بنود العقد. أما عملية  تصدير الغاز لاسرائيل من عدمه فهذا  موضوع لا علاقة له بقرار الشركة.
هكذا بدا المسئول المصري مدركاً أبعاد الشرك الذي  نصبته له لميس الحديدي ليقدم «دليلاً» واعترافاً تستخدمه اسرائيل  في حملتها الاعلامية والسياسية  التي تحاول ابتزاز مصر بمنطق ان هذا «القرار التجاري» هو في الحقيقة «قرار سياسي» تتحمل تبعاته  الدولة المصرية.
ياسادة  يا كرام.. يامن تتصدون لتقديم الخطاب الاعلامي أرجو أن تتنبهوا الي أهمية ضبط الخطاب الاعلامي، خاصة في مثل هذه الظروف وأن تحرصوا علي معرفة أهداف الخطاب الاعلامي للعدو الاسرائيلي فتتحاشوا الوقوع في شرك الاثارة فتجدوا أنفسكم في خندق واحد مع «إعلام العدو» الذي يحاول أن يستعدي العالم  علي مصر. اعرف أن حسن النية والفرحة بوقف تصدير الغاز لاسرائيل هما اللذان حركا الزميلات والزملاء لتبني هذا الخطاب الاعلامي الذي لا أشك في أن اسرائيل ستحاول أن تستخدمه كدليل وشهادة مصرية تؤكد مزاعمها التي تبرر بها حملة التهديد والوعيد التي يتبناها المسئولون الاسرائيليون هذه الأيام. أرجو أن ننحي الاثارة جانباً فمصلحة الوطن أولي بأن نراعيها في خطابنا الاعلامي.
وفي هذا السياق، آمل أن نضبط العبارات التي نستخدمها فلا نستخدم عبارة «اتفاقية الغاز بين مصر واسرائيل»، لأن الوصف الحقيقي هو عقد تجاري بين شركتين ولا علاقة للدولة المصرية به.. ولا نستخدم عبارة «وقف تصدير الغاز لإسرائيل» فهذا التوقف حدث نتيجة طبيعية لانهاء تعاقد تجاري بين شركتين ونستخدم عبارة الغاء عقد توريد الغاز المبرم بين شركة شرق المتوسط وهيئة مصر لإخلال الشركة بشروط وبنود العقد. هذه هي العبارات الدقيقة لقرار تجاري لا علاقة للدولة المصرية به.